الفضاء لم يعد حكرا على ناسا واخواتها: الصين تطلق الكبسولة الرئيسية لمحطتها الفضائية
في فيلم الخيال العلمي “الجاذبية” الذي أنتجته هوليود عام 2013 نجحت البطلة في العودة إلى الأرض على متن محطة الفضاء الصينية التي خرجت من مدارها. في ذلك الوقت كان ذلك محض خيال سينمائي، وبعد مرور 8 أعوام، حولته الصين إلى الحقيقة بإطلاق الوحدة الرئيسية “تيانهي” (انسجام السماء) لتكون اللبنة الأولى في محطتها الفضائية التي تنهي عصر هيمنة المحطة الفضائية الدولية ووكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، فلم يعد الفضاء حكرا عليهما.
فبعد أكثر من 20 عاما ومحطة الفضاء الدولية تجوب سماء كوكبنا كحارس فضائي مخلص على ارتفاع 420 كيلومترا من سطح الأرض، نجحت الصين في الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش يوم الخميس 29 أبريل/نيسان 2021 في إطلاق الوحدة المركزية لمحطتها الفضائية التي ستدور حول الأرض على ارتفاع يراوح بين 400 و450 كيلومترا.
وستكتمل طاقة المحطة التشغيلية عام 2022 بعد اكتمال مكوناتها الأخرى بـ10 مهمات أخرى لإطلاق المكونات الباقية وتركيبها في مدارها حول الأرض.
مهمات إكمال المحطة
وبخلاف مهمة إطلاق الوحدة المركزية التي تمت بنجاح، تعتزم الصين إطلاق 10 مهمات أخرى لنقل وحدتين أخريين إلى المحطة، و4 شحنات من المستلزمات و4 فرق من رواد الفضاء. ويتلقى حاليا 12 رائد فضاء على الأقل التدريب على السفر والحياة في الفضاء، منهم رواد فضاء متمرسون من رحلات ومهمات سابقة، من الرجال والنساء.
ومن المتوقع أن تعمل المحطة 10 سنوات قابلة للتمديد إلى 15 عاما كما يُتوقع إطلاق المهمة الفضائية الأولى (واسمها شنزو 12) التي ستنقل المجموعة الأولى من رواد الفضاء إلى هذه الوحدة في يونيو/حزيران من العام الحالي، وتتضمن المهمة إرسال 3 رواد فضاء إلى المدار نحو 3 أشهر لاختبار نظام دعم الحياة والصيانة.
وعندما تكتمل محطة الفضاء الصينية في نهاية 2022، سيبلغ وزنها 66 طنًّا، وهو وزن هزيل جدا مقارنة بمحطة الفضاء الدولية التي أطلقت وحدتها الأولى عام 1998 وسيبلغ وزنها 450 طنًّا عند اكتمالها.
وسوف تحتوي المحطة الصينية على ميناء إرساء والتحام، وسيكون بمقدورها التواصل مع قمر فضائي صيني قوي، ومن الممكن نظريًا توسيعها بإضافة وحدات أخرى.
والمحطة معدّة ومصممة لكي تؤوي رواد الفضاء أوقاتا طويلة. وبينما يعادل حجم المحطة الصينية خمس محطة الفضاء الدولية، فإنها تعادل حجم محطة “مير” الروسية التي استمرت في الدوران حول الأرض من عام 1986 حتى 2001.
أهداف المحطة بعيدة المدى
وكانت الصين قد بدأت الاستعدادات لإقامة محطة فضائية في أوائل التسعينيات مع تطور برنامجها الفضائي لكنها أقصيت من محطة الفضاء الدولية بسبب الاعتراضات الأميركية على الطبيعة السرّية للبرنامج الصيني وصلاته القوية بالمنظومة العسكرية.
وفي السنوات العشر الماضية أطلقت الصين وحدتين تجريبيتين لمحطة الفضاء، وذلك قبل إطلاق وحدات المحطة الدائمة. وفقدت الوحدة الأولى -كان اسمها (تيانغونغ 1) وتعني (قصر السماء)- مدارها فاستُغني عنها واحترقت في الغلاف الجوي عام 2016، أما الوحدة الثانية (تيانغونغ 2) فأُخرجت من مدارها بنجاح عام 2018.
وتحتوي الكبسولة الرئيسة التي أُطلقت -وتحمل اسم “تيانهي” (انسجام السماء)- على 3 مقصورات معيشة لـ3 رواد. ووفقا لهيئة العلوم والتكنولوجيا الفضائية الصينية يبلغ طولها 16.6 مترا، ويبلغ قطرها 4.2 أمتار، وبها فسحة للمعيشة مساحتها 50 مترًا مكعبًا.
وستخصص المحطة الفضائية إمكاناتها لعدد من تجارب الجاذبية المصغرة الدولية، وقد قُبلت 6 مشروعات حتى الآن، منها تجربة عن تأثير سفر الفضاء في أورام السرطان يديرها من الأرض باحثون من النرويج وهولندا وبلجيكا وفرنسا.
ومع أن الصين ذكرت أنها لا تعتزم تكريس محطتها الفضائية لأغراض التعاون الدولي مثل محطة الفضاء الدولية، فإنها أعلنت ترحيبها بالتعاون الأجنبي من دون تحديد نطاق التعاون.
برنامج فضائي طموح
ويأتي هذا الإطلاق كإنجاز جديد في برنامج الصين الفضائي وخططها الطموحة لتأكيد حضورها البشري الدائم في الفضاء جنبًا إلى جنب مع محطة الفضاء الدولية، ولإنهاء عصر هيمنتها المطلقة على سماء الأرض طوال أكثر من عقدين.
وأغدقت الصين مليارات الدولارات على برنامجها الفضائي من أجل تأكيد مكانتها العالمية، وإظهار قدراتها العلمية والتكنولوجية المتطورة كقوة عظمى يشار إليها بالبنان على غرار الولايات المتحدة وروسيا. وجدير بالذكر أن برنامج الصين الفضائي مصدر للفخار والكرامة الوطنية، وقد حضر كبار القادة العسكريين حدث الإطلاق من مركز التحكم في بكين.
وآتت هذه الاستثمارات الفضائية ثمارها، وبلغت الصين شأوا بعيدا في برنامجها الفضائي منذ إطلاق قمرها الصناعي الأول عام 1970.
وبعد سنوات من النجاح في إطلاق الصواريخ الفضائية والأقمار الصناعية التجارية، أرسلت الصين أول رائد صيني إلى الفضاء في أكتوبر/تشرين الأول 2003 ضمن المهمة “شينزو 5” لتكون ثالث دولة تفعل ذلك بصورة مستقلة بعد الولايات المتحدة وروسيا.
وبعد ذلك أرسلت الصين 3 رواد فضاء آخرين إلى مدار حول الأرض، وأرسلت فرقة من رواد الفضاء إلى محطة “تيانغونغ” الأصلية.
وكثفت الصين تعاونها مع خبراء الفضاء الآخرين من الدول الأخرى مثل فرنسا والسويد وروسيا وإيطاليا لكنّ ناسا لا تستطيع الدخول في تعاون مع الصين إلا بعد الحصول على موافقة من الكونغرس الذي لا يميل إلى ذلك حفاظا على الأسرار التكنولوجية الأميركية بذريعة حماية الأمن الوطني.