بعد 35 عاما في سجون الاحتلال.. أسير فلسطيني يتنسم عبير الحرية
كثيرة هي المتغيرات التي حدثت مع الأسير رشدي أبو مخ (58 عاما)، الذي تنفس الحرية اليوم الاثنين، بعد 35 عاما قضاها خلف قضبان السجن الإسرائيلي. فالشاب اليافع الذي اعتقل وهو ابن 23 عاما، عاد إلى بلدته وقد اشتعل الرأس شيبا، وتبدلت من حوله الأحوال والظروف.
فـ”الصدمة” هي أول شعور انتاب هذا الأسير، الذي بدأ حياة وواقعا جديدا مخالفا لذلك الذي فرضه عليه الاحتلال طيلة 35 عاما، عاني فيها من كل أشكال العذاب.
فالمكان الذي تركه في مدينة باقة الغربية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ليس هو المكان الذي وجده بعد سنوات السجن الطويلة، حتى الأشخاص والعائلة التي فقد الكثير من أفرادها ممن وافتهم المنية، فقد توفي والداه خلال فترة سجنه.
بعد دقائق معدودة من إطلاق سراحه، قال أبو مخ وهو في طريقه إلى منزل العائلة بين عدد محدود من أفراد أسرته: شعور إنسان ولد من جديد يلتقي مع أحبته بعد 35 عاما”، ويضيف: “إنه شيء ليس سهلا.
رأى هذا الأسير المحرر شمس الحرية، وأماكن رحبة على مد البصر عن يمينه وعن شماله، بخلاف غرف السجن الضيقة، وساحاته التي تمر عبرها الشمس لوقت وجيز في اليوم، وبخلاف الأبواب الفولاذية والقضبان والأسلاك الشائكة.
ولم يستطع وصف شعوره الحالي، فهو في أول أيام الحرية، لكنه قال إنه “شعور لا يوصف”، مضيفا: “لساتني (لا زلت) بصدمة”، وكان يتشوق لمعرفة أهله وأحبائه وكذلك المجتمع الذي تركه قبل 35 عاما، وهي سنوات جعلت من الأطفال الذين تركهم خلفه رجالا كبارا أنجبوا أطفال، وسنوات ولدت فيها أجيال كثيرة، لم يعرفها إلا عبر الرسائل والأخبار التي كانت تنقل له من زواره.
وقد عبّر أبو مخ عن أمله في أن يساعده أحباؤه على تجاوز “الصدمة” والتأقلم مع الوضع الجديد.
فهذا الأسير لن يكون على موعد مع الخلود للنوم في وقت محدد يفرضه السجان، ولا مع موعد مبكر للاستفاقة من غبطة النوم، ليخضع للعد اليومي من قبل السجان، ولن يكون كذلك مجبرا على تناول طعام محدد، ولا ارتداء ملابس معينة، فهناك خلف قضبان السجون روايات مريرة من الألم، لكن التخلص منها ليس سهلا، ولا يكون بين ليلة وضحاها، وهو ما أشار إليه الأسير أبو مخ، حين وصف الأمر بـ”الصدمة”.
وقد ترك هذا الأسير خلفه قصصا وروايات مشابهة لعشرات الأسرى القدامى، فهناك الأسيران كريم وماهر يونس، اللذين يقتربان من إتمام عامهما الأربعين في السجون الإسرائيلي، والقائمة تطول من هؤلاء الأسرى المعروفين باسم “عمداء الأسرى”، والذين اعتقلوا قبل “اتفاق أوسلو” للسلام، وكان من المفترض أن تطلق سلطات الاحتلال سراحهم.
وفور وصوله إلى مدينة باقة الغربية، زار الأسير المحرر ضريحيْ والدته ووالده، كما زار والدة الأسير المحرر مخلص برغال في منزلها بمدينة اللد قبل وصوله إلى منزله.
ويقول نادي الأسير، إن أبو مخ اعتُقل عام 1986، إلى جانب ثلاثة من رفاقه الأسرى وهم: الأسير والمفكر وليد دقة، وإبراهيم أبو ومخ، وإبراهيم بيادسة، وقد حكم الاحتلال عليه بالسّجن المؤبد، وجرى تحديده لاحقاً بـ35 عامًا، علماً أنه كان من المفترض أن يُفرج عنه الشهر الماضي، إلا أن سلطات الاحتلال ادعت أن على الأسير أبو مخ “مخالفة سير” قبل اعتقاله، وعليه تم إضافة 12 يوما على مدة الحكم ليكون موعد تحرره صباح اليوم الاثنين.
ووجهت سلطات الاحتلال لأفراد المجموعة، وجميعهم من مدينة باقة الغربية، تهمة اختطاف وقتل الجندي الإسرائيلي موشيه تمام عام 1984.
ولفت نادي الأسير إلى أنه وعلى مدار عقود رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عن الأسير أبو مخ ورفاقه رغم حصول مجموعة من صفقات التبادل والإفراجات خلال سنوات أسرهم، وكان آخرها عام 2014، حيث تنصلت من الاتفاق الذي جرى ضمن مسار المفاوضات في حينه، وأبقت على اعتقال 30 أسيراً، وهي ما عُرفت بالدفعة الرابعة.
وخلال سنوات أسره، جرت الكثير من الأحداث على المستوى الفلسطيني والشخصي، وتوالت أجيال، وفقدَ الأسير رشدي والدته التي انتظرته (33) عاما قبل رحيلها، كما خو حال الكثير من الأسرى القدامى الذين فقدوا أمهاتهم، وأفرادا من عائلاتهم على مدار سنوات اعتقالهم.
ويوضح نادي الأسير أن عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع “اتفاقية أوسلو” بعد الإفراج عن الأسير أبو مخ، هو 25 أسيرا، منهم 11 أسيرا من أراضي عام 1948، واقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلين منذ عام 1983.