مدينة القمار في أمريكا فارغة… كيف ضرب فيروس كورونا اقتصاد المدينة الصاخبة؟
واحة في قلب صحراء الغرب الأميركي القاسي، لا تملك من مقومات الحياة إلا القليل، لكنها استطاعت أن تقتنص لنفسها مكانة وسمعة دولية قلما يتمتع بها غيرها من المدن حول العالم، إنها لاس فيغاس.
تُعرف فيغاس، كما يختصرها أهاليها، بأنها عاصمة المتعة والترفيه في العالم، ومع مرور الوقت بعد تأسيسها عام 1905، تحولت المدينة، التي تبدو من الطائرة كواحة في الصحراء، لتعرف “بمدينة الخطيئة” (Sin City)، لاعتمادها الواسع على أنشطة لا تلقى قبولا في المجتمع الأميركي المحافظ في معظمه، مثل ملاهي القمار والمراهنات المالية وحياة الليل الصاخبة.
“جاء فيروس كورونا، واستطاع تركيع المدينة، فلا يوجد هناك أي مدينة حول العالم ضربها الفيروس كما ضرب فيغاس” يقول دان، أحد موظفي الاستقبال بفندق بلاجيو في حديث مع الجزيرة نت.
وأضاف الموظف، الذي اعتبر نفسه محظوظا بالحفاظ على عمله “كنا نرحب بطائرات شارتر من مدن شرق آسيا لتهبط في فيغاس محملة بآلاف الأشخاص ممن يقضون أيام قليلة ينفقون خلالها ملايين الدولارات في ملاهينا، لقد أصبح ذلك جزءا من التاريخ”.
خسائر الإغلاق
لا يضاهي فنادق فيغاس بحجمها وطاقتها وضخامتها وإمكانياتها أي فنادق مدينة أخرى حول العالم، وتملك المدينة 19 فندقا من بين أكبر 23 فندقا حول العالم، ويوجد بها أكثر من 167 ألف غرفة فندقية، أكثر من أي مدينة أخرى في العالم.
جذبت فيغاس عام 2019 أكثر من 43 مليون سائح لها من داخل وخارج الولايات المتحدة، أنفقوا خلالها أكثر من 30 مليار دولار، طبقا لبيانات هيئة السياحة والمؤتمرات بولاية نيفادا.
وأشارت بيانات ولاية نيفادا إلى انخفاض نسب أشغال فنادق فيغاس من 90% عام 2019 لتصل إلى أقل من 40% العام الماضي، وترتب على ذلك فقدان عشرات الآلاف لوظائفهم.
ونتج عن الإغلاق خسارة عائدات بمليارات الدولارات كانت تذهب للحكومة المحلية في صورة ضرائب ورسوم حكومية، وهو ما أثر سلبا على الخدمات العامة كالصحة والتعليم.
وترتب على الإغلاقات، المستمر أغلبها حتى الآن حيث يسمح بطاقة لا تتخطى 25% في المطاعم والملاهي، استمرار حظر فتح المسارح أو تنظيم الحفلات الغنائية والراقصة أو السماح بمعاودة عروض السيرك والأندية الليلية.
وتنتشر أكبر وأهم فنادق فيغاس في شارعها الشهير المعروف باسم “ستريب” (Strip) على مسافة 7 كيلومترات، ويضم كذلك العديد من المطاعم والملاهي والمسارح والأسواق والمعارض المتنوعة والحدائق والمساحات الخضراء، كما تتميز بأضوائها المميزة والمثيرة.
وتم تصميم فنادق فيغاس بتقليد المعالم العالمية الشهيرة، مثل الأهرامات المصرية أو برج إيفل بباريس أو تمثال الحرية وأبراج نيويورك، وزاد ذلك من حيوية المدينة ومن إقبال العديد من السياح إليها.
وبدلا من الترحيب الحار بنزلاء الفنادق الشهيرة بفيغاس، أصبح أول ما يقابله الزائر شخص يقيس درجة الحرارة ويتأكد من ارتداء كمامة الوجه والحفاظ على التباعد الاجتماعي، وما زال أغلب مطاعم ومقاهي فنادق فيغاس مغلقة، لذا يسمح للنزلاء بإحضار طعام من الخارج.
ضربة كورونا العنيفة
تقع مدينة فيغاس في أقصى الجنوب الغربي لولاية نيفادا، وتأسست المدينة ابتداء كمحطة سكة حديد، ونقطة منتصف الطريق من مدينة سولت ليك سيتي بولاية يوتا إلى مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا.
يسكن المدينة 67 ألف شخص، في حين يبلغ إجمالي سكان المدينة وضواحيها ما لا يقل عن 2.27 مليون شخص، طبقا لبيانات مكتب التعداد الفدرالي.
ويبلغ متوسط معدل الإصابات اليومي بفيروس كورنا 170 شخصا خلال الأسبوع الماضي، وأصيب 227 ألف شخص بالفيروس وتوفي 3871 شخصا بنهاية فبراير/ شباط الماضي.
وبعد الإغلاق الناتج عن انتشار وتفشي فيروس كورونا منتصف مارس/آذار 2020، ارتفعت نسب البطالة في فيغاس من 3.6%، وكانت الأقل في الولايات المتحدة، إلى أكثر من 34% منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ووصلت الآن واستقرت عند 10%.
وغيرت فنادق فيغاس سياساتها وأسعارها لتناسب الواقع الجديد، فبعد التخلي عن أكثر من 60% من العاملين بالفنادق، تم تخفيض الأسعار لجذب السياح، وأصبحت تكلفة الغرفة التي كانت تبلغ 400 دولار قبل فيروس كورونا تقل اليوم عن 100 دولار.
ولا تعرف فيغاس وجود صناعات هامة بها، ولا يوجد بها ثروات طبيعية ذات قيمة، وتشكو من قلة المياه نظرا لجفافها الكبير وارتفاع درجة الحرارة على مدار العام وندرة الأمطار.
ويعتمد اقتصاد فيغاس بالأساس على كونها مركزا لجذب السياح الأغنياء من حول العالم، واليوم يدرك مسؤولو المدينة أن عالم ما بعد كوفيد-19 لن يشبه عالم ما قبل الفيروس، خاصة في السفر والتنقل، ولذلك السبب لا يدخر هؤلاء المسؤولون جهدا في محاولات صعبة لتخيل مستقبل مدينة الخطيئة في عالم سيتراجع فيه السعي للسفر للترفيه والإمتاع، وهو ما لا تعرف لاس فيغاس على مدار تاريخها سواه.