لهذه الأسباب تصمت فرنسا على ما يجري في إقليم تيغراي الإثيوبي
قال موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي، في تحقيق له، إن “الصمت” الفرنسي حيال ما يجري في إقليم تيغراي الإثيوبي الانفصالي، من جرائم حرب محتملة وتدمير للمواقع التاريخية، هو لأسباب اقتصادية، حيث تأمل باريس في الحفاظ على فرصها في السوق الأثيوبية الواعدة.
وأشار الموقع إلى أن البيان الوحيد الذي أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية في الـ23 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020 بشأن التطورات في إقليم تيغراي، غابت عنه كلمة “الحرب” وكلمة “جرائم الحرب”، وأيضا لم يتضمن أي دعوة لإجراء تحقيق مستقل في انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان. فهذا “الاحتشام” الفرنسي المثير للاستغراب بات يطرح تساؤلات، بل إنه أصبح يزعج بعض حلفاء باريس الأوروبيين، بالإضافة إلى عدد من الباحثين المتخصصين في الشؤون الأثيوبية، الذين عملوا لمدة شهرين ونصف الشهر، على جمع المعلومات الواردة من تيغراي على الرغم من قطع السلطات الفيدرالية الأثيوبية للاتصالات.
فبعيدا عن الأسئلة الأخلاقية المطروحة التي يطرحها الدعم الضمني لحكومة تسترت على انتهاكات حقوق الإنسان أو سمحت بحدوثها في إقليم تيغراي، فإن دعم فرنسا رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد هو خطأ في التحليل السياسي، يقول “ميديابارت”، ناقلاً عن الباحث رينيه ليفورت إن الفرنسيين يراهنون على أبي أحمد في كل شيء، لكن سلطة هذا الأخير ضعفت، إذ لم يعد خطه السياسي مدعوماً سوى من أقلية من الإثيوبيين.
دعم فرنسي
وعلى أي حال، فإن الجيش الفيدرالي الإثيوبي وحلفاءه يفسرون “الصمت الفرنسي حيال ما يجري في تيغراي على أنه دعم من باريس لهم”، يوضح موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي، مضيفاً نقلاً عن مصدر دبلوماسي أجنبي لم يورد اسمه، أن “فرنسا لم تتوقف عند التحفظ والحذر بشأن الوضع في تيغراي، بل إنها تكبح ميول أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يرغبون في إدانة أكثر صراحة لموقف السلطات الإثيوبية وحلفائها الإريتريين”. فباريس في وضع مثالي للقيام بذلك، بعد أن فازت مؤخراً بمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات. لذلك، يمكنها أن تطلب، مع الدول الأعضاء الأخرى، عقد دورة استثنائية للمجلس بشأن إثيوبيا.
وتابع ميديابارت القول إنه إذا كانت نتائج استراتيجية “الصمت” الفرنسية هذه تبقى في الوقت الحالي غير ملموسة للغاية حتى الآن، إلا أنه يمكن تفسيرها كالتالي: عدم إفساد الصداقة بين إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. وقبل كل شيء، عدم المساس بالمصالح التجارية الفرنسية في بلد يُنظر إليه على أنه واعد اقتصاديًا واستراتيجيا على الصعيد السياسي. “فالعامل الاقتصادي والتجاري يعد مسألة أساسية، بحيث ظل الفرنسيون إيجابيين للغاية، لأنهم يتموضعون بوضوح في القطاع الاقتصادي بأثيوبيا: ليست لديهم مصلحة سياسية قوية، وهذه ليست منطقة نفوذهم. لكن المصالح الاقتصادية مهمة ومتنامية بالنسبة لفرنسا، نظراً إلى ضخامة السوق الأثيوبية الواعدة”، وفق ما ينقل الموقع الفرنسي عن المصدر الأجنبي.
سوق واعدة
ولغزو السوق الأثيوبية -يوضح الموقع الفرنسي- استخدمت باريس وسائل كبيرة، ففي مارس/ آذار عام 2019، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثيوبيا برفقة وزير خارجيته جان إيف لودريان وسبعة رؤساء لشركات فرنسية كبرى، زاروا أثيوبيا من أجل توقيع عدد كبير من الاتفاقيات التي تهدف إلى “تعزيز جاذبية إثيوبيا للمستثمرين الفرنسيين”. فهناك العديد من الشركات الفرنسية مهتمة بالسوق الأثيوبية هذه التي هي في حالة طريق التحرر: شرطة “أورانج”، التي تنوي الاستفادة من خصصه الشركة الوطنية ‘‘أثيو-تيليكوم’’، بالإضافة إلى مجموعات “Castel” و”كانال+”، التي تعتزم تطوير عروض تلفزيونية محلية. كما أن المصالح التجارية الفرنسية في هذا البلد (الثاني إفريقياً من حيث عدد السّكان).
كما أن المصالح التجارية الفرنسية كثيرة ومتنوعة في أثيوبيا: تحديث شبكة الكهرباء الأثيوبية مع مجموعة “آلستوم”، وصنع “التروبينات” لسد النهضة مع “آلستوم”، التي تتطلع الآن إلى مشاريع السكك الحديدية الأثيوبية… إلخ. بعد وقت قصير من توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هنأ السفير الفرنسي ريمي مارشو نفسه قائلا: تضاعف عدد الشركات الفرنسية في إثيوبيا خلال خمس سنوات. نحن على استعداد للعمل معًا لمزيد من الاستثمارات الفرنسية.
كما أشار “ميديابارت” إلى أن التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة كانا حاضرين خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أثيوبيا في عام 2019. وقعت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، التي رافقته في الرحلة، اتفاقية دفاع مع نظيرتها الأثيوبية بالإضافة إلى إعلان نوايا بشأن إنشاء مكون بحري إثيوبي بدعم من فرنسا. وشكل ذلك خبراً ساراً بالنسبة لمصنعي الأسلحة والمعدات العسكرية الفرنسية، الذين سارعوا، بحسب الصحافة المتخصصة، إلى التقدم للفوز بالعقود. من بينها مجموعة “إيرباص” التي ترغب في بيع طائرات هليكوبتر مقاتلة لإثيوبيا، معتمدة في ذلك على الملحق العسكري للسفارة الفرنسية في أديس أبابا (حتى سبتمبر 2020) ستيفان ريشو، وهو نفسه قائد سابق لفوج مروحيات هليكوبتر.
وقد أقر الجيش الأثيوبي عرضا من “إيرباص” لشراء 18 طائرة “هليكوبتر” عسكرية فرنسية وطائرتي شحن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، لكنه ما يزال يسعى للحصول على تمويل. هل اندلاع الحرب في تيغراي -حيث يمكن استخدام هذه المروحيات- دفع شركة إيرباص ووزارة القوات المسلحة إلى تأجيل أو حتى إلغاء هذا البيع؟ يتساءل “ميديابارت”. وفي غضون ذلك، يستمر العمل بين الفرع المدني لشركة “إيرباص” والحكومة الإثيوبية: في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني، تسلمت الخطوط الجوية الإثيوبية طائرتين من طراز Airbus A350-900 لأسطولها.
جرائم حرب
في خضم ذلك، تشير أحدث الأخبار القادمة من تيغراي إلى المذابح التي قيل إنها خلفت عدة مئات من القتلى. تركز العديد من مقاطع الفيديو على عمليات القتل المحتملة في المدينة وكنيسة أكسوم من أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني إلى أوائل ديسمبر/ كانون الأول. ووفقًا للمنظمة البلجيكية (EEPA) وشاهدًا قابلته لوموند الفرنسية، فإن القوات الإريترية قتلت أكثر من 750 شخصًا هناك.
وفي مقابلة نُشرت على الإنترنت في 17 يناير/ كانون الثاني، أوضح رجل يدعي أنه شاهد مباشر على عمليات القتل هذه باللغة الأمهرية أن “المدينة بأكملها، من محطة الحافلات إلى المنتزه، كانت مغطاة بالجثث” كما أثرت الهجمات والتدمير على مواقع تاريخية لا تقدر بثمن أو تعتبر مقدسة.
المصدر: القدس العربي