الصراع التركي اليوناني وبيانات القوة العسكرية بينهم
قالها الرئيس التركي عام 2017 بمؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس في زيارته “التاريخية” لليونان، التي اعتُبرت وقتها الأولى من نوعها منذ 65 عاما.
ورغم أن تركيا واليونان منضويتان تحت حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجارتان عبر البر والبحر، فإن القضايا والخلافات التي أشار لها أردوغان حينها -على ما يبدو- لم تُحل، ولا تكاد تهدأ حتى تعود مرة أخرى.
مرت العلاقات بين البلدين بفترات من المد والجزر منذ استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية، ورغم أن العلاقات كانت قد تحسنت بينهما بعد الحرب العالمية الثانية وانضمامهما إلى الناتو عام 1952، فإن العلاقات تدهورت مرة أخرى في خمسينيات القرن الماضي.
وكان أبرز الأسباب خلافهما حول جزيرة قبرص، وطرد اليونانيين من تركيا في الستينيات، والاستحواذ التركي على شمال قبرص عام 1974 والمواجهة بين البلدين حول بحر إيجة.
لماذا تندلع هذه التوترات الآن؟
شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً للتوتر بين تركيا واليونان، وقد زادها أنشطة البلدين شرقي المتوسط، وتوقيعهما اتفاقيات ترسيم حدود بحرية مع دول أخرى مطلة على حوض المتوسط.
وتريد أنقرة التنقيب عن الغاز بمنطقة بحرية تعلن اليونان سيطرتها عليها، وترى أنقرة أنها -وفق اتفاقيتها مع طرابلس- منطقة نفوذ تركية.
وسبق ذلك التدفق المعروف للمهاجرين من الشرق الأوسط إلى أوروبا، عندما نفذت أنقرة لفترة وجيزة تهديدا طال انتظاره بـ “فتح البوابات” للسماح لعشرات الآلاف من طالبي اللجوء بالعبور إلى اليونان. وفي الوقت نفسه، اتهم الاتحاد الأوروبي تركيا باستخدام المهاجرين أداة للمساومة.
وتوترت العلاقات أكثر في يوليو/تموز الماضي بسبب إعادة تحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، الأمر الذي أدى إلى إحياء نزاع دام قرونا حول أحد أكثر المباني الدينية المتنازع عليها في العالم، وأثار غضب روسيا واليونان، وهما مركزا المسيحية الأرثوذكسية.
في هذه الأثناء، بدأت تركيا تدريبات عسكرية بحرية أول أمس بالذخيرة الحية قبالة سواحل مدينة إسكندرون المطلة على شرقي المتوسط، وقالت إنها “لا تعتدي على حقوق أحد” وإنها “لن تسمح لأحد بالاعتداء على حقوقها”.
على صعيد آخر، أكد وزير المالية اليوناني أن بلاده تتواصل حاليا مع فرنسا وبلدان أخرى لاقتناء معدات عسكرية بهدف رفع ما وصفها بالقدرة على الردع.
هذه المستجدات زادت من حدة التوتر بين البلدين، إلى أن وصل الأمر إلى الحديث عن احتمال المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا واليونان شرقي المتوسط، وعن القدرات العسكرية البحرية لكلا البلدين.
لمن الغلبة اليوم؟
أجرى موقع “غلوبال فاير بور” (Global firepower) الأميركي مقارنة بين القوات العسكرية للجيشين التركي واليوناني وفقا لإحصائيات 2020 والتي أظهرت أن الجيش التركي يحتل المرتبة الـ 11 عالميا في حين يحتل الجيش اليوناني المرتبة 33 بين أقوى 138 جيشا في العالم، مما يظهر فرقاً هائلاً بالقدرات العسكرية لكلتا الدولتين العضوتين بحلف الناتو.
ويبلغ عدد سكان تركيا أكثر من 81 مليون نسمة، يصلح للخدمة العسكرية منهم 35 مليونا، في حين يصل التعداد السكاني في اليونان إلى نحو 11 مليون نسمة يصلح للخدمة العسكرية منهم نحو 4 ملايين.
وتبلغ ميزانية الدفاع بتركيا 141 مليار ليرة (نحو 19مليار دولار) في حين تبلغ ميزانية الدفاع باليونان 4.8 مليارات دولار فقط، حسب تصنيف غلوبال فاير باور.
وبالنسبة إلى القوات البحرية التي ستكون السلاح الرئيسي حال اندلع صراع مسلح في منطقة شرقي المتوسط، فالأسطول التركي يحتل المرتبة العشرين عالمياً في عدد القطع، في حين تحتل القوات البحرية اليونانية المرتبة الـ 23 عالمياً.
بالإضافة إلى أسطول الطائرات التركية المسيرة المسلحة التي تصنعها أنقرة، ويمكن أن تسبب خسائر فادحة لأي أهداف معادية، مما يمنح تفوقاً ملحوظاً للقوات البحرية التركية.
تفوق تركي
تشير المعطيات إلى وجود تفوق ملحوظ للقوات التركية على نظيرتها اليونانية، بالإضافة إلى وجود عاملين مهمين يرجحان كفة الأسطول التركي، وهو تفوق الصناعات الدفاعية التركية واستخدام القوات المسلحة العديد من الأسلحة والأنظمة العسكرية محلية الصنع.
الأمر الذي يمنح تركيا ميزة كبيرة من حيث سهولة الصيانة والحصول على قطع الغيار وإمكانية التحديث باستمرار، بالإضافة إلى مشاركة القوات البحرية التركية في العديد من المهام الدولية بشكل مستمر.
هل يتحول التوتر لأعمال عدائية؟
ببساطة يمكننا إيجاز العلاقة بين تركيا واليونان بـ “تاريخ طويل من النزاع” فقد جمعتهما 4 حروب كبيرة، واقتسما جزيرةً وتنازعا على المياه بما فيها. إنها رواسب قومية واجتماعية ودينية عمّقت الخلاف بين الجارتين، فهل يمكن أن يتحول التوتر لأعمال عدائية؟
الأمر محتمل بشكل متزايد، وإن كان غير مرجح -بحسب محللين- وإذا اندلعت أعمال عنف فستكون كارثة لا يمكن تخفيفها، وقد أعرب كلا الجانبين عن رغبتهما في إجراء مفاوضات. لكن مع زيادة سياسة حافة الهاوية، تزداد أيضا إمكانية التصعيد العرضي.
المصدر: الجزيرة