معماري يكشف كيف تحول 329 مسجدا وأثرا عثمانيا في 18 بلدا إلى كنائس
في رحلة وتجوال استمرا 10 سنوات رصد المهندس المعماري محمد أمين يلماز قيام 18 بلدا كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية بتحويل 329 معلما أثريا تركيا -معظمها جوامع ومساجد، بالإضافة لتكايا وأضرحة- إلى كنائس.
وتشمل هذه المعالم تحويل 117 جامعا في بلغاريا بالإضافة إلى 7 تكايا وأضرحة ومدرسة واحدة إلى كنائس، وتحويل 74 جامعا و19 ضريحا ومؤسسة خيرية ومصلّييْن في اليونان إلى كنائس، وتمكن يلماز من رصد وتحديد الجوامع والمساجد والتكايا والأضرحة التي تم تحويلها، وأيضا المآذن التي تحولت إلى أبراج لأجراس الكنائس.
انطلقت رحلة يلماز من منطقة البلقان، ثم قام بتوسيع دائرة بحثه في ضوء المعلومات التي حصل عليها بحسب إفادته لوكالة الأناضول، وقال “في البداية ركزت على المجر وبلغاريا واليونان، لأن أكثر الأبنية التي تم تحويلها إلى كنائس موجودة في هذه البلدان الثلاثة”.
وتابع “بعد ذلك تجولت في الجزائر وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم وجورجيا وأرمينيا والبوسنة والهرسك وقبرص الرومية (اليونانية) وكرواتيا وكوسوفو ومقدونيا ومولدوفا ورومانيا وصربيا، حيث بلغ إجمالي الدول التي شملها الرصد 18 بما فيها تركيا، وقمت بتحديد 329 أثرا تركيا تم تحويلها إلى كنائس في تواريخ مختلفة”.
ووفق المتحدث، فإنه “في بلغاريا تم تحويل 117 جامعا بالإضافة إلى 7 تكايا وأضرحة ومدرسة واحدة إلى كنائس، كما تم تحويل 3 أبراج ساعة إلى أبراج لأجراس الكنائس، وفي كرواتيا تم تحويل 8 جوامع إلى كنائس، وفي القرم تم تحويل 6 جوامع وضريح إلى كنائس”.
وأضاف يلماز “وفي كوسوفو تم تحويل جامع واحد إلى كنيسة، كما تم تحويل برج ساعة إلى برج لجرس الكنيسة، وفي أوكرانيا تم تحويل جامعين إلى كنيستين، كما تم تحويل منارة إلى برج كنيسة، وفي مقدونيا تم تحويل 3 جوامع وضريحين وبرجي ساعة إلى كنائس، وفي صربيا تم تحويل 15 جامعا وضريحين إلى كنائس”.
وتابع “كما تم تحويل جامع واحد في كل من جورجيا وأذربيجان إلى كنائس أثناء الاحتلال الروسي، وتم تحويل 3 جوامع في البوسنة والهرسك أثناء الاحتلال النمساوي إلى كنائس، و3 جوامع في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي لكنائس، كما تم تحويل جامعين في أرمينيا إلى كنائس”.
وقال يلماز إنه “في قبرص الرومية (اليونانية) تم تحويل سبيل إلى كنيسة، أما في مولدوفا فقد تم تحويل 4 جوامع إلى كنائس، في حين تحولت 5 جوامع في رومانيا إلى كنائس”.
وأشار إلى أنه “في المجر تم تحويل 23 جامعا و5 أضرحة ومدرسة إلى كنائس، وتم تحويل جميع الأبنية المذكورة إلى كنائس بالمجر إبان الاحتلال النمساوي لها”.
اليونان
وأوضح يلماز أن كثيرا من الآثار التركية “القائمة حتى الآن” من بين الـ329 أثرا التي تم تحويلها توجد في اليونان.
وقال إنه تم تحويل 74 جامعا و19 ضريحا ومؤسسة خيرية ومصلّييْن في اليونان إلى كنائس، مشيرا إلى أنه تم تحويل 5 منارات إلى أبراج كنائس، ثم أصبح عدد الأبنية المعمارية التركية التي تم تحويلها في اليونان 101″.
وأوضح المهندس يلماز أن الآثار التركية تم تغييرها لدواعٍ سياسية ومكانية، وقال “ينظر إلى المباني التركية التذكارية الضخمة في وسط المدينة -خاصة المآذن- على أنها أول هدف يجب تدميره لأنها ترمز إلى الهيمنة التركية وبالتالي إلى الإسلام، إن هذا لشيء محزن للغاية، لقد تم هدم 7 مآذن بالديناميت في مدينة صوفيا عام 1878 في ليلة واحدة”.
أما بشأن الذريعة الأخرى وهي الاحتياج المكاني فلفت يلماز إلى أنه تم تحويل الجوامع الموجودة إلى كنائس بسبب احتياج المسيحيين الأرثوذكس الذين استوطنوا القرى، خاصة بعد إخلائها من الأتراك أثناء عمليات التبادل السكاني.
ووفق يلماز، فإن هناك أبنية إسلامية أخرى بخلاف الجوامع تم تحويلها إلى كنائس، وأشار إلى أن “الجوامع هي أكثر الأبنية التي تم تحويلها إلى كنائس، ولقد قمت بتحديد 272 جامعا ومسجدا تم تحويلها، وبخلاف الجوامع هناك 36 تكية وضريحا تم تحويلها إلى كنائس، كما أن هناك أبراجا تم تحويلها إلى أبراج كنائس، ومنارات تم وضع أجراس كنائس عليها”.
وأضاف “تم تحويل برج في كرواتيا وواجهة سبيل في قبرص الرومية ومنبر في مصلى باليونان إلى أماكن للعبادة الأرثوذكسية، وفي صربيا تم إنشاء كنيسة داخل أحد الخانات التي تبقت منها جدرانها الأربعة”.
تحويل التكايا إلى كنائس
وأشار يلماز إلى أن التكايا هى الأخرى تم تحويلها إلى كنائس، وأن “تكية قناعت بابا في إقليم دبروجة -الذي عاشت فيه أغلبية تركية في رومانيا- أصبحت اليوم كنيسة، وهناك أمر ملفت للنظر هو التكايا البكتاشية التي كانت مزارا مشتركا للمسلمين والمسيحيين، هذه التكايا تحولت في صمت تام إلى كنائس بعد هجرة المسلمين من هذه المنطقة”.
وكشف أنه عاين الأبنية التي وصل إليها حتى اليوم في أماكنها الموجودة بها، واستطرد “في كافة الأبنية التي تم تحويلها إلى كنائس وجدت أنه تم محو كافة الميزات الخاصة بالعمارة التركية مثل القباب والأحزمة والزخارف، كما تم تغيير الخصائص المعمارية بحيث لا يمكن التعرف عليها”.
واستدرك “لكن بغض النظر عن مدى تحولها فإن الجدران الرئيسية فيها تجعل من الممكن الكشف عن الكنائس التي كانت جوامع فيما سبق”.
تقدير الآثار
وأوضح يلماز أن الأتراك لم يقوموا بتغيير الخصائص المعمارية للأبنية التي حولوها إلى جوامع، وأنه لا توجد شعوب أخرى تتعامل مع المباني المعمارية باحترام بقدر ما نتعامل معها، فنحن -الأتراك- لم يكن لدينا أي حاجز نفسي مع الحضارات السابقة لنا، ولذلك لم نتدخل في السمات المعمارية بالمباني التي حولناها إلى جوامع”.
وأضاف “وأفضل مثال على ذلك هو جامع آيا صوفيا، فلقد حافظنا عليه من عام 1453 وحتى الآن، وأضفنا إليه فقط المحراب والمنبر والمئذنة دون أن نتدخل في خصائص المبنى المصمم ككنيسة”.
وتابع “عندما تنظر إلى الأثر المعماري من الخارج يمكن أن تفهم بكل سهولة أنه كان كنيسة في الماضي، والوضع في الداخل هكذا أيضا باستثناء بعض الرسومات التي تمت تغطيتها نظرا لأنها كانت تصل إلى مستوى العين، في حين أن الأوروبيين يقومون بتغيير كافة الخصائص المعمارية للجوامع التي حولوها إلى كنائس”.
الأبنية الأثرية ووثائقها
وأشار يلماز إلى أنه قام ببحث أرشيفي موسع وتوصل إلى قسم كبير من الوقفيات الخاصة بالأبنية التي أثبت أنها تحولت إلى كنائس من خلال البحث في مديرية الأوقاف العامة والأرشيف العثماني.
وأضاف “قمت بعد ذلك بمطابقة هذه الأبنية بالوقفيات الخاصة بها، وأضفت إليها الكنية الخاصة بكل منها، وقد كان هدفي من هذا البحث الأرشيفي هو تسجيل الأبنية الأثرية التركية بالوثائق، وفي السنوات الماضية تم رفع دعاوى قضائية بخصوص بعض الجوامع في بلغاريا والتي صادرتها الدولة على الرغم من كونها مسجلة مباني وقفية، وبالفعل استعادت هيئة الإفتاء الملكية الخاصة بهذه الجوامع”.
وأوضح يلماز أنه اطلع على بعض الآثار في كتب ومقالات بعض الشخصيات التي تناولت هذا الموضوع من قبل في تركيا، مثل الراحل أكرم حقي أيوردي والأستاذ الدكتور سماوي أييجه، إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى عدم وجود دراسة موسعة تغطي كافة البقاع الجغرافية التي كانت تحت حكم الدولة العثمانية.
وقال إنه جمع أعماله في كتاب مكون من 575 صفحة قام بالتقديم له الأستاذ الدكتور سماوي أييجه عام 2017، وإنه اتبع في طريقة وأسلوب هذا الكتاب الأصول الخاصة بأيوردي.
وللمهندس المعماري محمد أمين يلماز أبحاث تتعلق بالآثار المعمارية التركية منذ ما يقارب 20 عاما، وشارك في العديد من مشاريع الترميم داخل وخارج تركيا.
وأسس يلماز مركز الأبحاث المعمارية التركية لتحويل أعماله المتعلقة بالآثار المعمارية التركية إلى هيكل مؤسسي، وهو الآن بصدد طباعة كتابه المسمى “الأبنية المعمارية التركية المحولة إلى كنائس” الذي يمثل نتاج وثمرة أبحاثه التي قام بها بين أعوام 2010 و2020.
المصدر: وكالة الأناضول