في لبنان حذف طاه مشهور اللحم من وصفاته والناس يبادلون كل شيء مقابل الطعام
في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” عن الوضع الاقتصادي في لبنان أعده بن هبارد وهويدا سعد، قالا إن الطاهي المعروف أنطون الحاج اعتاد ومنذ ثلاثة عقود على تقديم برنامج الطبخ على التلفاز خمس مرات في الأسبوع حيث كان يقدم وصفاته للمشاهدين والراغبين بتحسين مهاراتهم في الطبخ وتنويع أكلاتهم.
واكتشف قبل شهرين مع ارتفاع الأسعار وانهيار العملة أن الكثير مما يقدمه لمشاهديه من مكونات في الوجبات مثل اللحم البقري أصبح خارج قدراتهم.
وفي تصريحات للصحيفة قال: “كانت هناك طبقة متوسطة في لبنان، أما الآن فالأغنياء هم أغنياء والطبقة المتوسطة صارت فقيرة والفقراء أصبحوا أكثر بؤسا”.
ولم يعد اللحم من مكونات وجباته وملأ حلقاته بنصائح حول كيفية زيادة مذاق الطعام من خلال استخدام زيت وبيض أقل وخضروات رخيصة.
وتضيف الصحيفة أن الأزمة اللبنانية النابعة من الفساد الحكومي وسوء الإدارة تسببت بزيادة البطالة ومستويات الفقر وإلى إغلاق الأعمال التجارية وخسارة الرواتب قيمتها بسبب ارتفاع نسب التضخم.
وشهد لبنان حالة من الاحتجاجات في أنحاء البلاد اتسم بعضها بالعنف ثم خفتت قليلا بعد انتشار وباء كورونا وعادت من جديد بسبب البؤس الذي تسبب به الإغلاق العام للبلاد.
وتقول الصحيفة إن آثار الانهيار الاقتصادي باتت تمس كل ملامح الحياة اليومية للبنانيين، فانقطاع التيار الكهربائي يؤدي إلى ظلمة في الشوارع، فيما ترفض البنوك منح المودعين ودائعهم وتكافح العائلات لشراء المواد الأساسية المستوردة مثل حفاظات الأطفال ومواد التنظيف. وفشلت الحكومة ولوقت طويل في توفير الطاقة الكهربائية اللازمة إلا أن انقطاع التيار الكهربائي بات طويلا بحيث أطفأ الإشارات الضوئية في بيروت التي يعيش فيها ثلث سكان لبنان واستبدل الناس الكهرباء بمولدات كهربائية تعمل فوق طاقتها لتوفير الإنارة.
ونظرا لصوتها المرتفع الذي يهدر في الجو تقوم المجمعات السكنية بإطفائها حتى يتسنى لساكنيها النوم في الليل مما يحرمهم من مكيفات الهواء خلال أشهر الصيف الحارة. وليومين عانى مستشفى رفيق الحريري، الذى يعتبر المكان الرئيسي لعلاج المصابين بكوفيد-19، من انقطاع التيار الكهربائي لا لساعة ولكن لعشرين ساعة كما يقول مديرها فراس أبيض. وتخسر المستشفى يوميا ست ساعات من الطاقة الكهربائية مما حدا بالإدارة إلى إغلاق بعض الغرف وتأجيل العمليات. ونقلت الصحيفة عن أبيض قوله: “أشعر وكأنني أقوم بمكافحة الحريق بشكل مستمر بدون نهاية”.
وبعد حلول الظلام يسكن بيروت المعروفة بليلها الصاخب حس من العزلة الغريبة. فلا يوجد في الحانات إلا عدد قليل من الرواد والشوارع الرئيسية مظلمة أما الإشارات الضوئية على التقاطعات الرئيسية فلا تعمل تاركة السائقين يتحركون بطريقتهم واستخدام الضوء العالي والمضي على أمل تجنب سيارة أخرى قادمة.
وتضيف الصحيفة أن الانهيار السريع كان بمثابة ضربة لكرامة الكثير من اللبنانيين الذين طالما زعموا أن لديهم أحسن طعام في الشرق الأوسط ونظروا لأنفسهم بالأكثر تقدما في المنطقة. وبات الكثيرون يتساءلون عن المدى الذي ستتراجع فيه مستويات حياتهم.
وتقول الأستاذ بالجامعة الأمريكية كارمن جحا: “بيروت هي مدينة ناجية، ويجد الناس طرقا للأكل والشرب وصناعة الموسيقى والنشاط، ولكن الجو الآن ملبد”. وتضيف: “الآن، حتى الطبقة المتوسطة العليا لا تستطيع تناول الطعام خارج البيت، فالوضع مثل حصولك على راتبك وتقسمه على تسعة” فقد خسرت الليرة اللبنانية نسبة 85% من قيمتها في السوق السوداء، مما زاد من السخرية على حساب خاص بها على تويتر نتيجة لتراجع قيمتها المتواصل. وجاء في تغريدة: “أنا الأرخص أنا مش قطعة خردة” وسط تبادلها بـ9.500 أمام الدولار، وأعلى بأضعاف من سعر الصرف الثابت 1.500.
وتضيف الصحيفة أن معظم الأزمة نابعة من الفوضى في النظام المصرفي. فالبنك المركزي أو مصرف لبنان أدار ما يقول النقاد إنه برنامج “سلسلة بونزي” حيث حاول الحصول على ودائع بالدولارات مقابل فوائد عالية. وهذا يعني البحث عن مودعين وبوعود حصولهم على فوائد أعلى. وردت المصارف على الأزمة برفض منح المودعين دولاراتهم التي يحتاجونها للتبادل التجاري واستيراد ما يحتاجه السوق اللبناني. وقام المصرفي اللبناني دان عزي بنحت مصطلح جديد يستخدم الآن في وصف الودائع النظرية بالدولار باسم “لولراز”.
وحاولت الحكومة السيطرة على السوق السوداء التي يتم فيها عرض أسعار صرف أفضل من السعر الثابت دون جدوى حيث يتم التبادل في شوارع خلفية وبأسماء وهمية. وكان أثر الأزمة على الفقراء حادا، كما بدا واضحا في أربع حالات انتحار على يومين متتاليين وكلها مرتبطة بالأزمة الاقتصادية.
وقتل رجل نفسه في شارع معروف ببيروت وترك رسالة “أنا لست كافرا” ولكن الجوع هو الكافر. وزاد عدد المشاركين في صفحة على فيسبوك للتبادل حيث يتم مبادلة كل شيء من أزهار النرد إلى النرجيلة مقابل الطعام. وتقرأ المنشورات كقصص تراجيدية: “ميزان جديد لم يستخدم للمبادلة مقابل حفاضات مقاس 6 وزجاجة زيت”.
وفي منشور آخر احتوى على صورة فستان ليموني- أخضر اشترته فاطمة حسين لابنتها وتريد مبادلته بمواد تنظيف وسكر وحليب. وقالت حسين إن زوجها العامل يحصل على 200.000 ليرة لبنانية في الأسبوع، كانت تساوي 130 دولارا أما اليوم فلا تساوي إلا 30 دولارا، بشكل يجعل العائلة بحاجة ماسة للمواد الضرورية. وقررت بيع الفستان بعدما أخذت تطعم أولادها خبزا مبللا بالماء ولكنها حتى الآن لم تجد من يشتريه. وعندما يطبخ جيرانها تغلق الباب والنوافذ حتى “لا يشم أولادي رائحة الطعام”. وتقول: “اللحم البقري غال جدا ولهذا بدأنا بشراء الدجاج ولكن الناس يقولون إنه غال أيضا”.