الجيش الليبي يمهد لتحرير الجنوب
في الوقت الذي كانت الأنظار متجهة نحو معركة سرت، نجح الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية في السيطرة على طريق إمداد رئيسي لمليشيات حفتر، بطول 350 كلم، وتحرير معظم بلدات المنطقة الجنوبية من إقليم طرابلس دون قتال.
وأعلنت القوات الحكومية، الخميس، بسط سيطرتها على خط إمداد رئيسي يربط بين جنوب وغرب البلاد، استخدمته مليشيات حفتر لعام كامل في دعم العدوان على طرابلس بالمرتزقة والأسلحة والذخائر والعتاد والوقود.
وبالنظر إلى الخريطة التي نشرتها القوات الحكومية على صفحة “عملية بركان الغضب”، فإن عدة بلدات على هذا الطريق أصبحت تحت سيطرتها على غرار مرسيط، جنوب مدينة الأصابعة (120 كلم جنوب طرابلس)، والقريات، والتي تعد مفترق طرق نحو الجبل الغربي، ومدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، أما نسمة فتقع على الطريق المؤدي إلى بني وليد.
وتعرضت إمدادات مليشيات حفتر، في القريات ونسمة لضربات جوية عديدة من طائرات مسيرة حكومية طيلة عام كامل لقطع خطوط إمدادها، قبل سقوط بني وليد ومدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، وفشل الهجوم على العاصمة بالكامل.
قطع الإمداد عن بقايا حفتر في الجبل الغربي
لكن أهم بلدة على طريق الإمداد الذي تمت السيطرة عليه مؤخرا هي الشويرف (420 كلم جنوب شرق طرابلس)، التي تعتبر آخر بلدة في جنوب إقليم طرابلس، ونقطة ربط مع إقليم فزان جنوبا.
وبالسيطرة على الشويرف تكون القوات الحكومية أغلقت المدخل الجنوبي للإمدادت القادمة من قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) ومن قاعدة تمنهت الجوية، التابعة لمدينة سبها (750 كلم جنوب طرابلس).
وما تزال مليشيات حفتر الهاربة من قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) والتي تم تحريرها في 18 مايو/أيار الماضي، منتشرة في مدن بالجبل الغربي، على غرار الزنتان والرجبان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) والأصابعة (120 كلم جنوب طرابلس)، وبكامل أسلحتها الثقيلة والخفيفة.
وهذه المليشيات ستظل تشكل تهديدا مستمرا على مدن وبلدات الجبل الغربي، بل حتى قاعدة الوطية ومدن الساحل الغربي، وإن فر كثير من عناصرها إلى الشرق مما سهل دخول القوات الحكومية عدة بلدات في جنوب المنطقة الغربية دون قتال.
وبدون إمدادت، ستتفكك وتنهار هذه المليشيات، ومن الممكن أن تحاول عناصرها الفرار إلى المنطقة الشرقية أو الذوبان وسط حاضنتها الشعبية.
وهذا ما حدث في الزنتان، حيث تمكنت قوات المنطقة الغربية بقيادة أسامة جويلي، من بسط سيطرتها على مقر المجلس التسييري لبلدية المدينة، والسعي لإنهاء تواجد مسلحي حفتر تدريجيا.
الشويرف.. صمام الماء والنفط
على الرغم من أنها مجرد بلدة صغيرة وبعضهم يصفها بالقرية، إلا أن أهمية الشويرف في موقعها، حيث يمر بها النهر الصناعي الذي يغذي العاصمة بالمياه من أقصى جنوبي البلاد.
ويوجد بالشويرف، صمام لمياه النهر الصناعي، الذي طالما استعمله أبناؤها من قبيلة المقارحة، الموالية لنظام معمر القذافي السابق، في ابتزاز الحكومة بطرابلس، بل تم قطع المياه عن أكثر من 2.5 ملايين نسمة من سكان العاصمة لعدة أيام لإطلاق سراح أحد أبناء البلدة.
وليس المياه نقطة قوة هذه البلدة الصحراوية النائية فقط، بل يوجد بها أيضا صمام أنبوب نقل النفط القادم من حقلي الشرارة (أكبر حقل نفطي في البلاد) والفيل (أكثر من ألف كلم جنوب غرب طرابلس)، إلى مصفاة مدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس).
يضاف إلى ذلك تواجد حقول نفط الحمادة الحمراء غرب الشويرف، لكن إنتاجها محدود ولا يتجاوز 8 آلاف برميل يوميا (إحصائيات 2018)، مقارنة بـ300 ألف برميل يوميا في حقل الشرارة.
وسيطرة القوات الحكومية على الشويرف يسمح بتأمين تدفق المياه والنفط عبرها دون عوائق، شريطة السيطرة على حقلي نفط الشرارة والفيل، جنوب مدينة أوباري (جنوب غرب).
الطريق لتحرير الجنوب يبدأ من الشويرف
أصبحت الشويرف أقرب نقطة (تتمركز فيها القوات الحكومية) إلى سبها وقاعدتها الجوية تمنهت، إذ لا يفصلها عنها سوى 360 كلم جنوبا.
لكن الوصول إلى سبها يتطلب السيطرة على قاعدة براك الشاطئ الجوية (300 كلم جنوب طرابلس)، والتي تسيطر عليها حاليا قبائل المقارحة بقيادة محمد بن نائل، قائد اللواء 12.
ويُعد اللواء 12، أكثر الكتائب في الجنوب عنادا، حيث تمكن في 2017 من دخول قاعدتي الجفرة وتمنهنت، بعد سيطرته على قاعدة براك الشاطئ في 2016.
كما أنه القوة الرئيسية لحفتر في إقليم فزان، إلى جانب كتيبة خالد بن الوليد، المدخلية بقيادة حسين التيباوي (من قبائل التبو الإفريقية).
وإذا سيطرت قوات الحكومة على قاعدتي بارك الشاطئ وتمنهنت، يصبح سقوط بقية مدن الجنوب تحصيل حاصل، وعلى رأسها سبها، عاصمة إقليم فزان، خاصة وأن لديها عدة كتائب موالية لها في الجنوب من الطوارق والتبو، يتمركزون في مدن مرزق وأوباري وغات.
هدف سهل
لكن هناك هدف سهل قريب من الشويرف، وهو مدينة غدامس، التي يوجد بها مطار مدني، وتقع بالمثلث الحدودي مع تونس والجزائر، وتوصف بأنها مدينة محايدة لذلك اختارتها الأمم المتحدة لتحتضن مؤتمر غدامس في أبريل/نيسان 2019.
غير أن نفوذ مليشيات حفتر بغدامس أقوى، وعبد الله الثني، رئيس ما يسمى بالحكومة المؤقتة ينحدر منها، لكن أهلها مسالمون.
إذ سبق للقوة الثالثة مصراتة أن سيطرت على طائرة إماراتية مدنية بمطار غدامس في 2014، لاعتقاد أبوظبي أن المطار خاضع لمليشيات حفتر، بهدف تسليم مؤن لكتائب الزنتان (المتحالفة حينها مع حفتر).
لكن قوة أكبر من مصراتة سبقت مسلحين من الزنتان إلى المطار، وسيطرت على الطائرة وطاقمها، قبل أن تتنازل عن الطائرة، إثر مفاوضات مع مسؤولين في أبوظبي.
قاعدة الجفرة.. هناك خيار ثانٍ
إحدى أهداف السيطرة على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) الزحف جنوبا نحو قاعدة الجفرة الجوية (300 كلم جنوب سرت)، لكن سرت ليست الطريق الوحيد إلى الجفرة.
إذ تعد الشويرف الخيار الثاني، حيث أنها أقرب إلى قاعدة الجفرة من سرت، ولا تبعد عنها سوى 280 كلم باتجاه الشرق.
وسواء سقطت سرت أو لم تسقط، فإن الهجوم على قاعدة الجفرة انطلاقا من الشويرف، يمثل أحد الخيارات المتاحة في جميع الاحتمالات.
إلا أن أي تحرك على هذه الجبهة يحتاج إلى تغطية جوية أو مظلة صاروخية مضادة للطيران، لأنها أرض صحراوية مفتوحة يصعب الدفاع عنها.
وهذه نقطة ضعف حفتر الرئيسية، التي كانت من بين أسباب انهيار مليشياته جنوبي العاصمة.. طول خطوط الإمداد واستهدافها عبر الطيران المسير.
كخلاصة لكل ما سبق، فإن سيطرة الجيش الليبي على خط الإمداد الرئيسي لمليشيات حفتر، سيجفف تواجدها في المنطقة الغربية مع الزمن، كما يتيح للقوات الحكومية عدة خيارات للقيام بحملة لتحرير مدن الجنوب وقواعدها الجوية وعلى رأسها الجفرة، ناهيك عن تأمين صمامي النهر الصناعي وأنبوب النفط نحو الشمال.