هل تقف أوروبا على حافة الهاوية؟
قال الكاتب آلان فراشون بصحيفة لوموند الفرنسية إن التحدي الذي يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لحقبة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) يظل ذا طابع سياسي بحت، حيث يتعين عليه أن ينتقل من مرحلة إلقاء الشعارات إلى التطبيق العملي.
ويضيف أن الاتحاد الأوروبي يواجه خطرا شبه وجودي بسبب البريكست الذي يُجبر بقية الأعضاء على إثبات أن بقاءهم في هذه المنظومة أفضل من خروجهم منها.
فعلى الصعيد الاقتصادي -يقول الكاتب- إنه ليس من الصعب على الأوروبيين إثبات مدى ترابط اقتصاد بلدان الاتحاد، في حين أنه من الصعب معرفة سبب تفاوض جونسون على إبرام اتفاقية تجارة حرة مع بروكسل دون فرض تعريفات جمركية أو حصص.
وحسب رئيس الحكومة، ترغب لندن في أن تكون قادرة على “الابتعاد” عن الاتحاد واعتماد معايير مختلفة عن بروكسل، وفي الوقت ذاته تريد أن تملك حق الوصول الكامل إلى السوق الأوروبية. وفي الواقع، يتسم جونسون بالتناقض لأن دخول هذا السوق يفترض وجود تقارب في المعايير، لضمان منافسة نزيهة بين البلدان. ونتيجة لذلك، يتعين على جونسون تحديد موقفه وما يرغب به بالضبط.
وأشار الكاتب إلى أن حقبة ما بعد البريكست تمثل تحديا أكثر خطورة للاتحاد، حيث يتعلق الأمر بمدى قدرته على تجديد المبادئ الأولى التي تولي قيمة كبيرة للاتحاد معا. ومن المرجح أن تقيم بقية البلدان الوقت الحالي مزايا الوجود داخل الاتحاد لا سيما بعد الوضع التي آلت إليه بريطانيا بعد خروجها.
في هذا السياق، وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خروج بريطانيا بأنه “تحذير” خطير للاتحاد الأوروبي. ويعتمد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مؤتمر مستقبل أوروبا لإضفاء زخم جديد عليه وإنعاشه. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الكارثية لأزمة الديون السيادية التي عصفت بالاقتصاد اليوناني، ناهيك عن عجز الاتحاد الأوروبي عن حل أزمة الهجرة لعام 2015، أثرتا بشكل كبير على صورة أوروبا.
في مواجهة واشنطن أو بكين
يواجه الاتحاد الأوروبي الكثير من المسائل الإستراتيجية والتحديات الرئيسية، حيث يطرأ على العالم الكثير من التطورات الجديدة بسرعة كبيرة، على غرار صعود الصين كقوة اقتصادية وما يسمونه الانفجار السكاني الذي تشهده أفريقيا، ناهيك عن ظاهرة تغير المناخ. وفي الواقع، يجب مواجهة هذه التحديات على الساحة الدولية، حيث يفرض زعماء الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا شى جين بينغ وناريندرا مودي ودونالد ترامب وفلاديمير بوتين قانون الأقوى.
وأضاف الكاتب أن السلام الأميركي تلاشي في القارة العجوز، ولم يحاول البريطانيون إعادة إحياء “العلاقة الخاصة” التي تربطهم بالولايات المتحدة، نظرا لتوتر العلاقة بشكل نسبي بين جونسون وترامب. فبعد أن تركت المملكة المتحدة شواطئ الخليج العربي في ستينيات القرن الماضي، أدركت أنها لم تعد قوة عالمية ولذلك قررت الانضمام إلى أوروبا. في هذا السياق، يلاحظ فيليب ستيفنز من صحيفة فايننشال تايمز أن “الوضع الجيوسياسي في البلاد لم يتغير، لكن جونسون يؤمن بإحياء بريطانيا كقوة عالمية”.
والاتحاد الأوروبي في مركز قوة -يقول الكاتب- فنظرا للدور المهم الذي يضطلع به على المستوى الاقتصادي، يمكن أن يكون له وزن سياسي كبير. لكن حتى اللحظة، أوضح الاتحاد الذي سيفقد أحد أعضائه أنه يعاني عجزا سياسيا إستراتيجيا.
وتقضي قاعدة الإجماع الخاصة بالاتحاد بتكوين كيان فريد من نوعه على الساحة الدولية. في المقابل، من المرجح أن هناك دائما دولة عضوة لا توافق على القرارات المتعلقة بالقضايا المتعلقة بالدفاع الأوروبي وسياسة الطاقة والتدخل المسلح، أو بشأن العلاقات مع الصين ومسألة تدفقات الهجرة. وهذا ما سيؤدي إلى عدم اتخاذ أي تدابير لحل هذه المسائل.
مبادرة “التعاون الأفضل”
أشار الكاتب إلى ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز في 31 يناير/كانون الثاني من حديث يوخن بيتنر المحرر السياسي الألماني بمجلة دي تسايت الأسبوعية عن الشكوك التي عبر عنها المستشار السابق هيلموت شميدت ذات مرة حيث قال “أصبحت كتلة الاتحاد الأوروبي أكبر بكثير من أن تتمكن من التوصل إلى توليفة ناجحة لتحقيق مصالح جميع أعضائه”.
في أوروبا اليوم، أضحى طموح إنشاء “اتحاد أكثر تقاربا” وإبرام معاهدات لا يحظى بشعبية كبيرة لدى الكثير من البلدان أكثر من أي وقت مضى. وحسب بيتنر فإن من الضروري استعادة مبادرة “التعاون بشكل أفضل ” أو إنشاء دوائر مختلفة تسمح بالعمل مع مجموعات فرعية، سواء فيما يخص قضايا الدفاع وإدارة تدفقات الهجرة، والسياسة الصناعية التي تتعلق بتكنولوجيا المستقبل.
وأوضح الكاتب أنه لا يوجد أمام الاتحاد الأوروبي أي خيار، فهو لم يواجه مثل هذا التحدي على الإطلاق. ويتطلب خروج بريطانيا أن نثبت أنه يمكننا فعل المزيد والأفضل. ويجب أن نتذكر أن الاتحاد بالفعل الأكثر نجاحا على المستوى الاجتماعي على هذا الكوكب والأكثر تكاملا على الصعيد الاقتصادي. وفي الواقع فإن الاتحاد على الطريق الصحيح ليكون من أكثر الكتل مراعاة للبيئة.
وفي الخلاصة يقول الكاتب إن الاتحاد لا يزال يتعرض للكثير من الانتقادات من قبل البلدان الأعضاء وغيرها. وتبعا لذلك، يجب على الدول الـ 27 المتبقية العمل على اتخاذ تدابير أكثر كفاءة حتى يتم تقييم مزايا البقاء في صفوفه.