مقترح فرض رسوم على الأطباء في مصر للحدّ من هجرتهم

دخل الإعلامي عمرو أديب خلال الأيام الماضية في حالة جدل مع الأطباء، بعد تصريحاته عن تلقيهم التعليم والتدريب مجانا ثم الهجرة للعمل في الخارج، مقترحاً دفعهم رسوما مالية قبل مغادرتهم البلاد.
ليس حلاً
وأعربت نقابة الأطباء عن استيائها مما تم طرحه في أحد البرامج التلفزيونية، الذي تناول فكرة منع الأطباء من السفر، أو اشتراط سداد فاتورة التعليم كأداة للحد من هجرتهم للخارج، مؤكدة أن هذه الطروحات غير دستورية، وغير عملية، ولا تمثل حلاً حقيقياً للمشكلة.
وأكدت في بيان أن محاولة معالجة أزمة هجرة الأطباء عبر فرض قيود على حريتهم الشخصية، تمثل تجاهلا متعمدا للأسباب الجوهرية التي تدفع الأطباء للهجرة، وعلى رأسها تدني الرواتب، وسوء بيئة العمل، وتكرار حوادث الاعتداء، وعدم وجود تأمين حقيقي للمستشفيات، بجانب غياب التقدير المعنوي والمهني.
وبينت أن التعامل مع أزمة هجرة الأطباء لا يكون عبر طرح عقوبات، وأفكار حمقاء، بل من خلال سياسات إصلاحية عادلة، تضمن بيئة محفزة تحترم مهنة الطب، وتعيد للأطباء مكانتهم المستحقة، مشيرةً إلى أن الحق في التنقل والسفر مكفول بموجب الدستور ولا يجوز التنازل عنه تحت أي ذريعة.
ووفق النقابة، بدلاً من تحميل الطبيب أعباء إضافية فوق ما يعانيه، كان من الأجدى أن توجه الجهود نحو معالجة الأسباب الجذرية التي تدفعه للهجرة، وتوفير بيئة عمل محفزة، تعيد الاعتبار للمهنة من خلال دعم حقيقي وملموس، وزيادة فرص التعليم والتدريب وتيسيرها، بدلا من اللجوء إلى أساليب مخالفة للدستور ولا تليق بقيمة الطبيب ودوره الحيوي في المجتمع.
وحذرت من أن مثل هذا المقترح يُفاقم من أزمة هجرة الأطباء، ويعمّق الشعور بالاغتراب المهني داخل الوطن، في وقت تطالب فيه النقابة بتحسين بيئة العمل وزيادة الرواتب، وتوفير حماية حقيقية للأطباء.
كما أكدت أن محاولة فرض مقابل مالي للسفر تتعارض مع نصوص الدستور المصري، خاصة المادة (62) التي تضمن حرية التنقل والسفر، دون تمييز أو قيد غير مبرر، كما أن المادة 53 من الدستور تنص على أن المواطنين متساوون في الحقوق والحريات، في حين أن المقترح النيابي يضع قيودا على فئة بعينها مما يعد مخالفا للدستور. وشددت على أهمية التناول الإعلامي المسؤول لقضايا القطاع الطبي، مطالبة وسائل الإعلام بتحري الدقة والموضوعية، وعدم تصدير أفكار قد تسيء إلى الكوادر الطبية أو تقلل من تضحياتهم.
وأكدت نقابة الأطباء أن الحفاظ على الكفاءات الطبية يبدأ بتقديرها واحترام حقوقها وتحسين بيئة العمل، لا بفرض الأعباء عليها، ودفعها دفعا نحو الهجرة وترك العمل في مصر.
التعليم المجاني
وكان الإعلامي عمرو أديب، مقدم برنامج «الحكاية» على قناة «أم بي سي مصر»، انتقد هجرة الأطباء إلى الخارج.
وقال إن الأطباء معظمهم لم يدفعوا مصروفات التعليم في مصر، بالإضافة إلى أنه يتم تدريبهم في المستشفيات مجانا، مضيفا: بعد كل ذلك يهاجرون للخارج.
وتابع: الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية يظلون مدينين للدولة لحين سداد تكاليف مصروفات تعليمهم.
ورد الدكتور خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصريين، على تصريحات أديب قائلا إن الدولة لم تعلم الأطباء مجانًا، بل هو حق دستوري ومن ضرائب المواطنين وجيوبهم، حتى التعليم المجاني الآن لم يعد مجاناً إلا شكلا، فالأطباء يتعلمون أكثر من خلال الدورات والكورسات والبرامج التدريبية الخارجية والاشتراك في المجلات العلمية وحتى شراء الكتب لا توفره الجامعات.
وأضاف عبر صفحته على «فيسبوك»: أطباء الجامعات الخاصة يتعلمون على حسابهم وكذلك الأهلية فلا يستقيم حديثك تجاههم، لو أردت الأطباء أن يدفعوا قبل السفر وهذا أمر غير دستوري وتمييزي استغرب طرحه من شخص من المفترض أنه قارئ جيد للدستور، هل تستطيع تنفيذه على المعلمين والتجاريين والمهندسين والإعلاميين والصحافيين والتعليم الصناعي وغيرهم لأنهم جميعا تعلموا على حساب الدولة على حد قولك؟
وتابع: هذا الأمر هو ميزة للأطباء تجعل المجتمع كله يتكافل في تكاليف دراستهم وكذلك تدريبهم، وهذه الميزة تستمر لصالحهم لدفع أجور مناسبة وعالية وتوفير بيئة مناسبة ومنح ومزايا لا تضييقات ومنع، الدولة يجب أن تعوض الأطباء عن الدراسة الصعبة والسنوات الإضافية والضغط العصبي والطريق الصعب وليس العكس.
كذلك علق النائب محمد البدري عضو لجنة الصحة في مجلس الشيوخ، على حديث أديب.
وقال على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: عطفاً على الجدل الدائر حول هجرة الأطباء واقتراحات البعض غير الدستورية على الإطلاق بفرض رسوم على الاطباء الراغبين في السفر للخارج، فاعتقادي أن الأزمة الحقيقية ليست في سفر الأطباء في المطلق بقدر ما تتعلق بسفر الجيد من الأطباء.
وأكد أن «الدولة اتخذت مساراً واضحاً منذ سنوات وباء كورونا بأن تستغل موطن القوة الأكبر، وهي القوة البشرية الشابة في مصر، وقررت التوسع في إنشاء كليات الطب الخاصة والأهلية»، مضيفا: سنوات قليلة سيصبح على أرض مصر عدد غير قليل من الأطباء حديثي التخرج يبحثون عن مستقبل لهم، منهم من سيختار السفر للخارج، وهو حقه تماماً، ومنهم من ستمنعه ظروفه الاجتماعية أو حتى رفضه لفكرة الاغتراب، وسيبقى.
وبين أن التحدي الحقيقي ينقسم الي جزأين أساسيين، الأول الحرص على أن يكون المنتج أو الخريج على مستوى جيد، والثاني امتلاك منظومة طبية منظمة وقوية ومجزية لإقناع هذا الجيد منهم أن يبقى على أرض مصر، ومن غير المفيد مناقشة أي منظور مختلف عن هذا.
وبعد الانتقادات التي واجهها، كتب أديب عبر حسابه على منصة «إكس» ساخراً : أعتذر لكل الأطباء، سافروا عندما تريدون، حتى لو كنتم في الجامعة، ومسألة علاج الناس في مصر ليست من الأهمية بمكان، يمكن أن نستعين بخريجي كليات التجارة أعدادهم كبيرة وليس لهم فرص عمل في الداخل أو الخارج.
وأضاف: موضوع أن الطب رسالة، وإنك ترد بعض جميل التعليم المجاني مسألة بصراحة أفلاطونية، ولا مجال لوجود أي حلول أو توازنات، المهم يا ابني مصلحتك ولا تهتم بمريض أو بوطن، أما الفئة الساذجة المستمرة في البلد التي تواصل الليل بالنهار لتنجد المواطن المصري الغلبان هؤلاء جزاؤهم عند المولى عز وجل.
ودعا أديب إلى إعادة النظر في مجانية التعليم قائلاً: بالنسبة للحكومة، فأصبحت أشك أن الأمر مزعج بالنسبة لهم، يجب أن تقدموا حلولا للأطباء، مرتبات أفضل مزايا تعليمية حماية أمنية في المستشفيات، لأنه من الواضح أن موضوع التعليم المجاني لم يعد كافيا، وبما أن الجميع يقول إن الأهل تصرف دم قلبها -وهو صحيح- فيجب إعادة النظر في المجانية فليست مفيدة للطالب أو للبلد.
وختم: مرة أخرى أعتذر عن محاولة وجود حل لمشكلة لا يجب تجاهلها أبدا، تعلمنا أن المسكنات لا تجدي، ويجب البحث عن السبب الرئيسي للمرض، ولكل من يقول المصلحة أولا أقول ربنا يستر على البلد، بصراحة عندي قناعة إن الدكتور المصري هو الأفضل ولدي اطمئنان مستمر إنه في أي لحظة أذهب لأي مستشفى سأجد الحد الكافي من العناية، فلنتحرك قبل أن تنهار المنظومة بين مصلحة الطبيب ومصلحة البلد ويبدو أنه اختيار أصبح صعبا.
وتزايدت معدلات هجرة الأطباء خلال السنوات الماضية، وحسب نقابة الأطباء المصريين، فقد غادر مصر ما يقرب من 110 آلاف طبيب خلال الفترة من 2019 إلى 2022، ما يمثل نصف عدد الأطباء المقدرة أعدادهم بحوالي 215 ألف طبيب، وأن تلك الأرقام تشير إلى أن متوسط عدد الأطباء لكل مواطن في تناقص حيث أصبح 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن في مصر، بينما يبلغ المعدل العالمي 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن.
وأعادت النقابة هجرة الأطباء إلى تدني الرواتب والأجور، ومن ثم يبحث الطبيب عن التقدير المادي والأدبي، وضعف الإمكانات والمستلزمات الطبية داخل المستشفيات الحكومية، على الرغم من زيادة الموازنات المخصصة للقطاع الطبي والتطوير الملموس في القطاع، فضلاً عن البحث عن فرص أفضل للبحث العلمي، وعدم وجود حماية قانونية للأطباء أثناء ممارسة عملهم حيث يتعرض العديد منهم لبعض الاعتداءات اللفظية، بل وأحياناً الجسدي داخل المستشفيات من قبل أهالي المرضى وذويهم.
وكان الدكتور خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، قال إن هناك 12 طلبا يوميا للأطباء للاستقالة، للاتجاه للعمل الحر أو السفر للخارج، موضحًا أن هذه الاستقالات تكون بسبب ضعف الأجور، مشددًا على أن هناك الكثير من الأطباء يتقدمون باستقالات للاتجاه للعمل الحر أو السفر للخارج.