دعوة للعصيان في إسرائيل وإحباط لدى الجيش

كان يوم أمس مكتظاً في ميدان هبيما والشوارع المجاورة، ولكن دون فرح رغم الطبل والزمر؛ ولئن كان هناك غضب فهو مكظوم. لكن كان هناك امتثال مكثف للنواة الصلبة، خطوة بداية لسلسلة أعمال احتجاج يومية وراديكالية أكثر وراديكالية أقل.
إن استئناف المظاهرات الكبرى بشرى طيبة لكل من يخشى على وجود إسرائيل كدولة حرة. والمقارنة بين إسرائيل والولايات المتحدة يشعرنا بالفخار. ففي أمريكا، يتولى رئيس يتآمر على الدستور وعلى اللعبة الديمقراطية. نصف أمريكا ترد بقلق، لكن لا يخرج أحد إلى الشوارع حالياً. أما عندنا فالشوارع آخذة بالامتلاء.
حكومة إسرائيل الحالية ورئيسها اكتسبا المظاهرات ضدهما، تلك التي كانت وتلك التي ستأتي. قد نقول إنه الأمر الوحيد الذي اكتسباه باستحقاق. لكن ها هي الشوكة: لن تكون المظاهرات فاعلة إلا حين تكون مؤلمة للحكام. وإلا فلا خوف، ولا لجام، ولا كوابح. نتنياهو اليوم، كما يخيل، محرر من الألم. هذا ليس نتنياهو 2011، الذي بحث من تحت الأرض عن حل يهدئ احتجاج روتشيلد الذي قلب العالم من أجل نبأ إيجابي في موقع “واللا”، ولم ينم الليل لهبوطه الاستطلاعات1 في المئة، بل هو رجل آخر: ما يشعر به الإسرائيليون صغير عليه. هو واثق بأنه يعرف كيف يتدبر حاله مع نصف الشعب؛ أما النصف الثاني فهو يمقته. هم جزء من مؤامرة خبيثة تسعى لتصفيته.
لا سبيل لإيلامه، لأن كل ما يؤلم رؤساء الوزراء لم يعد يؤلمه. هو ينظر إلى عشرات آلاف المتظاهرين الذين يهتفون “احتقاراً” حين يرون صورته على الشاشة، وهذا لا يؤلمه. أن يأتي مئات الآلاف للتظاهر ضده، حتى هذا لا يؤلمه؛ أن يُعلن إضراب عام في الاقتصاد يكلف مئات الملايين، أمر هذا لا يجعله يتراجع. المال لا يؤلمه ما دام مال دولة؛ قرارات محكمة العدل العليا كانت ذات مرة تؤلمه. أما في اللحظة التي أعلن فيها أنه لن ينفذ قرارات محكمة العدل العليا، فقد انقضى الألم.
إخفاق 7 أكتوبر لا يؤلمه: فقد أقنع نفسه بأنه إخفاق الآخرين: مصير المخطوفين وعائلاتهم لا يؤلمه: هو ألم الآخرين. المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف قال في نهاية الأسبوع إن نتنياهو لا يرى أولوية في تحرير المخطوفين. وأضاف نصف احتجاج: نتنياهو يعمل هكذا بخلاف الرأي العام في إسرائيل. لا يفهم ويتكوف أن الرأي العام في عالم نتنياهو الجديد بات موضوعاً هامشياً.
نتنياهو تحرر من الألم في ضوء ما يحصل في المطلة، والغلاف، والجيش، و“الشاباك”، وجهاز القضاء. لا يؤلمه؛ هو مثل ترامب، أقنع نفسه بأن كل من يتبوأ وظيفة هو دولة عميقة، كلهم ضده. يجب إقالتهم، الثأر منهم وليس إشفاء آلامهم.
التحرر من الألم قوة. هو يسمح للحكومة بالمضي بانقلابها النظامي في ذروة الحرب، واستغلال الحرب لإسكات المعارضة وتسريع الانقلاب. هكذا تصرف موسوليني في إيطاليا بنجاح، وهكذا تصرف فرانكو في إسبانيا. نتنياهو، كما درج على القول، يعرف التاريخ.
لبيد وغولان، الخطيبان المركزيان بالمظاهرة في هبيما، دعيا إلى العصيان؛ كل بطريقته. لم يشرحا كيف يتم هذا، ماذا نقول بالضبط لموظف تقدير الضريبة، للشرطي، للقائد في الجيش. جيش الاحتياط الآن في رفض هادئ، بشكل عام لاعتبارات شخصية وضغط اقتصادي وعائلي، لكن أيضاً بسبب تملص الحريديم والحرب التي لا نهاية لها. فهل هذا يؤلم نتنياهو وحكومته؟ حالياً لا. هم يعملون وكأن المقاتلين هم مقدرات غير محدودة. للسعوديين نفط، لحكومتنا جنود.
تعلم نتنياهو من ترامب قوة “إصبع في العين”: إذا كان نصف الإسرائيليين يتألمون لإقالة المستشارة القانونية للحكومة، فإن النصف الثاني سعيد لذلك. إقالة المستشارة تستهدف تحرير الحكومة من إمرة القضاء. هو ينجح على القاعدة على نحو رائع. افقأ لنا عيناً واحدة، يطلب البيبيون. ولكن إذا فقأت عيني الطرف الآخر فإنا سعداء.