وثائق كينيدي: نصف دبلوماسيي سفارات أميركا جواسيس

أحبط الإفراج الكامل عن بقية الوثائق المرتبطة باغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي عام 1963 ملايين الأميركيين المهووسين بهذا الفصل من تاريخ بلادهم، وسط غياب أي أسرار جديدة حول هوية منفذ العملية ومن وقف وراءها.
وبعكس كل الوثائق الحكومية التي سبق أن أفرج عنها، لم يتم تنقيح أو إخفاء أي جزء من الملفات الجديدة، طبقا للأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترامب في 23 يناير/كانون الثاني الماضي.
وأصدر الأرشيف الوطني 2182 سجلا (63400 صفحة) على شريحتين قبل أيام، وقال إنه سيصدر المزيد منها بعد ترقيمه، وتعد هذه الوثائق الجزء النهائي للسجلات المتعلقة باغتيال كينيدي بموجب قانون جمع سجلات اغتياله لعام 1992.
عملاء سريون
وكانت الحكومة الأميركية قد شكّلت عقب حادثة الاغتيال لجنة تحقيق مستقلة عرفت “بلجنة وارين” التي وجدت عام 1964 أن كينيدي قُتل على يد لي هارفي أوزوالد الذي “تصرف بمفرده”. وفي السنوات اللاحقة، ظهرت مجموعة من النظريات البديلة، غذّتها جزئيا سرية وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” تجاه التحقيق.
ومع استمرار الاطلاع على ما تحتويه هذه الوثائق من تفاصيل تكشف طبيعة عمل المؤسسات الأمنية الأميركية، خاصة الاستخبارية منها، يلقى الضوء على ما تتضمنه الوثائق من مواد سرية لا ترتبط مباشرة بحادثة الاغتيال.
وأُفرج يوم الثلاثاء الماضي 18 مارس/آذار الجاري عن 32,000 صفحة، وباليوم نفسه أفرج عن 31,400 صفحة، وأول أمس الخميس أفرج عن 13,700 صفحة.
وتكشف إحدى الوثائق (الوثيقة 1) أنه في يوم تنصيب الرئيس جون كينيدي في 20 يناير/كانون الثاني 1961 “كان 47% من الدبلوماسيين المعنيين بالشأن السياسي في السفارات الأميركية في الدول المختلفة عملاء أجهزة استخبارية ويعملون تحت غطاء دبلوماسي”، حسب إفادة المسؤول السابق بالبيت الأبيض آرثر شيلزنجر، في مذكرة سرية للغاية حول إعادة تنظيم وكالة المخابرات المركزية.
وعلى سبيل المثال، تواجد 123 دبلوماسيا في السفارة الأميركية في باريس، إلا أنهم كانوا عملاء سريين لـ”سي آي إيه”. وفي تشيلي، كان 11 من “الدبلوماسيين السياسيين” الـ13 في السفارة الأميركية عملاء سريين في الاستخبارات.
وتتضمن الوثيقة إبلاغ شيلزنجر الرئيس كينيدي وجود 3700 إلى 3900 ممن هم في السفارات الأميركية بالخارج، منهم 1500 يعملون تحت غطاء دبلوماسي، وما يقترب من 2200 عميل سري تحت غطاء عسكري.
ومما كشفته الوثائق الجديدة غير المنقحة حتى الآن:
الوثيقة 4: كشفت عن تجاوز وكالة الاستخبارات الأميركية لأنشطتها ومهامها، بما في ذلك عملية مكافحة التجسس التي شنَّتها الوكالة ضد السفارة الفرنسية في واشنطن العاصمة، وتضمنت “الكسر والدخول ومصادرة وثائق من القنصلية الفرنسية”.
وكذلك نشرت تفاصيل تعاملات مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون ماكون مع قيادات الفاتيكان، بمن في ذلك البابا يوحنا 23 والبابا بولس السادس، وهو ما قد يثير دهشة بعض المؤرخين.
الوثيقة 6: تعرض تقرير المفتش العام عن اغتيال رافائيل تروخيو رئيس جمهورية الدومينيكان عام 1961، ويكشف أسماء ضباط وكالة الاستخبارات المركزية وغيرهم ممن ساعدوا بالمؤامرة وتورطوا فيها.
الوثيقة 2: تقدم سلسلة من ملخصات إحاطات قدّمها جون ماكون لأعضاء المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية للرئيس كينيدي، والتي تقدم تفاصيل أكثر عن برامج العمل السياسي المعروفة لـ”سي آي إيه”، وتفاصيل لم تكن معروفة سابقا عن “الدعم المالي السري للوكالة للأحزاب السياسية في الكفاح ضد الشيوعية” بجميع أنحاء العالم.
وتتضمن الوثائق عرض تقرير المفتش العام لـ”سي آي إيه” عن عمل محطة الوكالة في مكسيكو سيتي، ويعد من أكثر التقارير تفصيلا عن كيفية تنظيم عمل وكالة الاستخبارات عملياتها على الأرض.
وتاريخ عمليات وكالة المخابرات المركزية في نصف الكرة الغربي بين عامي 1946 و1965، ونفقاتها بمحطات أميركا اللاتينية، وتفاصيل عن مدفوعات الوكالة وعمليات التأثير في بوليفيا لتنظيم انتخاب مرشحهم المختار الجنرال رينيه بارينتوس.
عراقيل
كان الكونغرس الأميركي قد أقرّ قانون جون كينيدي لعام 1992، عقب ضجة عامة أثارها عرض فيلم أوليفر ستون، المخرج الأميركي الشهير، حول اغتيال كينيدي.
ودفع الفيلم (بعض أحداثه افتراضية غير حقيقية) إلى الإفراج عما يقرب من 5 ملايين صفحة من السجلات والوثائق حول عملية الاغتيال ظلت سرية حتى حينها.
وطبقا لهذا القانون، كان يفترض جمع جميع السجلات المتعلقة بوفاة كينيدي ونشرها، وهو ما لم يحدث على مدار ما يقرب من ربع القرن حتى بادر ترامب لذلك.
وعلى مدار الربع قرن الأخير، كانت لدى وكالة الاستخبارات المركزية أسباب لمقاومة الإفراج عن الوثائق لعقود، إذ مثَّل التحقيق في اغتيال كينيدي والكشف عن آلاف الوثائق حول عمليات الوكالة على مستوى العالم كابوسا مستمرا لقادتها، وقام المسؤولون بتقييم التداعيات المحتملة لعملياتها عقب الكشف عن تفاصيل بعض ما قامت به.