هذه تفاصيل التجارة غير المشروعة التي تُبقي ليبيا منقسمة ونجل حفتر من أكبر المستفيدين

كشف تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” تفاصيل تجارة النفط غير المشروعة التي تُبقي ليبيا منقسمة.
وأكدت الصحيفة البريطانية أن تهريب الوقود المدعوم إلى خارج ليبيا وبيعه في الخارج، يبقي على الانقسام في البلد، ويساعد على دعم الفصائل المتنافسة هناك، ويساهم في عرقلة جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات، والحد من الفساد، وتوحيد البلاد تحت حكومة واحدة في رابع أكبر عضو في أوبك من حيث الاحتياطيات.
ووفقا لخبراء الأمم المتحدة، فإنه يُمكّن التهريب عبر سفن مشبوهة من خلال نظام مقايضة مثير للجدل، تقوم بموجبه ليبيا – التي تفتقر إلى القدرة على تكرير الوقود على نطاق واسع – بمبادلة إنتاجها من النفط الخام بالوقود المكرر، بدلا من دفع ثمنه نقدا. ويُباع الوقود محليا بأسعار مدعومة بشدة.
لكن بعض هذا الوقود المستورد الرخيص يُهرَّب إلى الخارج “ليُباع بأسعار السوق السوداء أو بأسعار السوق بوثائق مزورة”، وفقا لتقريرها. ويُنتج هذا النظام “تدفقا ثابتا من الإيرادات” للجماعات المسلحة المرتبطة بالفصائل المتنافسة التي تُشرف على البلاد.
إحداهما هي حكومة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس، والأخرى هي إدارة منافسة في الغرب يسيطر عليها المشير خليفة حفتر، والقوات المسلحة الليبية، وهي المليشيا التي يقودها.
وقد ساهمت هذه الأموال المشبوهة في عرقلة جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات، والحد من الفساد، وتوحيد البلاد تحت حكومة واحدة بعد الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي عام 2011.
يقول تشارلز كاتر، مدير التحقيقات في “ذا سنتري”، وهي منظمة استقصائية تتعقب الفساد، إنه في حين تواجه مناطق بأكملها من البلاد نقصا متكررا في الوقود، فإن حكام ليبيا يبدون راضين عن برنامج مبادلة الوقود الضخم.
وأمر النائب العام الليبي، صديق الصور، مؤخرا بوقفه بعد تحقيق أجراه ديوان المحاسبة، الجهة الرقابية في البلاد.
لكن وقفه قد لا يعني نهاية إساءة استخدام ثروة ليبيا النفطية. يشير تقرير الأمم المتحدة إلى ظهور شركة جديدة، تُدعى “أركينو”، تُصدّر النفط الخام، وهي أول شركة ليبية خاصة تقوم بذلك. وتُعدّ المؤسسة الوطنية للنفط، وهي شركة النفط الحكومية في البلاد، الجهة الوحيدة المُصرّح لها بالتصدير.
وذكر تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن الشركة، التي صدرت نفطا خاما بقيمة 483 مليون دولار، تخضع “لسيطرة غير مباشرة” من قبل صدام حفتر، نجل خليفة حفتر.
ونصت قرارات مجلس الأمن على أن المؤسسة الوطنية للنفط وحدها هي المخولة بتصدير النفط، على أن تُودع العائدات في البنك المركزي الليبي.
وخلص أحدث تقرير للأمم المتحدة إلى أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي القديم أتاح لقوات حفتر وصولا غير مباشر إلى الأموال العامة، بينما سيطرت الجماعات المسلحة في طرابلس والزاوية بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية الرئيسية والمؤسسات الحكومية ذات الصلة لتهريب كمية كبيرة من الديزل.
وبحسب “فاينانشل تايمز” بدأ مخطط المقايضة في عام 2021 بعد أن اختارته الحكومة من بين ثلاثة خيارات قدمتها المؤسسة الوطنية للنفط لتخفيف نقص العملة الأجنبية، وفقا لمصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط آنذاك.
في رسالة إلى وزير النفط والغاز بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2021، اقترح صنع الله خيارات لاستيراد الوقود، قائلا إن عدم اتخاذ أي إجراء سيؤدي إلى أزمة وقود بحلول أيار/ مايو.
واستُبدل صنع الله في عام 2022 بفرحات بن قدارة، الذي كان محافظا للبنك المركزي في عهد القذافي، وسرعان ما توسّع نطاق المخطط. ويقول منتقدون إن هذا المخطط مُبهم ويفتقر إلى الرقابة.
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، فإنه يتم استيراد حوالي 70% من الديزل في ليبيا، وكل ذلك من خلال نظام المقايضة. وتُظهر بيانات كبلر أنه في عامي 2023 و2024، جاء جزء كبير من واردات ليبيا من روسيا، التي تم استبعاد منتجاتها النفطية من الأسواق الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا.
وبمجرد استيرادها، تشتري المؤسسة الوطنية للنفط هذه الأنواع من الوقود، وتدفع قيمتها الكاملة بالنفط الخام. ثم يُعاد بيع الوقود بأسعار مدعومة بشدة للموزعين المحليين والمستهلكين الصناعيين. هذا الدعم يعني أن الليبيين يدفعون مبالغ زهيدة مقابل البنزين والديزل والكهرباء، ولكنه يخلق حافزا واضحا لتحويل المنتجات البترولية إلى السوق السوداء المحلية أو خارج البلاد حيث يمكن بيعها بقيمتها السوقية الكاملة.
وقال البنك الدولي في تقرير صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، إن ليبيا يُعتقد أنها تخسر أكثر من 5 مليارات دولار سنويا نتيجة للتجارة غير المشروعة. وذكر التقرير أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي يُقدر بأنه قد زاد بشكل كبير منذ الحرب في أوكرانيا.
وأدت الواردات المتزايدة إلى زيادة تكلفة الدعم للاقتصاد الليبي المتعثر. وفي رسالة إلى رئيس الوزراء الدبيبة في آذار/ مارس 2024، قال محافظ مصرف ليبيا المركزي آنذاك، صادق الكبير، إن التكلفة السنوية لواردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار “تفوق احتياجات البلاد”، وأشار إلى أن الدعم تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 12.5 مليار دولار بين عامي 2021 و2023. وبلغت حصة دعم الوقود 8.4 مليار دولار من هذا الإجمالي السنوي.
ويقول الكبير، الذي أقاله الدبيبة في آب/ أغسطس: كان اعتراضنا أن لتر الوقود يكلفنا دولارا واحدا، بينما هو يُباع بثلاثة سنتات.
ويضيف: هذا يُكلف الدولة مبالغ طائلة، ويُهرَّب جزء كبير من هذا الوقود إلى الخارج.
بدأ ديوان المحاسبة الليبي تحقيقا في هذه العملية العام الماضي. من أهم نتائجه، الواردة في تقرير غير منشور حصلت عليه صحيفة “فاينانشال تايمز”، أن قيمة واردات البلاد من الوقود بموجب نظام المبادلة بلغت 8.5 مليار دولار أمريكي في عام 2023، منها ما يزيد على الـ 8 مليارات دولار أمريكي من النفط الخام المُصدّر لتغطية تكاليفه.
الشركة الوحيدة المذكورة في تقرير ديوان المحاسبة التي استجابت لاستفسارات “فاينانشال تايمز” بشأن نظام المقايضة هي شركة تجارة السلع التركية “BGN”، التي تديرها الرئيسة التنفيذية رويا بايغان.
وانبثقت شركة “BGN” من مجموعة بايغان التركية العائلية، التي يبلغ عمرها 80 عاما، وبدأت بتجارة البتروكيماويات في التسعينيات قبل أن تتوسع لتشمل النفط وسلعا أخرى. ورغم قلة شهرتها خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد شهدت “BGN” نموا سريعا خلال العقد الماضي، حيث تداولت سلعا بقيمة تقارب 30 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
ووفقا لتقرير ديوان المحاسبة، استلمت ثلاث شركات تابعة لـ “BGN” ما مجموعه 2.7 مليار دولار أمريكي من النفط الخام في عام 2023 بموجب نظام المبادلات، وهو ما يمثل 30% من حجم التجارة، وثاني أكبر حصة بعد شركة غلف أبستريم.
وأعلنت “BGN” في بيان لها أنها تعمل وفقا لأعلى معايير الامتثال لجميع اللوائح المنظمة لتجارة النفط في ليبيا، من خلال تعاون شفاف ورسمي مع المؤسسة الوطنية للنفط وجميع المشاركين في السوق والجهات المعنية.
كما أنها أشارت إلى “مخالفات مؤسفة” في تقرير ديوان المحاسبة بشأن عملية التأهيل، وقالت إنها “مؤهلة تماما” للمشاركة في نظام المبادلة، كونها واحدة من 12 شركة تم اختيارها في عام 2021 من خلال عملية مناقصة تنافسية شفافة شملت 20 شركة محلية ودولية مؤهلة.
وبحسب الصحيفة تشير الدلائل الآن إلى أن نظام المبادلة قد يقترب من نهايته نتيجة للضغوط المحلية والدولية.
وأمرت رسالة أرسلها النائب العام الليبي في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، واطلعت عليها صحيفة “فاينانشيال تايمز”، المؤسسة الوطنية للنفط بالتوقف فورا عن أسلوب مقايضة النفط الخام بالوقود، واعتماد آليات تعاقد تضمن الشفافية في اتفاقيات توريد الوقود.