تعاطف كبير مع شاب مغربي فضح لوبيات الفساد في أسواق السمك

انتهت مغامرة شاب يبيع سمك “السردين” بثمن زهيد نهاية غير سعيدة، بعد إغلاق محله في مدينة مراكش من طرف السلطات المحلية، على خلفية شكايات تزعم “عدم احترامه للإنتاج ومرور سلعته عبر مسار غير الذي تمر منه باقي السلع لدى بقية الباعة”. كما سجلت اللجنة التي زارت محله “بعض المخالفات”، لكنها وُصفت بأنها مجرد ذريعة لتنفيذ القرار.
وفي هذا الصدد، تساءل الباحث الأكاديمي عدنان الجزولي “لماذا حين ينتفض الفقراء أو يثورون ضد الغلاء والفساد والكساد يتذكر (أصحاب الحال) أن هناك قوانين يجب أن تطبق وعلى عجل؟”، وفق ما جاء في تدوينته على فيسبوك. كما انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي “هاتشاغ” ذو دلالة: “حيدو (أزيلوا) الوسيط على المواطن البسيط”، دلالة على دور المضاربين والمحتكرين في الزيادات الصاروخية في أثمان المواد الاستهلاكية. وكتب الإعلامي حسن الهيثمي إن الشاب عبد الاله المراكشي حرك البحيرات الراكدة التي لوثها المضاربون.
وعلى سبيل السخرية السوداء، انتشرت عبر منصات التواصل جملة مفادها: عوض أن تبحث اللجنة في شكاية الناس من غلاء الأسماك، اتجهت نحو شاب يبيع السمك بسعر زهيد.
الحكاية بدأت مع “مول الحوت” (يعني بائع السمك) كما يلقبه الرأي العام، الذي اختار بيع “السردين” بثمن بخس، معلنا عن ذلك عبر منصته الافتراضية. ولم يمر أسبوع حتى وجد نفسه محاصرا بشكايات زملائه في المهنة، كما نال نصيبه من التشكيك من طرف بعض المغاربة الذين استغربوا السعر، كما استهجنوا الطريقة التي كان يروج بها لبضاعته. لكن في المقابل كان حجم التعاطف معه كبيرا جدا سواء بتدوينات أو مقاطع فيديو أو غيرها من وسائل التعبير المتاحة على منصات التواصل الاجتماعي.
وبدأت قصة الشاب عبد الإله الملقب بـ “الجابوني المراكشي”، عندما تحول في أقل من أسبوع إلى نجم على “سوشال ميديا”، وصارت مقاطع الفيديو التي صورها أشهر من نار على علم وهو يشارك متابعيه من عموم المغاربة لحظات بيع سمك “السردين” بسعر رخيص جدا لا يتجاوز الخمسة دراهم للكيلوغرام الواحد (حوالي نصف دولار)، بينما يباع في محلات أخرى بسعر يتراوح بين دولار ودولارين.
وتحولت واقعة إغلاق محل الشاب المذكور إلى حدث شكل العنوان الرئيسي في عدد المواقع الإخبارية المحلية، كما هو الحال مع بداياته حين كان يتحدث عن تمكين الفقراء من السمك واكتفائه بهامش ربح ضئيل دون طمع، لأنه قنوع وهذا سبب طرده من السوق، وفق تصريحاته.
المتعاطفون مع الشاب الظاهرة، وجهوا سهام انتقاداتهم للحكومة التي “تعرف تأثير المضاربة والاحتكار والسمسرة على قدرة المواطن الشرائية دون أن تحرك ساكنا في هذا الاتجاه”، كما هاجموا لوبيات تفسد حياة الناس بسبب الجشع والطمع والرغبة في الربح السريع، فيما وجهت تدوينات دعوات لدعم “مول الحوت” (بائع السمك) وهو يواجه وحده تلك اللوبيات.
وكتب الصحافي حفيظ بنكميل: تلك اللجنة التي زارت بائع السردين في مراكش… نريدها أن تتحرك لمواجهة المحتالين وسماسرة الأسعار والمضاربين الذين يستغلون الشعب ويتسببون في التهاب أسعار المواد الاستهلاكية.
كما أعلن الممثل النجم هشام بهلول دعمه للشاب عبد الإله، مطالبا سلطات مراكش بحمايته.
وزاد مقطع فيديو جديد من تأجيج غضب بعض المغاربة، حين ظهر الشاب وهو يبكي ويشتكي التضييق، معلنا اعتزاله بيع السمك خوفا على نفسه وفق تعبيره. وعلق محمد واموسي، الصحافي المغربي المقيم في فرنسا، على الواقعة بقوله إن الشاب الذي كشف للمغاربة كيف تباع الأسماك بثمن بخس في الموانئ ثم تصل إليهم بأضعاف أضعاف السعر بعد أن تمر عبر لوبيات الاحتكار والمضاربة، أغلقوا محله المتواضع.
وحسب صاحب التدوينة فإن ذريعة السلطات أنه لم يعلّق لائحة الأسعار، كما أن ظروف التبريد غير سليمة، والنظافة مشكوك فيها!، وحسب واموسي فقد صار القانون فجأة صارما، لكن ليس على كبار السوق بل على من كشف حقيقتهم، ليختم بقوله “هذا هو مغربنا… يعاقبون على قول الحقيقة، ولا يعاقبون على نهب جيوب الناس.
وفي رأي مدون آخر، فإن الشاب عبد الإله أعلن اعتزاله بيع السردين بعد تعرضه للضغط كي يغادر الميدان، لأنه ابن الشعب الذي فضح الفساد والظلم الممارس على المواطنين الضعفاء من طرف المضاربين، كما فضح المستور وعرفنا الثمن الحقيقي لسمك السردين.
كما أكد مدون آخر، أن ما قام به “بطل واقعة السردين” هو تطبيق لشعار مبادرة “الحوت بثمن معقول” (السمك بثمن معقول) التي أطلقتها الحكومة نهاية الأسبوع المنصرم بهدف تمكين المواطنين من السمك.
وفي تصريح مصور قال رئيس جمعية حماية المستهلك في مدينة أغادير إن أرباب المراكب يبيعون سمك السردين في أسواق الجملة بثمن قار هو 3 دراهم للكيلوغرام، وفي مدن العيون والداخلة وبوجدور يباع بدرهمين ونصف (حوالي ربع دولار). وتساءل كيف يعقل أن ثمنه يصل إلى المستهلكين بعشرين درهما (حوالي دولارين).
المشككون من جهتهم استغربوا سعر بيع السردين كما أعلن عنه الشاب عبد الإله، واستندوا على معطيات من البحارة الذين أكدوا أن أسعار السردين في الميناء، بلغت في بداية الأسبوع أكثر من 7 دراهم (نصف دولار) للكيلوغرام الواحد، ومع تزايد الوسطاء يرتفع السعر، وأضافوا مصاريف النقل والشحن مما يجعل ثمنه عند وصوله إلى المستهلك مرتفعا.
وتجاوزت واقعة بيع السردين بثمن بخس اهتمام الرأي العام وعموم الصحافة، ووصلت إلى البرلمان المغربي من خلال سؤال للنائبة فاطمة التامني عن حزب “فدرالية اليسار الديمقراطي” المعارض وجهته إلى وزير الفلاحة، ووصفت فيه إغلاق محل الشاب المذكور بـ تصفية الحسابات ضد فاضحي الفساد، عوض فتح تحقيق جدي حول المضاربات وغلاء أسعار السمك.
وبدوره، أثار فريق حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض في مجلس النواب موضوع غلاء أسعار السمك في الأسواق، وأكدت نائبته البرلمانية لبنى الصغيري في سؤال مكتوب أن هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات.
ولم يبق “مجلس المنافسة” (مؤسسة رسمية) بعيدا عن هذا الجدل، حيث أكد من جديد رئيسه أحمد رحو في تصريح لموقع “العمق”، أن المجلس فتح تحقيقا في عملية بيع سمك السردين للمصنعين، وذلك للتأكد من مدى احترام مساطر البيع لمبادئ المنافسة الشريفة.