أخبار عربيةالأخبار

وثائق المخابرات السورية: وقائع انهيار معلن نظام الأسد ومحاولات بائسة ويائسة لإنقاذه

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعدته إيزابيل كولز وجاريد مالسين قالا فيه إن الوثائق التي تركتها المخابرات السورية على عجل تظهر كيف كافح جهاز الاستخبارات الضخم للحكومة المنهارة فهم التقدم السريع لقوات المعارضة ومحاولة الحد من تقدمها. فبعد أيام من دخول الثوار إلى مدينة مهمة في الشمال، وصل تقرير من خمس صفحات إلى مكتب ضباط الاستخبارات العسكرية في دمشق بتفاصيل مثيرة للقلق.

فقد أجبرت قوات النخبة التي أُرسلت لتعزيز دفاعات حلب على التراجع مع انسحاب جيش النظام “بطريقة مجنونة وعفوية”. وفر الجنود “بطريقة هستيرية”، تاركين وراءهم الأسلحة والمركبات العسكرية، وفقا لتقرير من ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية في المدينة بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر.

وبحلول ذلك الوقت، كان مقاتلو هيئة تحرير الشام، قد وضعوا بالفعل مدينة ثانية في مرمى بصرهم. ومع استيلائهم على المزيد من المناطق في الأيام التالية، تدفقت التقارير إلى المقر المكون من ثمانية طوابق للفرع 215، وهو جزء مثير للرعب من جهاز الأمن الضخم للديكتاتور بشار الأسد، في وسط دمشق. وقد أوضحت التقارير سرعة واتجاه تقدم الثوار والخطط والأوامر المحمومة على نحو متزايد بهدف إبطاء تقدمهم.

وتكشف الآلاف من وثائق الاستخبارات السرية للغاية، التي اطلع مراسلو صحيفة “وول ستريت جورنال” عليها في المبنى في كانون الأول/ ديسمبر، الانهيار السريع للنظام الاستبدادي الذي حكم سوريا بالحديد والنار ولعقود من الزمان.

ومع تقدم هيئة تحرير الشام بسرعة عبر سوريا، قللت الحكومة، في تصريحاتها العامة من مدى تقدم الثوار وسعت إلى إشاعة جو من الثقة. ومع ذلك، تميزت الاتصالات الداخلية بين القوات التي تحاول حماية النظام بقلق متزايد.

وفي النهاية، تخلى ضباط ورجال الفرع 215 عن مواقعهم أيضا، تاركين وراءهم كومة من الملابس العسكرية والأسلحة والذخيرة إلى جانب زجاجات الويسكي الفارغة والسجائر المطفأة ورزم من التقارير الاستخباراتية، بعضها معلق في ملفات، وبعضها الآخر مكدس في أكوام. وعندما زارت الصحيفة مكاتب الفرع 215، وجدت فسيفساء من صور الرئيس بشار الأسد وقد تم اقتلاع عينيه وفمه.

وقال ننار حواش، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية: لقد استمروا في العمل حتى اللحظة الأخيرة، فهم الركيزة الأساسية للنظام السوري السابق.

وتعلق الصحيفة أن النجاح المفاجئ لهجوم هيئة تحرير الشام، والانهيار المذهل لجيش النظام، كان بمثابة فشل استخباراتي ملحمي في سوريا وخارجها.

فحتى تلك اللحظة، كان يعتقد وعلى نطاق واسع أن الأسد قد ربح الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما. واستعادت القوات الحكومية وبدعم من روسيا وإيران، السيطرة على معظم أنحاء البلاد، وتم حصر الثوار إلى حد كبير في جيب في الشمال الغربي من البلاد.

كل هذا تغير في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما لاحظ قادة هيئة تحرير الشام أن إيران وحزب الله وغيرهما من الجهات التي تساعد في الدفاع عن الأسد تواجه انتكاسات، وأن روسيا كانت منشغلة بشكل متزايد بحربها في أوكرانيا. فشنت الهيئة هجوما مفاجئا، وتقدمت بسرعة نحو حلب.

ومع اقتراب الثوار من المدينة في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، أرسل أحد المقرات تعميما إلى جميع فروع أجهزة الاستخبارات هناك برفع الجاهزية القتالية إلى 100%، وتعليق العطلات حتى إشعار آخر. وبعد يومين، كان المقاتلون قد دخلوا المدينة.

ويبدأ التقرير، الذي يوثق انهيار الجيش بملاحظة وصول طائرة نقل عسكرية من طراز إليوشن من دمشق وعلى متنها 250 فردا من الاستخبارات العسكرية، بما في ذلك أعضاء الفرع 215، مسلحين بقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة في محاولة أخيرة للسيطرة على المدينة. وفي غضون ساعات من الانتشار في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، تعرضوا لهجوم من مسيرات.

وقال العميد نيكولاس موسى، ضابط الاستخبارات الذي كتب التقرير، إن الجهود المتكررة لحشد وحدات الجيش باءت بالفشل حيث فر الجنود، تاركين الأسلحة والمركبات العسكرية. وأضاف أن نقص الدعم الجوي والغطاء المدفعي زاد من حالة الذعر.

وأضاف التقرير: كان الجرحى ممددين على الأرض ولم يكن هناك من يعالجهم أو يجليهم.

وفي لغة صريحة غير معتادة، لفت التقرير الانتباه إلى الفساد داخل جيش الأسد. وقال إن فشل القيادة العسكرية أدى إلى “تراخي” الصفوف وانتهاكات أمنية.

وأضاف أن معلومات بالغة الأهمية حول مواقع القوات تسربت أثناء الهجوم. وقال التقرير إن “الضباط والأفراد انشغلوا بالأمور المادية والملذات”. ولجأ أفراد الجيش إلى “أساليب غير قانونية” لإصلاح المعدات وتأمين سبل عيشهم، مشيرين إلى نقص الموارد والاقتصاد المتدهور.

وكان التشخيص يعكس ما لاحظه المحللون لسنوات. فمع تدمير الاقتصاد بسبب الحرب والعقوبات، قام الأسد أيضا بتسريح بعض الجنود وخفض حصص المجندين وأصبح يعتمد بشكل كبير على الميليشيات المحلية والمقاتلين الأجانب الذين حشدتهم إيران. كما أدى التضخم إلى تآكل قيمة رواتب الجنود النظاميين وكان الفساد منتشرا.

وكشف سقوط حلب أن هجوم الثوار يشكل تحديا خطيرا لقبضة الأسد على السلطة.

وفي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، تقدم الثوار من الشمال والجنوب والجنوب الشرقي، وسيطروا على حماة وحمص، وقطعوا الطرق لمعاقل النظام في الساحل، واستولوا في النهاية على دمشق.

وحذر تقرير في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر: “لقد تلقينا معلومات عن اتصالات وتنسيق بين الجماعات الإرهابية في شمال سوريا وخلايا نائمة إرهابية في المنطقة الجنوبية ومحيط دمشق” ودعا إلى تشديد المراقبة والتدابير الأمنية.

وأمر الفرع 215 بنشر وحدات الرد السريع المسلحة على أبواب العاصمة.

ومع تقدم الثوار، اقترح أحد تقارير الاستخبارات أن يشن الجيش السوري هجوما مفاجئا على مؤخرة قوات هيئة تحرير الشام، ويضرب قاعدتهم القريبة في إدلب، مستغلا دفاعاتها المتفرقة. وقال التقرير إن العملية قد تزرع الفوضى وتخفف الضغط على القوات السورية حول حماة.

ولا يبدو أن مثل هذا الإجراء قد تم اتخاذه.

وحذرت التقارير من أن الثوار سوف يتنكرون في هيئة قوات النظام من خلال حمل صور الأسد ورفع العلم السوري. وحذر آخرون من أن الثوار يقومون بتجهيز سيارات الإسعاف بالمتفجرات. وحذر أحد التقارير في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر من أن الألوية الحمراء النخبوية التابعة لهيئة تحرير الشام سوف تتسلل إلى حماة في تلك الليلة.

واستولى الثوار على المدينة في اليوم التالي. وكان الانتصار نقطة تحول، حيث لم يتبق سوى مركز سكاني رئيسي واحد، حمص، يقف بين الثوار والعاصمة. وفي الوقت نفسه، انضمت مجموعات ثوار أخرى في جميع أنحاء البلاد إلى القتال، حيث دفعت مجموعات المعارضة من الجنوب شمالا نحو دمشق.

ومع استمرار الثوار في الضغط، ركزت أجهزة الاستخبارات بشكل متزايد على الأمن في العاصمة، حتى أنها ركزت على ما بدا وكأنه تفاصيل دقيقة.

وأفاد أحد فروع الاستخبارات بأن العديد من الأفراد انتقلوا مؤخرا من الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في الشمال الغربي إلى إحدى ضواحي دمشق، محذرين من أنهم قد يكونون خلايا نائمة. ووفقا لتقرير آخر، أصدرت هيئة تحرير الشام تعليمات لعملاء في ريف دمشق بأن يكونوا على استعداد للتفعيل.

وفي وسط المدينة، تم الإبلاغ عن “نشاط غير عادي” بين رجال ملتحين يرتدون سترات جلدية سوداء في شارع شعلان الراقي. وقد أشار عملاء كانوا يراقبون ساحة عامة إلى مجموعة من ماسحي الأحذية باعتبارها مشبوهة، فضلا عن امرأة غير مألوفة تبيع الخضراوات وكانت ترتدي مكياجا ثقيلا تحت حجابها وتتحدث بلهجة تشير إلى أنها من شرق سوريا.

وأوصت المذكرة بـ طلب لقطات كاميرات المراقبة من أصحاب المحلات التجارية لمراجعة أي حركة مشبوهة.

وحاول البعض في النظام حشد القوات للدفاع عن العاصمة. وطلب أمر صدر في منتصف ليلة 5 كانون الأول/ ديسمبر باسم الرئيس من وحدة مدرعة بالعودة إلى دمشق من دير الزور في الشرق.

وقال عبد الرحمن الشوينخ، وهو ضابط منخفض الرتبة في الوحدة أمضى شهرين في الخدمة العسكرية الإلزامية، في مقابلة، إنه أدرك أن الثوار لن يتوقفوا. وقال: قررت الفرار.

ومع اقتراب الثوار، قدم المخبرون طوفانا من المعلومات الاستخباراتية حول أماكن تواجدهم المفترضة. وأشار أحدهم إلى مزرعة دجاج حيث كان هناك 20 “إرهابيا” ودبابتان. وقال مصدر آخر إن كهفا في ريف إدلب يستخدم كمقر لهيئة تحرير الشام.

ليس من الواضح ما إذا كانت المعلومات دقيقة أو ما إذا كان قد تم التصرف بناء عليها.

كما وزادت المخاوف من التدخل الأجنبي مع ضعف قبضة النظام، وحذر فرع فلسطين التابع لأجهزة المخابرات، والذي اشتهر بين السوريين بتعذيب المعتقلين، من أن الإرهابيين بالقرب من حدود سوريا مع إسرائيل يعتزمون شن هجوم بدعم من العدو الصهيوني.

وأبلغ مصدر من الثوار المدعومين من الولايات المتحدة والمتمركزين بالقرب من الحدود الأردنية الاستخبارات السورية أن الولايات المتحدة أصدرت لهم تعليمات بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر التاريخية، وفقا لتقرير أرسل في 5 كانون الأول/ ديسمبر.

كانت القوات التركية ترافق شاحنات محملة بالمعدات والأسلحة الثقيلة عبر الحدود إلى قاعدة الثوار السوريين في إدلب، وفقا لمصدر يحمل الاسم الرمزي: بي دي2-01

ومع تقدم الثوار من الشمال، اقتربت مجموعات معارضة مسلحة أخرى من الجنوب. وذكر تقرير أرسل إلى غرفة العمليات أن مجموعات صغيرة على متن دراجات نارية سيطرت على نقاط تفتيش عسكرية، واستولت على مركبة قتالية للمشاة ومركبتين محملتين برشاشات ثقيلة.

وقال التقرير في 6 كانون الأول/ ديسمبر: الوضع في محافظة درعا مضطرب.

وقال ضابط استخبارات متمركز في درعا للصحيفة إن حالة من الفوضى تزايدت مع تدفق التقارير حول مكاسب الثوار. وقال إنه حتى قبل الهجوم، كانت سيطرة النظام على الجنوب هشة. وكانت نقاط التفتيش والمنافذ العسكرية لا تزيد عن كونها صورة رمزية لوجود النظام ومصدرا للدخل للأفراد الذين يمكنهم انتزاع الرشاوى لتكملة رواتبهم الضئيلة.

وكان معظم زملائه من معقل الموالين للنظام على طول الساحل السوري، وبدأوا في المغادرة قبل أيام من سقوط دمشق. وقال الضابط الذي بقي حتى اليوم السابق لهروب الأسد إلى موسكو: كانوا جميعا يفكرون في بلداتهم، وليس هنا.

على الأرض، استمر الجيش في الانهيار. وقال الضابط أحمد الرواشدة، الذي كانت وحدته تدير محطة تشويش روسية الصنع على خط المواجهة بالقرب من حمص: “كان الجميع يريدون الفرار، حتى الضباط”. وبعد ست سنوات من الخدمة الإلزامية، قال إنه لم يكن مهتما كثيرا بإطاعة الأوامر بالقتال.

وانتظر العسكري البالغ من العمر 37 عاما غروب الشمس ثم خلع زيه العسكري وبندقيته وانضم إلى مجموعة من الجنود الآخرين الذين ذهبوا للاختباء في قرية قريبة حتى انتهاء القتال.

قبل أيام قليلة من سقوط دمشق في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، صدرت أوامر بنقل القوات والمعدات لمواصلة القتال. وكان من المقرر أن تنقل فرقة الدبابات الثالثة 400 بندقية آلية و800 مخزن ذخيرة و24,000 رصاصة إلى كتيبة في منطقة طرطوس على الساحل، موطن قاعدة بحرية روسية رئيسية ومعقل للطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وكان من المقرر أن تغادر التعزيزات لقاعدة الفرقة الرابعة عشرة للقوات الخاصة غربي دمشق في منتصف نهار 7 كانون الأول/ ديسمبر.

وعشية انهيار النظام، تناول تقرير مع إشارة إلى مصدره، ولكن تم التستر عليه، النهج المتوقع للمتمردين تجاه دمشق، وتوقع أن يصلوا إلى الضواحي في غضون يومين ويستولوا على سجن صيدنايا، حيث تم سجن وتعذيب المعارضين السياسيين. كان التوقيت خاطئا، لكن التنبؤ الأخير أثبت صحته. اقتحمت قوات الثوار السجن وأطلقت سراح المعتقلين بعد ساعات من فرار الأسد من البلاد.

وانتهت الوثيقة بتوقيع استخدمه ضباط الاستخبارات في رسائلهم الأخيرة، وهو ما أظهر تصميمهم على إبقاء النظام قائما: للإطلاع والقيام باللازم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى