أخبار عالميةالأخبار

استمرار الهيمنة الصينية على التجارة العالمية وتصاعد قوتها العسكرية ومغازلة أفريقيا والعالم العربي

كيف يمكن رصد التطور الصيني وحضور هذا البلد في المشهد العالمي طيلة سنة 2024 هل من خلال النمو الاقتصادي، أو نوعية اللقاءات الدبلوماسية والمؤتمرات أم من خلال المقياس المركزي الشامل وهو : ماذا راكمت الصين سنة 2024 في المجال العلمي والتجاري والعسكري نحو طريقها لزعامة العالم خلال العقدين المقبلين إن لم يكن نهاية الثلاثينات؟

التعاطي مع تقييم الصين طيلة سنة كاملة يختلف عن معظم باقي الدول إن لم يكن كلها باستثناء الولايات المتحدة، ويتجلى في ضرورة قياس التقدم العام للصين لأن هذه الدولة رسميت لنفسها هدفا وهو زعامة العالم سنة 2047. ولعل الجواب نجده في تقارير مراكز التفكير الاستراتيجي التي تنكب على دراسة الصين بشكل ملفت، وفي التقارير الرسمية مثل التي تصدر عن البنتاغون في تقييمه للوضع السياسي-العسكري العالمي.
وتستمر الصين في الرهان على التجارة للسيطرة على العالم، وإذا كان الاهتمام منصبا على طريق الحرير الذي يعيد هيكلة التجارة العالمية على الأقل في العالم القديم، آسيا وأفريقيا والعالم العربي وجزء من أوروبا، فالأرقام المسجلة سنة 2024 تبقى دالة على تربع الصين على عرش التجارة العالمية على حساب الولايات المتحدة. في هذا الصدد، بلغ إجمالي قيمة التجارة الصينية في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 (في انتظار البيانات النهائية الشهر المقبل) 5.05 تريليون دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 5.2 في المئة، اي أكثر من خمسة آلاف مليار دولار. فقد نمت الصادرات بنسبة 6.7 في المئة، لتصل 2.89 تريليون دولار أمريكي حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر، وأظهرت الواردات أيضًا نموًا بنسبة 3.2 في المئة، وبلغ إجماليها 2.09 تريليون دولار أمريكي في الفترة نفسها. وكل المؤشرات تدل على استمرار ارتفاع الصادرات بحكم انتعاش الاقتصاد العالمي بعد جائحة كوفيد 19. ولا يوجد منافس قوي للصين بحكم نوعية الصادرات. إذ كان للطلب العالمي على تقنيات تكنولوجيا المعلومات تأثير كبير على الصادرات الصينية في عام 2024، ما عزز مكانتها كمصدر رئيسي للسلع عالية التقنية، وعلى رأسها الهواتف: تمثل حوالي 7.7 في المئة من إجمالي الصادرات، وتكنولوجيا الكمبيوتر تشكل حوالي 5.2 في المئة من الصادرات، والدوائر الإلكترونية المتكاملة: بنسبة 4.3 في المئة، تُعد هذه المكونات بالغة الأهمية لصناعة التكنولوجيا العالمية. أشباه الموصلات: تمثل حوالي 1.8 في المئة من الصادرات، ما يعكس أهمية الصين في سلسلة توريد الرقائق الإلكترونية العالمية. المجمّعات الإلكترونية: تمثل حوالي 1.6 في المئة من الصادرات، ما يدعم النمو في قطاعات مثل السيارات الكهربائية والأجهزة المحمولة. ويجري التشكيك في الغرب أحيانا في النمو الاقتصادي الصيني، ويقول رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ: «لدينا الثقة والقدرة على تحقيق هدف النمو». ويرى خبراء صينيون أن تقارير غربية تركز على تراجع النمو الصيني إلى 3 في المئة، رغم كل هذا تبقى هذه النسبة الأعلى من باقي دول الغرب، وهذا يؤكد استمرار هيمنة الصين على التجارة العالمية.

نحو قوة عسكرية أكبر

ومن ضمن العناوين الدالة على ما يصفه البعض بالذكاء العسكري الصيني هو استمرار هذا البلد في عدم التورط في أي نزاع عسكري بشكل مباشر. فمن جهة، تؤيد الصين روسيا في صراعها مع الغرب وتقوم بتسيير دوريات عسكرية في مياه الهادي والأطلسي بما في ذلك بالقرب من الحدود الأوروبية والأمريكية لاسيما بالقرب من آلاسكا، إلا أنها تحافظ على مسافة حتى لا يرى الطرف الآخر في التصرف الصيني استفزازا مباشرا.
وتتوفر الصين على ثاني ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة، وهي تحقق تقدما مبهرا في مجال الانتشار العسكري. ولعل شهادة تقارير البنتاغون هامة في هذا الشأن. فقد كشفت وزارة الدفاع الأمريكية نهاية كانون الأول/ديسمبر في تقرير سنوي عن نمو كبير في ترسانة الصين النووية وقدراتها العسكرية، على الرغم من فضائح الفساد الأخيرة التي اجتاحت المستويات العليا في جيش التحرير الشعبي الصيني. ووفقًا للتقرير، تواصل البحرية الصينية تحويل نفسها إلى قوة عالمية، وتوسيع نطاق عملياتها إلى ما وراء شرق آسيا. وإذا كان البنتاغون يمتلك أكبر نسبة من حاملات الطائرات، فقد تفوقت الصين في العدد الإجمالي للقطع الحربية البحرية من غواصات ومدمرات وفرقاطات وحاملات الطائرات، وتأتي سنة 2024 لتؤكد هذا التفوق كما تذهب إلى ذلك مجلة أوبكس 360 الفرنسية المتخصصة في الملفات العسكرية.
ومن جهة أخرى، تشير تقديرات البنتاغون إلى أن الصين زادت ترسانتها النووية بمقدار 100 رأس نووي منذ العام الماضي، ويمكن أن تتجاوز 1000 رأس نووي بحلول عام 2030. وفي حين أن هذه الأرقام لا تزال أقل من أرقام الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تنشر كل منهما 1550 سلاحًا نوويًا استراتيجيًا بموجب معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية «ستارت» يشير التقرير إلى أن بكين سرّعت بشكل كبير من وتيرة تعزيز ترسانتها النووية تحت قيادة شي جين بينغ، وربما تستكشف إنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات مزودة بأسلحة تقليدية، ما يضيف خيارًا جديدًا إلى جانب صواريخها النووية بعيدة المدى البالغ عددها 135 صاروخًا لتهديد البر الرئيسي الأمريكي.
وتجمع علاقات شائكة ومتينة الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة والصين، وهي علاقات تعاون وتنافس وبدأت تخضع لمقاييس واضحة، إلا أن هدف بكين الدبلوماسي هو محاولة تطوير العلاقات مع الدول التي قد تدور في فلكها تجاريا وعسكريا مستقبلا، ثم تعزيز مجموعة البريكس التي تتزعمها. وتدرك الصين أنها لن تستقطب دولا غربية، ولكنها قادرة على بسط الكثير من نفوذها في مناطق من العالم العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وتركز كثيرا على أفريقيا بحكم أنها ذات ثروات كبيرة وسوق واعدة ثم وجود نصف العالم العربي في هذه القارة. ويشرف الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيا على هذه السياسة سواء بترأسه القمم مع تجمعات من الدول كما فعل مع قادة أفريقيا خلال ايلول/سبتمبر 2024 في بكين أو كثرة الزيارات التي يقوم بها إليها.
وتسجل سنة 2024 المنعطف التاريخي في تعزيز التبادل التجاري مع أفريقيا من 12 مليار دولار سنة 2000 إلى ما يفوق 300 مليار دولار المرتقبة مع نهاية السنة الجارية. في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الخارجية الصينية بداية كانون الأول/ديسمبر أن «الصين لن تغيب أبدا عن عملية التنمية والازدهار في أفريقيا. وابتداء من أول كانون الأول/ديسمبر 2024، منحت الصين جميع الدول الأقل نموا التي تربطها بها علاقات دبلوماسية معاملة خالية من الرسوم الجمركية بنسبة 100 في المئة على جميع بنود التعرفة الجمركية، بما في ذلك 33 دولة في أفريقيا». وكانت صحافة عدد من دول أفريقيا في الساحل وفي شرق القارة وجنوبها قد نوهت بخلاصات وأهداف القمة الثنائية خلال ايلول/سبتمبر 2024، وتعتبر الصين دولة تلتزم بالتنمية عكس الغرب.
وفي 30 ايار/مايو عام 2024، عُقد الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي في العاصمة الصينية بكين، حيث قرر الجانبان بذل جهود مشتركة لتسريع بناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية نحو العصر الجديد، وبناء نموذج للعلاقات يستند إلى المنفعة المتبادلة والتعلم المتبادل والتقدم المشترك. وتحاول الصين إغراء العالم العربي وخاصة دول الشرق الأوسط بتفويت التكنولوجيا التي لا يريد الغرب تفويتها للعرب. وبدأت تنجح في هذا الصدد، لاسيما وأن لديها تجربة رائعة مع دول إسلامية وهي باكستان في صنع السلاح وصناعة المعلومات.
وسياسيا، إذا كانت الصين سنة 2023 قد نجحت في إبرام أحد أهم الاتفاقيات الدبلوماسية في القرن 21 وهي اتفاقية السلام والحوار بين إيران والسعودية لتجنيب المنطقة الحرب السعودية-الإيرانية، فقد جمعت خلال تموز/يوليو 2024 بين حماس وفتح من أجل مصالحة، لأن بكين تعتقد أن الحق الفلسطيني يمر أساسا عبر المصالحة والوحدة، وليس عبر فصائل فلسطينية موالية لعواصم كبرى وفصائل تدين بالولاء لعواصم أخرى.
وهكذا، تنتهي سنة 2024 وقد راكمت الصين اقتصاديا وتجاريا ودبلوماسيا وعسكريا قدرات جديدة نحو هدف ريادة العالم نهاية العقد المقبل أو بشكل رسمي سنة 2047.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى