الحجز على أموال بلديات معارضة في تركيا يثير الجدل
أفاد التلفزيون الرسمي التركي بأن وزارة العمل والضمان الاجتماعي فرضت، الاثنين الماضي، إجراءات حجز على أموال وحسابات 4 بلديات كبرى وبلدية منطقة يديرها حزب الشعب الجمهوري أحد أكبر أحزاب المعارضة، في حين أفادت وسائل إعلام تركية أخرى بأن إجراءات الحجز طالت 6 بلديات، في خطوة أثارت جدلا واسعا.
وشملت إجراءات الحجز بلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة ومرسين وشيشلي بزعم تحصيل ديون مستحقة لمؤسسة الضمان الاجتماعي.
وبينما تؤكد الحكومة أن هذه الخطوة ضرورية لاستعادة حقوق الدولة، تصف المعارضة الإجراء بأنه “استهداف سياسي” يهدف إلى شل البلديات المعارضة التي تحظى بشعبية متزايدة بين المواطنين.
وكانت وزارة العمل والضمان الاجتماعي قد أعلنت في وقت سابق عن قائمة البلديات الأكثر مديونية، وجاءت على النحو التالي:
بلدية أنقرة الكبرى: 8.7 مليارات ليرة تركية (248.6 مليون دولار)
بلدية إسطنبول الكبرى: 6.4 مليارات ليرة تركية (182.9 مليون دولار)
بلدية إزمير الكبرى: 5.3 مليارات ليرة تركية (151.4 مليون دولار)
بلدية أضنة الكبرى: 4.3 مليارات ليرة تركية (122.9 مليون دولار)
بلدية شيشلي في إسطنبول: 2.8 مليار ليرة تركية (80 مليون دولار)
بلدية مرسين الكبرى: مليار ليرة تركية (28.6 مليون دولار)
بداية الأزمة
وبدأ الجدل حول ديون البلديات لمؤسسة الضمان الاجتماعي عقب تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال يوليو/تموز الماضي، إذ انتقد خلالها زيادة المعاشات التقاعدية ودعا لرفع الحد الأدنى للمعاش إلى مستوى الحد الأدنى للأجور.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية يوم 24 يوليو/تموز الماضي- البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري إلى تسديد ديونها المتراكمة، محذرا من أن الحكومة ستلجأ إلى اقتطاع هذه الديون “من مصدرها” في حال عدم سدادها.
وفي اجتماع لمجلس الوزراء في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، صعّد أردوغان من انتقاداته لاقتراحات المعارضة بشأن رفع الحد الأدنى للأجور، موجها حديثه للبلديات المعارضة قائلا: “أدعوها لسداد ديونها المتراكمة لمؤسسة الضمان الاجتماعي. يجب أن يكون الوزير أكثر حزما في التعامل معها”.
وكشف وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي، وداد أشقهان، الشهر الماضي عن النهج الذي تتبعه الوزارة في تحصيل ديون البلديات المتراكمة لصالح مؤسسة الضمان الاجتماعي.
وأكد الوزير أن الوزارة تتعامل مع جميع البلديات بمبدأ المساواة، قائلا: “نتوجه بالدعوة ذاتها إلى جميع البلديات، ونكررها عبركم: سدّدوا ديونكم ولا تسمحوا بتراكمها إلى مستويات يصعب سدادها. إذا كان السداد دفعة واحدة غير ممكن، يمكنكم التواصل معنا لتقسيطها. بل ويمكنكم تقديم عروض لمبادلة عقارات بقيمتها، ونحن مستعدون للنظر فيها وقبولها”.
وأشار أشقهان إلى أن الوزارة مضطرة لتطبيق إجراءات قانونية صارمة، بما في ذلك الحجز، على البلديات التي لا تتخذ خطوات فعلية لسداد ديونها.
وأضاف: للأسف، البلديات الأعلى مديونية هي البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري. فعلى سبيل المثال، بلدية أنقرة الكبرى تدين حاليا بمبلغ 8.4 مليارات ليرة تركية (240 مليون دولار) لصالح مؤسسة الضمان الاجتماعي.
وتابع: عندما تم تسليم الإدارة عام 2019 من رئيس البلدية السابق مليح جوكشيك، كانت الديون لا تتجاوز 200 مليون ليرة (5.7 ملايين دولار). وبحلول مارس/آذار الماضي، عندما أشرنا إلى هذه المشكلة لأول مرة، ارتفعت الديون إلى 4.5 مليارات ليرة (128.6 مليون دولار). لكن خلال 7 أشهر فقط، تضاعفت تقريبا لتصل إلى 8.4 مليارات ليرة (240 مليون دولار).
واختتم الوزير بالإشارة إلى توزيع الديون المتراكمة بين الأحزاب قائلا: “إجمالي ديون البلديات يبلغ 150 مليار ليرة تركية، وتتوزع كالآتي: 67.5% من الديون مستحقة على بلديات حزب الشعب الجمهوري، و25% على بلديات حزب العدالة والتنمية، و3% على بلديات حزب الحركة القومية، و2% على بلديات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب”.
موقف المعارضة
وأصدرت بلدية إسطنبول الكبرى بيانا رسميا نفت فيه الأنباء التي تداولتها بعض وسائل الإعلام بشأن تجميد حساباتها المصرفية أو حسابات الشركات التابعة لها.
وأكدت البلدية عبر منصات التواصل الاجتماعي أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، مشيرة إلى أن جميع حساباتها تعمل بشكل طبيعي من دون أي إجراءات حجز أو تجميد.
في المقابل، أكدت بلدية شيشلي أنها تسلمت إشعارا رسميا من مؤسسة الضمان الاجتماعي بشأن البدء في تنفيذ إجراءات الحجز على أموالها، بسبب الديون المتراكمة عليها.
وأضافت البلدية أنها ستتواصل مع الجهات المعنية لحل الأزمة عبر الطرق المناسبة، مشددة على أنها تسعى لتجنب تعطيل أي من مصالح المواطنين.
من جهته، صرّح رئيس بلدية أنقرة الكبرى منصور يافاش، عبر منصات التواصل الاجتماعي، أن إجراءات الحجز شملت حسابات 6 شركات تابعة للبلدية.
وأكد يافاش أن هذه الإجراءات لن تؤثر على الخدمات والدعم الذي تقدمه البلدية للمواطنين، وقال: على الرغم من هذه التدخلات، فإننا ملتزمون باستمرار تقديم دعمنا دون أي تقليص، بل وسنعمل على زيادته.
ويرى المحلل السياسي جوكهان بولوت أن أزمة الحجز على أموال البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري تعكس صراعا معقدا بين الأبعاد السياسية والإدارية في تركيا، مما يجعل القضية مجالا للجدل المستمر بين الحكومة والمعارضة.
ويعتبر بولوت أن الحكومة لديها مبررات قانونية لدعم إجراءاتها، إذ ترى أن الديون المتراكمة على البلديات تُشكل عبئا كبيرا على مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تُعد أساسية لاستقرار نظام الرعاية الاجتماعية.
ويشير بولوت إلى أن هذه الإجراءات، رغم مبرراتها، تحمل أبعادا سياسية واضحة، إذ إن التركيز على بلديات حزب الشعب الجمهوري تحديدا، مع تجاهل بلديات أخرى تواجه مشكلات مالية مشابهة، يدعم ادعاءات المعارضة بأن الحكومة تستخدم هذا الملف للضغط السياسي على البلديات المعارضة.
وفي ما يتعلق بتأثير هذه الأزمة على المواطنين، يرى بولوت أن تجميد حسابات البلديات قد يؤدي إلى تراجع قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية، مثل دفع رواتب الموظفين وتمويل المشاريع الحيوية، لكنه يعتبر أن البلديات أيضا تتحمل مسؤولية جزء من هذه الأزمة، نظرا لعدم اتخاذها إجراءات كافية لمعالجة الديون، مثل تقليص الإنفاق أو تنويع مصادر الإيرادات.
قرار في الاتجاه الصحيح
من جهته أكد الباحث السياسي مراد تورال أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية بحق البلديات المدينة لمؤسسة الضمان الاجتماعي جاءت بعد سلسلة من التحذيرات التي أرسلتها الحكومة للبلديات المعنية، خاصة تلك التي تحمل ديونا مرتفعة تُشكل عبئا كبيرا على المؤسسة.
وأشار تورال إلى أن هذه الخطوات دفعت بعض البلديات إلى اتخاذ تدابير جدية لتسوية ديونها، موضحا: على سبيل المثال، بلدية إزمير سارعت للتواصل مع مؤسسة الضمان الاجتماعي لبحث آلية جدولة ديونها بعد إعلان الحجز، وهذا يثبت أن القرار الحكومي كان في الاتجاه الصحيح، إذ أجبر البلديات على التحرك لحل مشكلة الديون بدلا من تجاهلها.
وأوضح أن القرار الحكومي جاء بعد أن اتضح أن بعض البلديات لم تكن لديها نية جادة لسداد ديونها أو التفاوض عليها.
ونفى الباحث أن تكون الحملة موجهة ضد البلديات التابعة للمعارضة بشكل خاص، مشيرا إلى أن هناك بلديات أخرى تتبع للمعارضة ولديها ديون لكنها لم تتعرض لإجراءات الحجز.
وأوضح تورال أن الحكومة ركزت فقط على البلديات ذات المديونيات العالية التي تُشكل ضغطا كبيرا على مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهو ما يُثبت أن الهدف من الإجراءات كان تحصيل المستحقات وليس استهدافا سياسيا.
وأضاف تورال أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة التركية بمثل هذه الحملات، مستشهدا بما حدث في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2000، عندما أطلق وزير العمل آنذاك، يشار أوكويان، حملة استهدفت 950 بلدية لم تسدد ديونها، وشملت الحملة حينها إجراءات حجز وصلت إلى مصادرة ممتلكات رؤساء البلديات أنفسهم.