إيران بعد التحول السوري
في أثناء موجة الاحتجاج التي نشبت في إيران أواخر 2017 على خلفية الوضع الاقتصادي المتفاقم، أعرب مواطنون إيرانيون كثيرون عن تحفظهم من حالات أفسدت فيها ممتلكات عامة واستخدم فيها العنف. في حينه، انطلقت في الشبكات الاجتماعية حملة تحت شعار: “إيران ليست سوريا”. حذر فيها المتظاهرون من الحرب الأهلية. نشيط حقوق الإنسان والصحافي الإيراني مهدي محموديان، تطرق هذا الأسبوع لخوف كثيرين ممن ينتقدون النظام الإيراني من تغيير ثوري يؤدي إلى فوضى سياسية. في مقال رأي نشره عقب انهيار نظام الأسد، كتب محموديان بأن الأحداث الأخيرة في سوريا أثبتت بأن الخوف من الانزلاق إلى حرب أهلية والانقسام في سيناريو تغيير النظام. وعلى حد قوله، فإن امتداد الحرب الأهلية في سوريا وتدهور الدولة إلى واقع فوضوي نبعا من التدخل الأجنبي في سوريا ومن معارضة الأسد المستمرة لإصلاحات حيوية ولنقل مرتب للحكم. لذا، لا خوف من تغيير النظام في إيران أو من تحولها إلى سوريا، لأن الخوف من انهيار النظام يفاقم الوضع.
يجدر التشديد على أن الظروف في إيران مختلفة بشكل جدي عن وضع سوريا في السنوات الأخيرة. فحرب أهلية لأكثر من عقد، تركت سوريا دولة فاشلة ومفككة ومنقسمة إلى مناطق نفوذ وسيطرة بإسناد من دول أجنبية تدهور وضعها الاقتصادي والأمني. صحيح أن السياقات الاجتماعية العميقة والضغوط المتزايدة من الداخل والخارج تضع أمام النظام الإيراني تحدياً ثقيل الوزن قد يعرض مكانته بل واستقراره للخطر، لكن النظام نجح حتى الآن في قمع موجات الاحتجاج التي نشبت في السنوات الأخيرة وحافظ على وحدته الداخلية، وعلى تصميمه على تنفيذ أفكاره الأساس.
على الرغم من ذلك، لا شك أن إيران تدرس هذه الأيام مآلات انهيار نظام الأسد وتداعياته المحتملة على بقاء النظام الإسلامي واستقراره. في الأيام الأخيرة، يجري في الجمهورية الإسلامية حوار جماهيري متزايد حول الدروس التي ينبغي استخلاصها من الأحداث في سوريا. المحلل السياسي والناقد للنظام، صادق زيبا كلام، أشار بأن الانهيار السريع للأسد يعود لفقدان قاعدة الدعم الجماهيري. واعترف بأن الظروف في إيران مختلفة جداً مقارنة بسوريا، وأن ثمة استعداداً من جانب مؤيدي نظام الإيراني للتجند. ومع ذلك، شدد على أن الدرس الأهم الذي على طهران تعلمه من سوريا هو أن النظام الذي يفقد تأييد الجماهير سيفقد قوته العسكرية، أو الدعم الأجنبي.
سمعت أصوات في أوساط المعسكر الإيراني المحافظ، شددت على الحاجة لتقليص الفجوة بين النظام والجمهور وزيادة التضامن الاجتماعي من خلال تحسين الوضع الاقتصادي والاستجابة لمطالب الجمهور. رئيس مجلس مدينة طهران، مهدي شمران، ادعى على خلفية الأحداث في سوريا بأن الدرس من سقوط نظام الأسد هو وجوب الاستماع للمواطنين واحترام إرادتهم قولا وفعلاً. وإلى ذلك، ازدادت هذا الأسبوع دعوات لتجميد أو رفض تطبيق قانون الحجاب الذي أقر مؤخراً في البرلمان ويفرض عقوبات جسيمة، بما فيها غرامات عالية ومنع خدمات اجتماعية، عن نساء لا يحرصن على اعتمار الحجاب. منتقدو القانون، بمن فيهم الرئيس مسعود بزشكيان وبعض من رجال الدين الكبار، حذروا من أن تنفيذ القانون في الوقت الحالي قد يوسع الفجوة بين السلطات والمواطنين وزيادة النقد الجماهيري. وثمة دعوات سمعت أيضاً في صالح تنفيذ وعد الرئيس لإزالة بعض القيود المفروضة على الشبكات الاجتماعية.
وعلى خلفية الأصوات الداعية إلى تخفيف التوتر بين السلطات والجمهور، تناول الزعيم الإيراني علي خامنئي التطورات في سوريا وأطلق رسالة مختلفة تماماً: في خطابه بطهران، أعلن الزعيم بأن الدرس الذي ينبغي استخلاصه من أحداث سوريا هو عدم تجاهل الأعداء أو الاستخفاف بهم. وعبرت أقواله عن عادته لإحالة المسؤولية عن التحديات الداخلية إلى العدو الخارجي الذي يستعين زعماً بالعدو الداخلي. وفي أثناء موجة الاحتجاج التي عصفت بإيران في السنوات الأخيرة، ادعى خامنئي بأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي التي تتحمل مسؤولية ضعضعة نظامه.
خطاب خامنئي لا يوفر سبباً للتفاؤل بشأن استعداد النظام لتخفيف القمع المدني والسياسي المتفاقم، كارتفاع عدد الإعدامات مثلاً. يبدو أن الزعيم الإيراني بدأ الآن يولي أهمية أكبر للحفاظ على قاعدة التأييد الأيديولوجي له – مهما كانت ضيقة – على الحاجة للاستجابة لمطالب المواطنين وتوفير جواب لأزماتهم. تثبت تجربة الماضي بأن تشديد القمع وإن كان يساعد السلطات في التصدي للتحديات الداخلية في المدى القصير، لكنه سيفاقم أزمة شرعية النظام ويعزز ميول التطرف في أوساط الجمهور. ستبقى التطورات الدراماتيكية في سوريا تجتذب اهتماماً كبيراً في إيران. وذلك في الوقت الذي تعود مسألة تغيير النظام إلى جدول الأعمال في ضوء ضعف إيران والمحور الشيعي، والاقتراب من نهاية عصر الزعيم الحالي وقبيل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. بريان هوك، الذي كان مسؤولا عن الملف الإيراني في إدارة ترامب السابقة، وإن أعلن مؤخراً أن إدارة ترامب لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، لكن الجمهورية الإسلامية تستعد الآن إلى إعادة تنفيذ سياسة الحد الأقصى من الضغوط الكفيلة بخلق فرصة لضعضعة النظام.