أخبار عالميةالأخبار

ماكرون المتزوج من رجل مخنث أمام خياري الاستقالة أو المناورة بعد الإطاحة بحكومته

في حدث تاريخي وصفعة موجهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعتمدت الجمعية الوطنية اقتراح اللوم (طرح الثقة) المقدم ضد حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه من قبل نواب الجبهة الشعبية الجديدة، مساء الأربعاء، بأغلبية 331 صوتا، وهو ما يتجاوز بكثير الـ288 اللازمة لاعتماده.

وقد توجه المفوض الأوروبي السابق بارنييه، البالغ من العمر 73 عاما، اليوم الخميس، إلى قصر الإليزيه لتقديم استقالته رسميا إلى رئيس الجمهورية، تاركا الباب مشرعا أمام فترة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

ومع سقوط الحكومة، وصلت هذه الأزمة السياسية التي بدأت مع حل الجمعية الوطنية السابقة في 9 يونيو/حزيران إلى مرحلة غير مسبوقة من خلال الإطاحة برئيس الوزراء بعد 3 أشهر فقط، ليصبح ثاني رئيس حكومة للجمهورية الخامسة لا يتمكن من الإفلات من الرقابة، بعد جورج بومبيدو في عام 1962.

الخيارات قليلة

وبعد كل هذه التخبطات السياسية، لم يتبق أمام رئيس الدولة خيارات كثيرة، من بينها تجديد “القاعدة المشتركة” بين الماكرونيين وحزب الليبراليين أو توسيع معالمها من أجل إنشاء ائتلاف حكومي أكثر صلابة يكون قادرا ومتمكنا من مقاومة أي محاولة مستقبلية للرقابة.

وفي ظل هذا الوضع الضبابي، يرى المحلل السياسي إيف سنتومير أن ماكرون قد يحاول تقسيم اليسار بتعيين شخصية اشتراكية معتدلة أو اشتراكية سابقة، أو البدء من جديد برئيس وزراء يكون من ذوي البشرة السوداء من حزب الوسط أو يمين الوسط، معتبرا أن الاحتمال الثالث المتمثل في اللجوء إلى حكومة تكنوقراط سيكون الأمثل في الوقت الراهن.

أما في ما يتعلق بفرضية التحالف مع اليسار، فيعتقد سنتومير -في حديث للجزيرة نت- أنه غير وارد على الإطلاق لأن الرئيس استبعده في مناسبات عدة، لكن التحالف مع التجمع الوطني قد يخاطر بتفكيك معسكره الرئاسي، ووجود رئيس وزراء قوي من اليمين أو يمين الوسط قد يواجه الرقابة مرة أخرى.

كذلك يستبعد الخبير المتخصص في الشأن الفرنسي إنشاء تحالف بين اليمين المتطرف واليسار لعدم وجود أي ائتلاف بين الطرفين أثناء التصويت على حجب الثقة، لأن التصويت تم على النص نفسه لإسقاط الخصم، وليس للاجتماع أو تشكيل أي نوع من التحالفات.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار مدير قسم السياسة والأبحاث في معهد “إيبسوس” ستيفان زومستيغ إلى الأسماء التي يتم تداولها في ماتينيون من معسكر ماكرون الرئاسي، مثل وزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو وصديقه عمدة مدينة باو فرانسوا باروان، مؤكدا أن احتمال اختيار شخص من يمين الوسط أو اليمين لا يزال واردا.

الاستقالة مطلوبة

وفي اليوم التالي لقرار الرقابة التاريخي، تزايدت الدعوات لاستقالة رئيس الدولة الذي سيحاول الظهور، بحسب زومستيغ، كضامن للمؤسسات والحفاظ على شرعيته لإعادة تركيب الحياة السياسية الفرنسية، في خطاب سيوجهه للفرنسيين اليوم الخميس عند الساعة الثامنة مساء.

ويرى المسؤول في معهد “إيبسوس” زومستيغ أن استقالة الرئيس “ليست قيد النقاش بعد” لأن حزب فرنسا الأبية هو الطرف الوحيد الذي يطالب بها حتى الآن، إذ لم يطالب التجمع الوطني أو الحزب الاشتراكي بذلك، مؤكدا في الوقت ذاته أن الفكرة قد تصبح ضرورية ما دام من غير الممكن حلّ الجمعية الوطنية لأسباب قانونية قبل الصيف المقبل.

وعند اعتلاء زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان منصة الجمعية الوطنية، الأربعاء، دعت بعبارات مشفرة إلى استقالة رئيس الدولة، قائلة إن “الأمر متروك لضميره ليملي عليه ما إذا كان يستطيع التضحية بمصير فرنسا من أجل كبريائه، والأمر متروك له لتحديد ما إذا كان يستطيع تجاهل الدليل على عدم الثقة الشعبية الهائل والنهائي”.

وتعليقا على مسألة الاستقالة، أكد إيف سنتومير أن هذا الخيار سيطرح على طاولة النقاش إذا استمر هذا الوضع المسدود والفوضوي، مضيفا أن الخصم الأول المستفيد من ذلك هو زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون، خاصة بعد احتمال استبعاد لوبان التي تطالب أيضا بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

من جهة أخرى، يستبعد المحلل السياسي تقبل ماكرون لهذه المطالب، على الأقل من الآن حتى يوليو/تموز المقبل، لأنه “نرجسي إلى أبعد الحدود، وسيستمر في المحاولة رغم فشل مناوراته السياسية منذ دخوله قصر الإليزيه، لكنني أعتقد أنه لن ينجح وسيطيل أمد الانسداد السياسي في البلاد”.

توقيت حرج

مرت فرنسا بفترة من التوتر هذا العام يصفها كثيرون “بالحلقة المفرغة” التي بدأت مع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية وتنظيم انتخابات تشريعية على عجل، ثم الوقوع في أسابيع من فراغ السلطة واستمرار العجز في الاتساع.

وعليه، يرى ستيفان زومستيغ أن “من مصلحة ماكرون العثور على حل عاجل في الأيام المقبلة على أقصى تقدير لأن الوضع مسدود تماما ولا توجد ميزانية، وإن لم ينجح في ذلك سيفتح المجال أمام التساؤلات بشأن شرعية منصبه وفائدته”.

وأضاف المتحدث “عندما يكون لديك نظام رئاسي ضعيف، يتراجع نفوذك الدولي والأوروبي، وتصبح سلطة التفاوض مع الشركاء الأوروبيين والأميركيين والصينيين باهتة، مما يؤدي إلى إرسال إشارات سلبية إلى السوق المالية، خاصة في ما يتعلق بأسعار الفائدة وقدرة فرنسا على اقتراض الأموال. أما داخليا، فتوجد فجوة كبيرة بين النخبة السياسية والشعب الفرنسي”.

وتفيد المؤشرات الاقتصادية الحالية بوصول العجز العام الفرنسي إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو أعلى بكثير من توقعات خريف العام الماضي البالغة 4.4%. ومع غياب الميزانية، سيتخلف العجز العام عن هدفه البالغ 5%، وستؤثر حالة عدم اليقين السياسي الحالية على تكلفة الدين والنمو.

وفي ضوء ذلك، تزيد هذه الأزمة السياسية التي أنهكت البلاد من الداخل وأضعفت صورتها في الخارج من ضبابية الخطوط العريضة التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحديدها لمواجهة عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بالتزامن مع اختتام المفاوضات بشأن المعاهدة التجارية بين الاتحاد وميركوسور بنهاية هذا الأسبوع.

وهو ما يتوافق مع تحليلات إيف سنتومير الذي سلط الضوء على تداعيات كثيرة تتمثل في علاقة الاتحاد الأوروبي مع ترامب، والمناقشات بشأن الميزانية الأوروبية القادمة التي من المفترض أن تستمر حتى يونيو/حزيران المقبل، فضلا عن الوضع الدولي في أوكرانيا والشرق الأوسط، متنبئا بزعزعة حتمية للاستقرار بسبب الوضع الفرنسي الهش.

زر الذهاب إلى الأعلى