لماذا انهارت قوات الأسد سريعا؟
بينما كان بشار الأسد يتجهز لإعلان انتصاره النهائي والحاسم على فصائل المعارضة بعد أن قطع شوطا كبيرا في عملية إعادة التهيئة الدبلوماسية لنظامه، باغته هجوم غير مسبوق وجريء انطلق من المناطق المحررة في إدلب وريف حلب الغربي، وتساقطت أمامه مدن وقرى محافظتي إدلب وحلب، لتصل المعارك إلى شمال محافظة حماة، وسط انهيار مفاجئ لقوات النظام، وشبه غياب لحلفائه الإقليميين والدوليين المنشغلين بمعايرة مواقفهم من التطورات القائمة حتى الآن.
فخلال العاميين الأخيرين، أعادت العديد من الدول علاقاتها مع النظام السوري وصولا لعودة النظام إلى الجامعة العربية بعد 11 عاما من تعليق عضويته، ليحضر بشار الأسد مجددا القمم العربية باعتباره ممثلا للدولة السورية. وبالتزامن مع عودة العلاقات عربيا، حرصت أنقرة على أن تمد يدًا لدمشق، لكن الأسد طلب تنفيذ بعض الشروط أولا، ومنها سحب القوات التركية من الأراضي السورية.
أما دوليا، ففي عام 2024 زار بشار الأسد موسكو وطهران، بينما بدا أن جدار المقاطعة الأوروبي للنظام السوري على وشك أن يتصدع بعد عودة الأسد للجامعة العربية، فوقَّعت إيطاليا والنمسا وقبرص والتشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا على رسالة موجهة لمسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، تدعو لإعادة تقييم العلاقات مع نظام الأسد، كما اقترحوا تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي في سوريا، وإعادة التواصل مع السفير السوري في بروكسل، وطلبوا مناقشة تأثيرات العقوبات الأوروبية على النظام السوري.
فيما أعلنت إيطاليا تعيين سفير لها في دمشق لتصبح الدولة الأوروبية السابعة التي لديها سفارة مفتوحة في سوريا، ثم قدمت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد جزرة لنظام الأسد، قائلة إن واشنطن مستعدة لبحث رفع العقوبات عن سوريا في حالة إحراز تقدم نحو تسوية الصراع.
محليا، شهد العام الحالي 2024 إجراء حزب البعث انتخابات القيادة المركزية للحزب، وانتخابات قيادة الفروع في المحافظات، وأُعيد انتخاب بشار الأسد أمينا عاما للحزب بالإجماع، ثم أُجريت انتخابات مجلس الشعب ليفوز بها حزب البعث، وليكلف على إثرها بشار الأسد محمد غازي الجلالي بتشكيل حكومة جديدة، كما جرت حركة تغييرات في المحافظين، بينما أعلنت وزارة الدفاع إجراء تغييرات في آلية التجنيد، بموجبها سيصبح الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية عامين، مع تسريح كل مَن أمضى في خدمة الاحتياط مدة خمس سنوات، مما يعني تسريح عشرات الآلاف قبل نهاية العام الجاري تمهيدا للاعتماد على المتطوعين في الجيش.
أرسلت تلك التطورات رسالة بأن الأسد كسر جدار العزلة العربية، وأصبح مجددا حاكم سوريا المعترف به في محيطه الإقليمي، مما دفع أيضا عدة دول أوروبية لتغيير موقفها منه، فيما كانت عملية هندسة المشهد الداخلي حزبيا وسياسيا وأمنيا بمنزلة تمهيد للإعلان عن انتصار النظام على قوى الثورة المناهضة له بعد قرابة 14 عاما من الحرب التي استباح خلالها الأسد وحلفاؤه دماء السوريين بلا رادع.
في ضوء ذلك، تركز الحديث خلال العام الجاري عن مصير فصائل المعارضة السورية، خاصة مع تصاعد الحديث عن تطبيع في العلاقات التركية السورية، ومدى تأثير ذلك على واقع ومستقبل تلك الفصائل في حال انسحاب الجيش التركي من نقاطه العسكرية في المناطق المحررة، وما إذا كانت ستتمكن من الصمود وحدها في وجه قوات النظام.
تزامن ذلك مع توسع قوات النظام في استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية يوميا لشن عشرات الهجمات على أهداف بالقرى الواقعة على خطوط التماس، فضلا عن القصف المدفعي والصاروخي مما ألحق خسائر بالمعارضين ومعداتهم العسكرية، فضلا عن المدنيين وممتلكاتهم.
وفي المقابل، مع اشتعال أجواء الحرب في لبنان في سبتمبر/أيلول الماضي، والتفات حزب الله عن الملف السوري، فضلا عن انشغال روسيا قبل ذلك بحرب أوكرانيا الطويلة، كثَّفت “هيئة تحرير الشام” الدورات العسكرية والمناورات الميدانية لرفع القدرة والجاهزية القتالية لعناصرها استعدادا لانتهاز الفرص المناسبة لتوسيع نطاق المناطق المحررة.
كما زادت “غرفة عمليات الفتح المبين” من وتيرة العمليات النوعية التي تتضمن اقتحام مواقع النظام، فشنَّت عملية نوعية على دشم لقوات الأسد في محور كباشين أسفرت عن أسر جنديين، كما شنَّت عملية نوعية في جبل التركمان شمال اللاذقية أسفرت عن مقتل وإصابة 28 ضابطا وجنديا من النظام، كما نفذت عملية ثالثة على محور عين عيسى بريف اللاذقية الشمالي أسفرت عن مقتل وإصابة 15 من عناصر النظام.
وكذلك أصدرت إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ بيانا حمّل نظام الأسد مسؤولية استهداف المدنيين وحركات النزوح والتهجير، بُغية تحميل النظام المسؤولية عن التصعيد المحتمل حال فتح معركة عسكرية جديدة. لكن ظلت الشكوك مطروحة حول مدى قدرة فصائل الثورة السورية على شن هجوم يتجاوز عقبة السيطرة الجوية لطيران النظام، والطيران الروسي، ومدى كلفة أي عملية عسكرية للمعارضة وبالأخص على المدنيين.
الانهيار المفاجئ
ولكن في فجر يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري، أعلنت فصائل المعارضة بإدلب تحت لافتة “إدارة العمليات العسكرية” إطلاق معركة بعنوان “ردع العدوان”، وبدأت بمهاجمة الفوج “46” التابع للجيش النظامي السوري غرب حلب، ليسقط بشكل سريع، ولتتوسع العملية في محورين، الأول باتجاه مدينة حلب، والثاني باتجاه مدينة سراقب بمحافظة إدلب، والواقعة على تقاطع الطريق الدولي حلب دمشق، وطريق حلب اللاذقية.
وفي اليوم الثالث تحققت مفاجأة ثقيلة العيار بدخول المعارضة مدينة حلب دون قتال عنيف، وسيطرتها على مدينة سراقب، وفرار قوات النظام عشوائيا وليس ضمن انسحاب منظم باتجاه محافظة حماة، مما أتاح للمعارضة السيطرة على مخازن أسلحة ضخمة تضم صواريخ مضادة للدروع والطائرات، وقذائف صاروخية، وما يزيد على 100 دبابة، وراجمات صواريخ، وغيرها من العتاد النوعي والثقيل.
وفي اليومين الرابع والخامس، تمكنت المعارضة من السيطرة على مطار حلب الدولي، الذي سلمته قوات النظام قبل انسحابها لعناصر قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، كما سيطرت على مطارات “أبو الظهور” العسكري، و”كويرس” و”منغ”، وكلية المدفعية والأكاديمية العسكرية في حلب، وبدأت العمليات العسكرية بريف حماة الشمالي بعد إتمام السيطرة على كامل محافظة إدلب، وإحكام السيطرة على غالبية أحياء مدينة “حلب”.
وقد أثار الانهيار المفاجئ لقوات النظام، وسقوط مدن وقرى ومطارات وقواعد عسكرية في أيام معدودة، رغم عدم امتلاك المعارضة لطيران حربي أو أنظمة دفاع جوي أو سلاح مدرعات فاعل ومؤثر، أسئلة حول أسباب الانهيار في جيش النظام، وعن غياب الدعم الجوي الروسي بشكل مؤثر على ساحة المعركة، فضلا عن أسباب غياب المليشيات الموالية لإيران. وتكمن الإجابة في خليط من الأسباب الدولية والإقليمية والمحلية، بعضها يتعلق بالنظام وحلفائه، والبعض الآخر مرتبط بفصائل المعارضة نفسها.
على الجانب النظامي، من الواضح أن الحرب في أوكرانيا استقطبت جُلَّ اهتمام روسيا، فوجهت لها أغلب مقدراتها، وصولا إلى الاستعانة بقوات من كوريا الشمالية مؤخرا، وهو ما أثر على تركيز القيادة العسكرية الروسية على سوريا رغم أهمية القاعدة البحرية في طرطوس للانتشار الروسي في البحر المتوسط وشمال أفريقيا، وإن كان الإجراء الوحيد الملموس هو سحب روسيا بطارية دفاع جوي طراز “إس 300″، وهي غير مؤثرة في القتال الحالي بقدر تأثير توجيه موسكو لنخبة الطيارين الروس إلى أوكرانيا بدلا من سوريا.
فيما تتردد أقاويل عن خفض عدد الطائرات الحربية الروسية بسوريا، لكن ذلك لا يظهر في إحصائيات تقرير التوازن العسكري الصادرة من مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية بلندن، عن عامي 2022 و2024، التي تشير إلى وجود 10 طائرات روسية طراز “سوخوي 24″، و6 طائرات روسية طراز “سوخوي 34″، و6 طائرات روسية طراز “سوخوي 35″، في سوريا.
أما الوجود الإيراني فقد تضرر هيكله القيادي في سوريا على خلفية الضربات الإسرائيلية، التي طالت في ديسمبر/كانون الأول 2023 العميد رضي موسوي مسؤول وحدة “دعم جبهة المقاومة في لبنان وسوريا” في غارة جوية إسرائيلية على منزله في دمشق، ثم استهدفت في يناير/كانون الثاني 2024 “حُجّت الله أميدوار” قائد استخبارات فيلق القدس بالحرس الثوري في سوريا رفقة 4 من مساعديه بقصف مقرهم في دمشق.
ثم طالت في أبريل/نيسان 2024 العميد محمد زاهدي قائد فيلق القدس في لبنان وسوريا ونائبه العميد محمد رحيمي وخمسة من الضباط المرافقين لهما، بقصف مقر تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق، فضلا عن مقتل مستشارين إيرانيين آخرين بغارات إسرائيلية من بينهم العقيد محمد شورجه والعقيد بناه تقي زادة، وسعيد علي دادي، ورضا زارعي، وبهروز واحدي، بالإضافة إلى مقتل الصف القيادي العسكري الأول بحزب الله في لبنان، وقصف مخازن ومقرات الحزب في دمشق والقصير وتدمر، مما أجبر المستشارين الإيرانيين وعناصر حزب الله على تخفيف وجودهم داخل سوريا، وإخلاء الكثير من المقرات، وسط مخاوف من الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة.
أما قوات النظام، التي تقوم بالدرجة الأولى على التجنيد الإلزامي، فكانت تعاني آثار افتقارها للعقيدة الأيدولوجية التي تثبت أقدام المقاتلين مع طول أمد الحرب، فضلا عن ضعف الرواتب، التي لا تتعدى ما يعادل نحو 30 دولارا في الشهر للجندي الواحد.
وكثيرا ما ترد في الأدبيات الخاصة بعلم النفس العسكري جمل على شاكلة: “يقاتل العديد من الجنود ما داموا يتقاضون رواتبهم، وما داموا يعتقدون أنهم قادرون على الفوز، فالقتال بالنسبة لهم راتب شهري، وليس قضية تستحق أن يضحي المرء بحياته من أجلها”، التي وردت في تقرير المفتش الأميركي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان حول أسباب انهيار قوات الحكومة الأفغانية أمام عناصر طالبان عام 2021.
كذلك تلعب عوامل أخرى دورا في انهيار قوات النظام، مثل تدني مستوى التدريب، ومحدودية القدرة على القتال في حال غياب غطاء جوي داعم، وانتشار الفساد مما أدى إلى تقويض ثقافة الانضباط، وتآكل منظومة التحكم والسيطرة في ظل انتشار الثقافة “الميليشياوية” عقب جولات القتال السابقة، وانشقاق العديد من الضباط والجنود على مدار سنوات الحرب، والاعتماد على دعم مليشيات محلية وإقليمية في القتال، وقناعة العديد من الضباط والجنود بأنهم يدافعون عن نظام لا يهتم بهم.
بمرور الوقت، عادة ما تؤدي حالة الفرار والانهيار، والشعور بعدم جدوى القتال، إلى حدوث انهيارات إضافية، لتنتشر حالة من فقدان السيطرة والتحكم، لحين التجمع عند خط دفاعي منظم، أو تدخل أطراف صديقة لاستهداف المهاجمين لوقف عمليات المطاردة والتقدم، مما يعطي فرصة لتنظيم الصفوف وتجميع القوات المتبعثرة، وهذا ما يأمل النظام السوري بتحقيقه عند خط دفاعي بحماة، وبالتحديد عند بلدة قمحانة التي زارها رئيس أركان الجيش السوري في اليوم الخامس من المعركة، وبالتزامن مع طلب الدعم من موسكو وطهران وبغداد.
بيد أنه لا يصح عزو انهيار قوات النظام في حلب وإدلب لعوامل ذاتية تخص النظام وحلفاؤه فقط، إنما توجد عوامل أخرى تخص الطرف المهاجم، وهو المعارضة. فعقب انتهاء آخر حملة عسكرية للنظام على المناطق المحررة في 2020، بدأت عملية دراسة أسباب الانهيار الميداني وسط فصائل المعارضة خلال القتال، وبدأ العمل على تلافي المعوقات، ومن أبرزها ضعف القيادة والسيطرة، وتعدد مراكز صنع القرار العسكري. فعملت “غرفة عمليات الفتح المبين” التي تأسست عام 2019 على المزيد من تنسيق الأنشطة العسكرية بين الفصائل في إدلب، وتحجيم مستوى الفوضى والتضارب في التخطيط والأنشطة الميدانية.
كذلك بدأت عملية مأسسة وحوكمة العمل العسكري والأمني، عبر الاهتمام بتدشين كليات عسكرية وشرطية نظامية، تُعد لها مناهج تناسب الميدان السوري، مع التوجه نحو التصنيع العسكري المحلي، الذي يركز على التقنية، مما تجلى عند بدء المعركة في كتائب “شاهين” التي تستخدم سلاح الطائرات المسيرة بمنهجية احترافية، أتاحت للفصائل استهداف مروحيات تابعة للنظام في مطار النيرب بحلب، وقتل قائد الأمن العسكري في محافظة حماة، ومهاجمة مقرات حساسة ومعدات عسكرية وتجمعات لقوات النظام، مما أحدث حالة من الارتباك بين قواته.
فضلا عن التوسع في استخدام الأسلحة المزودة بمناظير حرارية ليلية، مما أتاح مواصلة العمليات القتالية ليلا بفاعلية، والاعتماد على المعلومات الاستخبارية في تنفيذ عمليات نوعية، كما في الهجوم الذي أدى إلى مقتل العميد كيومرث بورهاشمي قائد المستشارين العسكريين الإيرانيين في حلب.
تُظهر معركة “ردع العدوان” احترافية عالية لدى فصائل المعارضة اليوم مقارنة بحالة من الفوضى اتسمت بها أغلب معاركها السابقة، بل إن المعركة الحالية واكبتها عمليات نفسية تستهدف ضباط وجنود النظام عبر توزيع منشورات بالطائرات المسيرة وبيانات على وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل عبر الهواتف تدعوهم للانشقاق، بالإضافة إلى تقديم خطاب سياسي وإعلامي يطمئن الأقليات الدينية والطائفية على حياة أفرادها وممتلكاتهم، ويخاطب الدول الداعمة للنظام مثل روسيا بخطاب يبدي الاستعداد للتعاون فيما يخدم مصالح البلدين.
نتيجة لذلك، فإن زخم هجوم فصائل المعارضة، الذي لم يتوقف منذ انطلاقه، وضع قوات النظام تحت ضغط متواصل، ودفعها للفرار، فيما يحاول قادة الجيش تعزيز الخط الدفاعي عند حماة، مع انتظار وصول تعزيزات من العراق وإيران وروسيا. فيما تتواصل الغارات الجوية على المناطق المدنية في إدلب وحلب بهدف إلحاق خسائر بين السكان للضغط على المعارضين.
إن سوريا ليست كأي دولة من حيث الأهمية، إنما هي دولة إستراتيجية، ويوضح أهميتها سامي شرف، سكرتير الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر للمعلومات، في الجزء الأول من مذكراته قائلا: “وجهة نظر الإنجليز هي أن سوريا مفتاح المنطقة، ومصير الأردن ولبنان يتوقف على ما يحدث في سوريا”، كذلك فإن سوريا تمثل لروسيا نقطة تمركز وانطلاق للأنشطة العسكرية الروسية في البحر المتوسط وشمال أفريقيا وصولا إلى منطقة الساحل والصحراء، كما أنها تمثل لإيران رابطة العقد في الخط البري الواصل من إيران إلى لبنان، وانقطاعه يعني انكفاء إيران على نفسها، ولذا صرح السفير الإيراني في لبنان بأن “إيران وروسيا ومحور المقاومة لن يسمحوا بتكرار أحداث السنوات الماضية في سوريا، وأن طهران ستقدم الدعم اللازم لدمشق”، وهو ما شدد عليه لاحقا الرئيس الإيراني في اتصال مع بشار الأسد.
وكذلك فإن الحكومة العراقية قلقة من تداعيات صعود فصائل المعارضة السورية مجددا على الداخل العراقي، وانعكاساته على الطائفة السنية، فيما العديد من الدول العربية متوجسة من سردية انتصار فصائل “ثورية” مسلحة على نظام عربي، مما يعني ربما إلهام التجربة لآخرين في دول أخرى.
أما إسرائيل فتراقب عن كثب ما يحدث، فهي لا تريد استبدال النفوذ الإيراني بقوى أخرى إسلامية مسلحة، بينما واشنطن تتابع بدورها، فلها قوات على الأرض في مناطق سيطرة “قسد” التي اضطرت للانسحاب من عدة مناطق في حلب وبالأخص من تل رفعت تجنبا لتعرضها للحصار. وأخيرا، هناك تركيا التي تراقب بحذر، حيث جاء الهجوم في صالحها، ولكن بعد أن راهنت دون جدوى على مسار التطبيع مع نظام الأسد.
تشير المعطيات السابقة إلى وجود عدة أطراف لديها مصالح عميقة في بقاء نظام الأسد، وأخرى لديها مصالح في ألا تتقدم المعارضة أكثر من ذلك، ولذا فإن خيار التدخل لدعم قوات النظام وتنظيم صفوفه وشن هجوم مضاد يظل مرجحا، لكن ما حدث يؤكد أن هشاشة النظام عميقة، وأن المراهنة على انتصاره كانت وهما، وأن الشعوب التي تتمسك بحقوقها وتنتهز الفرص المتاحة وتطور من قدراتها لا يمكن القضاء على أملها، مهما طال الصراع، ومهما بلغت تكاليفه.