اليسار الإسرائيلي: ستسقط دولتنا سقوط طروادة
مثل كاساندرا، النبية الأسطورية التي عوقبت بسبب تحقق تنبؤاتها دون أن يصدقها أحد، ها هو اليسار الإسرائيلي أيضاً – الأقلية المضطهدة والمقموعة التي تتقلص صفوفها– عوقب بسبب قدرته على التنبؤ بشكل دقيق بخصوص المستقبل بدون أن يستجيب أحد لتحذيراته. كلما مر الوقت منذ 7 أكتوبر، يتبين أن جميع تنبؤات اليسار تحققت بالطريقة الأكثر تهديداً. لا أريد القول “قلنا لكم”، لكن إلى الجحيم، كم قلنا لكم. عندما قلنا بأن الطريقة التي تدير فيها إسرائيل الحرب في غزة، يتوقع أن تتدهور إلى حمام دماء، من جرائم حرب وقتل مدنيين، لاحقونا طوال الطريق. بعد سنة، عندما تراكمت الجثث والأعمال الفظيعة، وأصبحت إسرائيل في طريقها إلى العزلة الدولية، أدرك الكثيرون أننا غارقون في هاوية أخلاقية يصعب النجاة منها.
عندما قلنا إن الحرب لن تحقق أهدافنا العلنية، بل هي ثأر منفلت العقال وترميم لحكم نتنياهو، حاولوا إسكاتنا. منذ سنة وأكثر، والأهداف العلنية ما زالت بعيدة، ولكن الانتقام يصرخ ويصل إلى “لاهاي”، وعاد نتنياهو من بين الأموات بمساعدة بضع خطوات فاسدة قام بها مقربوه، المستعدون لحرق الدولة من أجل سعادة الرئيس.
عندما حذرنا من أن الضغط العسكري لن يؤدي إلى تحرير المخطوفين، وسيعرض حياتهم للخطر، فإن كل الأنواع من “المستيقظين” فضلوا السعي وراء الاستراتيجية الصبيانية لأشخاص مثل عضو الكنيست ألموغ كوهين، الذي عارض الصفقة بذريعة أنه “في اللحظة التي يجثو فيها العدو على ركبتيه، سيطلق سراح المخطوفين”. عشرات المخطوفين نجوا بفضل هذه الصفقة، وآخرون قتلوا منذ ذلك الحين لأن إسرائيل فضلت الثأر على المفاوضات.
عندما صرخنا بأن الحكومة تفشل صفقة أخرى للتبادل، أطلقوا علينا “كارهي إسرائيل”، وقالوا إن حماس هي المذنبة. للدهشة، نشرت القناة 12 أول أمس، مقالاً، يفيد بتفويت صفقة بسبب التوتر السياسي في الحكومة، وفي موازاة ذلك عرضت القناة 11 تقريراً وصف كيف اقتربت إسرائيل وحماس في تموز من عقد الصفقة، لكن سموتريتش وبن غفير هددا بإسقاط الحكومة، فقرر نتنياهو التصلب في مواقفه وتخلى عن المخطوفين. يتبين مرة تلو الأخرى أن ما يقوله اليسار الآن، ويتم عرضه كخيانة، ربما يصبح تحقيقاً إخبارياً مؤثراً، ولكن بعد فوات الأوان.
عندما حذرنا من أن اليمين المسيحاني يستغل، بدعم جهات رفيعة في الحكومة والجيش، الحرب للمضي بخطة خيالية تتمثل باستئناف الاستيطان في غزة، هزئوا بنا وقالوا إننا أشخاص مصابون بالهستيريا. الآن، الحمد لله، هناك مستوطنون ينتظرون على حدود القطاع، والجيش يقوم “بتطهير” مناطق وينشئ بنى تحتية، وأمس في برنامج وقت حقيقي” قالت دانييلا فايس بعيون لامعة إنه “تحدث هنا معجزة” وشرحت كيف أصبح الحلم الخيالي واقعاً على الأرض.
في الحقيقة، لماذا نبدأ بـ 7 أكتوبر. فمنذ سنوات واليسار يحذر من أن محاولات “إدارة النزاع” وإخفاء الفلسطينيين والاحتلال، كلها ستنفجر في وجوهنا بصورة مخيفة. وقلنا إن قانونين منفصلين هما أبرتهايد، وإن العنف المستخدم لقمع الاحتجاج في “المناطق” [الضفة الغربية] ستنزلق تدريجياً إلى الخط الأخضر، وإن الجيش أصبح شركة حماية لمبادرات المستوطنين الهستيرية، وإن المستوطنين أصبحوا كتائب مسلحة، وإن حكومة “اليمين المطلقة” ستجلب الموت والدمار، وهذا ما حدث.
كاساندرا تنبأت بسقوط مدينتها طروادة، كما تنبأ اليسار بانهيار إسرائيل، وأن الاحتلال سينتشر فيها كالعفن وسيفسدها من الداخل. وعندما احتفل رجال طروادة باختطاف هيلين، غضبت كاساندرا وحزنت لأنها عرفت أن حماسة الانتقام الأعمى ستؤدي إلى خراب وطنها. على الأقل، لم يتم اتهام كاساندرا أو مطاردتها عندما بانت صحة تنبؤاتها.