أخبار عربيةالأخبار

غضب من البيانات المألوفة في قمة الرياض

في الرياض على مرمى حجرين من غزة، عقدت القمة العربية الإسلامية غير العادية، وسط مناخ إقليمي مشحون على وقع حرب مدمرة في القطاع، وأخرى تشابهها في لبنان، بالتزامن مع توتر متصاعد مع إيران، وصواريخ وطائرات مسيرة من اليمن والعراق تجاه الأراضي المحتلة.

تزامنت القمة العربية مع اتساع بركة الدم في غزة، وانعدام أفق الحل في لبنان، وفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، كل تلك المستجدات جعلت القمة غير عادية، أكثر من دلالات صفتها الرسمية، فهل جاءت بما تأمل به الشعوب؟

بين الإدانة والاستنكار

لم تخرج بيانات الزعماء العرب والمسلمين عن السياق الروتيني المألوف من بيانات الإدانة والاستنكار، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الحرب.

ودعت القمة مجلس الأمن الدولي بقرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزة، كما طالبت بحظر تصدير أو نقل الأسلحة إلى دولة الاحتلال، التي اتهمتها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، مؤكدة أن لا سلام مع الاحتلال قبل انسحابه إلى حدود 1967.

وندد القادة بالجرائم المروعة والصادمة” التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة “في سياق جريمة الإبادة الجماعية” بحق الفلسطينيين، مشيرين إلى “المقابر الجماعية، وجريمة التعذيب والإعدام الميداني، والإخفاء القسري، والنهب، والتطهير العرقي”، خصوصا شمال القطاع.

وحتت البيان الختامي على “توفير كافة أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والحماية الدولية للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوليها مسؤولياتها بشكل فعال على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها قطاع غزة، وتوحيده مع الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس”.

وأكد البيان على سيادة دولة فلسطين الكاملة على القدس الشرقية المحتلة، عاصمة فلسطين الأبدية”، مضيفا أن المسجد الأقصى “خط أحمر”.

من جانبه، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إن لجنة ثلاثية مشكلة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي ستتحرك دبلوماسيا في مسعى لوقف الحرب في غزة ولبنان.

وتعليقا على البيان الختامي، يقول الكاتب والباحث السياسي نظير الكندوري، إن خلاصته تراوحت ما بين الإدانة والرفض والاستنكار لكل جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري. لكن خلاصتها لا تختلف عن القمة التي سبقتها قبل سنة إلا بأمر واحد فقط، وهو أن سلسلة الإدانات والاستنكارات والرفض كانت أطول من القمة السابقة، نظرًا لزيادة الجرائم الإسرائيلية طيلة السنة الفائتة، واتساع نطاقها لتشمل دولا أخرى غير فلسطين المحتلة.

وأضاف: ليس مؤملًا من هذه القمة أن تحدث فارقًا حقيقيًا ونوعيًا في إيقاف الجرائم الإسرائيلية وردع دولة الاحتلال، كما فشلت سابقتها في تحقيق ذلك.

قمة مشابهة

لم تختلف مخرجات القمة الأخيرة عن تلك التي سبقتها العام الماضي بداية العدوان، دعوات وبيانات إدانة ومطالبات بالتحرك، حينها دعا مشروع القرار في القمة العربية الإسلامية إلى “كسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري”.

وحث على عقد مؤتمر دولي للسلام، في أقرب وقت ممكن، تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ضمن إطار زمني مُحدد وبضمانات دولية.

وعقب كل قمة عربية، يظهر السؤال المتكرر: ماذا نتج عنها؟ وهل هناك متابعة لتنفيذ القرارات إن وجدت؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، انتقد رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، تأخر تشكيل اللجنة التي قررت القمة العربية الإسلامية حينها تشكيلها بهدف متابعة العدوان الإسرائيلي على غزة.

وكتب على حسابه في منصة إكس (تويتر سابقا): “أتذكر أن القمة العربية الإسلامية الأخيرة قررت تشكيل لجنة لمتابعة الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والتحرك لإيجاد حل عاجل يوقف المآسي الدموية والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة”.

وتابع متسائلا: وبعد مرور أسبوع على انعقاد القمة، فإني أتساءل ما إذا كانت اللجنة المقترحة قد قررت تشكيلتها وسير وجدول أعمالها، أم إنها ما زالت تتداول في ذلك؟

ومع هذه القمة، أعيد ذات السؤال، فيجيب عليه الكندوري قائلا: “هذه الدول المجتمعة في الرياض، لو امتلكت الإرادة الحقيقية لردع العدوان الإسرائيلي وإيقاف جرائمه، لكانت فعلت ذلك من وقت طويل، بالرغم من امتلاكها لقدرات يجعلها قادرة على فعل ذلك، لكن لا تمتلك تلك الإرادة، بل إن بعض الدول المشاركة بهذه القمة ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بدعم العدوان والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا في فلسطين أو لبنان”.

انفصال عن الشعوب

وتصدرت القمة العربية الإسلامية وبيانها الختامي حديث رواد مواقع التواصل، حيث رآها كثيرون لا تلبي أدنى احتياجات المرحلة، ولم ترتق لحجم الحرب الدائرة في المنطقة، والتي قد تمتد لدول أخرى.

وعن تأثير ذلك على العلاقة بين القرار الرسمي العربي والمزاج الشعبي، يؤكد الكندوري أن “هذا الموقف الرسمي الضعيف للدول العربية والإسلامية سيبني حاجزا سميكا بينها وبين شعوبها، لأن سياساتهم وقراراتهم لا تمثل شعوبهم التي تتوقف إلى موقف حقيقي يكون ضاغطا على دولة الاحتلال لإنهاء عدوانها وتحمل مسؤولية جرائمها”.

وتابع: ليس مستبعدًا أن هذه الشعوب التي بدأت تشعر باليأس من حكوماتها وثبت لها بالدليل على تواطئ بعضها مع الاحتلال، أن تقوم بعمليات رفض لأنظمتها، تتجاوز الأساليب السلمية، لأن معظم الأنظمة لا تبيح لشعوبها التعبير السلمي عن توجهاتها، فليس مستغربًا إذا ما جنحت هذه الشعوب لاستخدام العنف لحمل أنظمتها على اتخاذ مواقف تتناسب مع الحدث الجلل الذي يحدث في فلسطين ولبنان، وهنا تكمن الخطورة، حينما تضطر الشعوب لاستخدام العنف لإجبار أنظمتها على مراعاة الثوابت التي تؤمن بها.

مفارقات القمة

حملت قمة الرياض جملة مفارقات لفتت أنظار ناشطين وكتاب، حيث لم يعد مستغربا حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى القمة، إلا أن حديثه عن العدوان وجرائم الاحتلال في غزة أثار غضب الكثير من السوريين، خصوصا أن الأسد يتهم بقتل عشرات الآلاف من المدنيين، والتسبب بالمأساة السورية المستمرة، هذا فضلا عن صمت النظام تجاه العدوان الإسرائيلي على سوريا الذي بات شبه يومي.

ومن زاوية أخرى كان لحضور الأسد ووصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إيران بـ”الشقيقة” مدار حديث في مواقع التواصل، حيث تحدث مدونون عن تناقض المواقف العربية، فمن جهة شيطنت بعض الدول العربية حركة حماس وصنفتها على قوائم الإرهاب بسبب علاقتها بإيران، التي توصف اليوم بـ”الشقيقة” ومن ولي العهد السعودي ذاته.

الأمر الأكثر غرابة -وفق الباحث السياسي العراقي نظير الكندوري- كان إصرار القمة على “حل الدولتين” والانسحاب حتى حدود 1967.

وعن ذلك يقول، إن الأمر المستغرب أن البيان الختامي ربط السلام في المنطقة بموافقة “إسرائيل” على حل الدولتين وانسحاب الاحتلال إلى حدود 1967، وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وكأن بيدهم قرار الحرب والسلم مع “إسرائيل”.

وأضاف أنه في الوقت الذي تطالب هذه الدول بحل الدولتين، تقوم “إسرائيل” بتوسيع خططها للتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية وغير الفلسطينية، وبالتزامن مع مطالبتهم بإدانة “إسرائيل” وتجميد عضويتها في الأمم المتحدة، تقوم الدولة التي استضافت القمة في عاصمتها، بالتفاوض مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، لإعلان التطبيع مع “إسرائيل”، ناهيك عن عدد كبير من الدول المشاركة بالقمة، لديها إما اتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال أو تطبيع علني أو سري معها، هل يعتقدون أن الناس في غفلة عن هذا؟ أم إنهم يضحكون على ذقون شعوبهم؟

وأشار إلى أن الأمر الأعجب من ذلك، هو إن “إسرائيل” التي اجتمع هؤلاء الزعماء لإدانتها، يسخر إعلامها ويستهزئ من المجتمعين في القمة ومن مقررات القمة، لعلمهم أن هؤلاء الزعماء غير قادرين على تنفيذها ولو بحدها الأدنى.

بدوره يقول الباحث والكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة، إن المفارقة كانت عجيبة وصارت عادية، نتنياهو يحلم باستغلال ولاية ترامب لضمّ الضفة الغربية، أو أجزاء منها، كمقدّمة للضمّ النهائي والتهجير، فيما يواصل بعض العرب اللهاث وراء وهْم حلّ الدولتين.

وأضاف في منشور على منصة “إكس”، أن تلك مطاردة تريحهم، وفي مقدّمتهم سلطة عباس، من الأسئلة المُترتّبة على الاعتراف بالحقيقة، الأخير باقٍ على نهجه، ولو تركوا له بضعة كيلو مترات من حول المقاطعة في رام الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى