علاقة كوريا الشمالية وروسيا أكثر بكثير من مجرد مصلحة
يرى سيجفرايد هيكر الأستاذ بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية التابع لجامعة مونتيري الأمريكية أن العلاقات المزدهرة بين كوريا الشمالية وروسيا أكثر بكثير من مجرد زواج مصلحة ناجم عن حرب روسيا في أوكرانيا. فقبل الحرب كانت كوريا الشمالية بالفعل قد أجرت تحولا استراتيجيا تجاه روسيا، حيث تخلت عن هدفها الساعي إلى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.
ورحبت روسيا بدعم كوريا الشمالية السياسي للحرب وسرعان ما استفادت من إمدادات الذخيرة والصواريخ الباليستية. ونظرا لأنه على المدى الطويل لن يكون لدى أي من الطرفين ما يريده الطرف الآخر بشدة، فإن التحالف بينهما قد يكون محكوما عليه في نهاية المطاف بالذبول. ومع ذلك، فإنه في الوقت الحالي يؤدي التحالف إلى مزيد من الدمار في أوكرانيا ويهدد بتأجيج تصعيد الأعمال القتالية في شبه الجزيرة الكورية.
وأوضح هيكر في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أن الرئيس الكوري كيم جونج اون اتجه إلى روسيا قبل غزوها لأوكرانيا. فبعد القمة الفاشلة مع الرئيس السابق ترامب في هانوي في فبراير/ شباط 2015، قام كيم جونج أون بمراجعة وإعادة صياغة السياسيات الأمنية لكوريا الشمالية.
وبحلول عام 2021، خلص كيم إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح لبلاده أو لنظامه بالبقاء. وتخلى عن السياسة التي دامت 30 عاما والتي صاغها كيم إل-سونج وواصلها كيم جونج- إل لتطبيع العلاقات مع واشنطن كعازل ضد الصين وروسيا. وبعد أن اقتنع كيم بأن الولايات المتحدة في حالة تدهور، اختار مرة أخرى الانضمام إلى الصين وروسيا في معارضتهما للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وهذا التحول الأساسي في السياسة تم قبل غزو روسيا لأوكرانيا. وكان كيم على استعداد لدعم روسيا سياسيا وماديا بمجرد بدء الحرب. وفي خلال العامين الماضيين زودت كوريا الشمالية روسيا بصواريخ باليستية وبأكثر من عشرة آلاف حاوية عسكرية التي ربما كانت تحمل الملايين من الذخيرة. وهذه الإمدادات لم تؤدى فقط إلى المساعدة في نجاح روسيا في أوكرانيا، ولكنها وفرت أرض اختبار لانتاج كوريا الشمالية من الذخيرة والصواريخ، وربما اختبار أيضا لأطقم الصواريخ. وبحلول يوليو/ تموز 2023، كانت هناك بالفعل دلائل على أن هناك توترا بين بيونج يانج وبكين بسبب اتجاه كوريا الشمالية نحو روسيا. فالصين لا تحبذ دعم بيونج يانج لحرب روسيا في أوكرانيا ببرنامجها النووي والصاروخي المتسارع بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الصينية تنتقد بصورة روتينية واشنطن بسبب زيادة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، من الشائع الآن تلميح بكين بأن كوريا الشمالية ترتكب أخطاء بنفس القدر. وأوضحت بيونج يانج تماما تفضيلها لروسيا. وتعكس رسائل كيم جونج أون إلى بوتين وشي جين بينج ذلك.
و وليس معروفا سوى قدر ضئيل عما تقدمه روسيا لكوريا الشمالية في مقابل مساعداتها العسكرية. وتشير رحلات الطائرات العسكرية الروسية إلى كوريا الشمالية إلى أن هناك تواصلا مستمرا في مجال المعرفة الفنية. وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية أصبحت تمتلك ترسانة نووية تنطوي على تهديد، فإنها ما زالت تعاني من فجوات كبيرة في إمكانياتها . وعلى سبيل المثال، تمتلك كوريا مخزونا محدودا من البلوتونيوم والتريتيوم، وهو الوقود المطلوب لانتاج القنابل الهيدروجينية الحديثة. وفي حقيقة الأمر يعتبر تطوير كوريا الشمالية وتصغيرها لحجم رؤوسها الحربية محدودا، حيث أجرت ستة اختبارات نووية فقط حتى الآن، بالمقارنة بـ 1054 اختبارا اجرتها الولايات المتحدة، و 715 اختبارا أجرتها روسيا، و 45 اختبارا اجرتها الصين.
ويقول هيكر إن القلق يكمن في إمكانية أن تساعد روسيا كوريا الشمالية سريعا في سد ما تعاني منه من فجوات. ومثل هذه المساعدة سوف تمثل انتهاكا لالتزامات روسيا بالنسبة لمعاهدة حظر الانتشار النووي. يذكر أنه قبل ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 وغزو أوكرانيا عام 2022، كان الاتحاد السوفيتي/ روسيا دولة مسؤولة فيما يتعلق بالمعاهدة، وعضو داعم للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولسوء الحظ، فإن روسيا بغزوها لأوكرانيا، أصبحت دولة مارقة.
فقد هددت باستخدام الأسلحة النووية قي أوكرانيا والدول المحيطة. وانتهكت الضمانات الأمنية لحظر الانتشار النووي التي قدمتها لأوكرانيا عندما وقعت مذكرة بودابست عام 1994 باحترام سيادة أوكرانيا مقابل إعادة الأسلحة النووية المتبقية من العهد السوفيتي إلى موسكو. وارتكبت إرهاب الدولة النووي عندما انتهكت منطقة استبعاد حادث تشيرنوبيل النووي واحتلالها للمحطات النووية في زابوريجيا تحت تهديد السلاح.
ويمكن القول إن روسيا تحولت إلى دولة نووية غير مسؤولة لم يعد من الممكن لبقية دول العالم الاعتماد غليها لتعزيز معايير حظر الانتشار النووي. وذلك هو القلق الأساسي على المدى القريب بالنسبة للعلاقة الجديدة بين روسيا وكوريا الشمالية.