مقتل السنوار حرم الاستخبارات الإسرائيلية وتكنولوجيا أمريكا من فرصة التعويض عن إخفاقها
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده جوليان بورغر، قال فيه إن إسرائيل تخلصت من أحد أهم أهدافها، ولكن موت يحيى السنوار كان بالصدفة وبدون تخطيط دقيق.
وبعد عام من الحرب، واجه الجنود الإسرائيليون زعيمَ حماس بدون أن يعرفوا هويته. وفي النهاية، وبعد عام طويل وملاحقة شاركت فيها عدة وكالات استخبارات، واستخدام أحدث التكنولوجيا وقوى نخبة إسرائيلية وبمساعدة أمريكية، قُتل السنوار في معركة مع جنود نظاميين واجهوه ولم يعرفوا مَن كانوا يقاتلون.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فلم تحدث عملية اغتيال، ولم تكن هناك عملية قائمة على معلومات أمنية دقيقة عن وجود زعيم حماس المراوغ في المنطقة. ولم يعرف الجنود أن السنوار قُتل إلا بعد إلقائهم نظرة فاحصة على وجهه، وعثورهم على وثائق هوية معه، واكتشفوا أنه السنوار المطلوب الأول لإسرائيل.
وقال بورغر إن الجيش الإسرائيلي سحق معظم غزة وهو يبحث عن السنوار، حيث قتل أكثر من 42,000 فلسطيني وهجّر أكثر من مليوني نسمة من بيوتهم وخلق كارثة إنسانية. ولم يُرَ السنوار في العلن إلا بعد أيام من الهجمات التي نفذتها حماس ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقابل السنوار الأسرى الإسرائيليين وتحدث إليهم بلغة عبرية طليقة تعلمها وهو في السجن الذي قضى فيه أكثر من عقدين، وأكد لهم بأنهم آمنون وسيتم تبادلهم بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ويشير بورغر إلى مشاهدة أخرى وردت في صور فيديو التقطتها كاميرا أمنية داخل نفق في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وقال بورغر إن عملية ملاحقة السنوار استخدمت مزيجا من التكنولوجيا المتقدمة والقوة الغاشمة، حيث استخدم مَن لاحقوه كل شيء ولم يبالوا بالدمار وقتل أعداد كبيرة من المدنيين. وكانت الفرق التي تلاحقه هي قوات أمنية متخصصة بالمهام الخاصة في الجيش الإسرائيلي، ومن وحدات المهندسين وخبراء الرقابة وتحت مظلة “وكالة الاستخبارات الإسرائيلية” أو الشاباك. وكانت هذه المجموعة تبحث على المستوى المؤسساتي والشخصي عن فرصة للتعويض عن الإخفاقات الأمنية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ورغم دوافعهم هذه إلا أنهم واجهوا عاما من الإحباط.
ونقلت الصحيفة عن مايكل ميليشتين، مدير الشؤون الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) قوله: “لو أخبرتني عندما بدأت الحرب أنه سيظل على قيد الحياة بعد عام فسأجد هذا مثيرا للدهشة” ولكن تذكر أن السنوار قد خطط لهذا الهجوم منذ عقد من الزمان، وفوجئ الجيش الإسرائيلي بحجم الأنفاق تحت غزة وطولها والتقنية العالية لها.
واعتقد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أن السنوار سيكون محاطا بالأسرى كدروع بشرية، مع أن البعض قلل من إمكانية حدوث هذا، لأنه سيبطئه ومرافقيه. ورغم المخاطر على حياتهم، لم يتورع الجيش الإسرائيلي عن استخدام قنابل زنة الواحدة منها 2,000 رطل في البحث عنه، وفي النهاية كان السنوار برفقة رجلين.
ويعلق بورغر أن الملاحقين لزعيم حماس لم تنقصهم الخبرات، فالقتل المستهدف هو التكتيك الذي استخدمته إسرائيل منذ إنشائها. ومنذ الحرب العالمية الثانية، اغتالت إسرائيل أشخاصا أكثر من أي دولة في الغرب. وأشار الكاتب إلى أن القسم الخاص في فيلق الهندسة بالجيش الإسرائيلي واسمه “يهالوم” لديه خبرة في حرب الأنفاق أكثر من أي جيش في الغرب، كما يستطيع الحصول على أحدث الأجهزة الاستخباراتية من الولايات المتحدة، بما فيها الرادارات الخارقة للأرض. وتعتبر وحدة الإشارات الإستخبارات السرية 8200 رائدة في الحروب الإلكترونية، وقادرة على اختراق والتنصت على اتصالات حماس، وهو ما تفعله منذ عقود.
وفقد جهاز “الشاباك” العديد من “عملائه” في غزة بعد انسحاب إسرائيل من القطاع في عام 2005، لكنه عمل جاهدا على إعادة بناء شبكة عملاء بعد الغزو البري في تشرين الأول/ أكتوبر، حيث قام بتجنيد عدد منهم أثناء موجات النزوح داخل غزة.
وعلى الرغم من هذه القدرات الهائلة، إلا أن إسرائيل اقتربت من القبض على السنوار مرة واحدة في نهاية كانون الثاني/ يناير في مسقط رأسه بخان يونس. وزعمت إسرائيل أنه غادر المكان على عجل وخلف وراءه وثائق ومليون شيكل، مع أن حماس قالت إن السنوار ترك المكان قبل عدة أيام من وصول القوات الإسرائيلية إلى الملجأ.
وكان الملاحقون للسنوار يفترضون أنه لم يعد يستخدم الأجهزة الإلكترونية، ويعرف القدرات التكنولوجية لدى عدوه، فهو لم يتعلم العبرية فقط، بل عادات وثقافة العدو. ويعلق ميليشتين: “في الحقيقة يفهم الغرائز الأساسية والمشاعر العميقة للمجتمع الإسرائيلي”، مضيفا: أنا متأكد من أي خطوة كان يعملها تقوم على فهمه لإسرائيل.
وواصل السنوار، طوال العام الذي قضاه مختبئا، التواصل مع العالم الخارجي، وإن كان ذلك بصعوبة واضحة. وكثيرا ما توقفت المفاوضات الطويلة غير المثمرة بشأن وقف إطلاق النار في القاهرة والدوحة، بينما كانت الرسائل ترسل من وإلى القائد المختبئ، كما افترض أعداؤه في نفق. وكانت النظرية السائدة هي أن السنوار يستخدم سعاة للبقاء في القيادة المكونة من حلقة صغيرة ومتقلصة من المساعدين الذين يثق بهم، بدءا من شقيقه محمد، وهو قائد عسكري كبير في غزة. وقد راهن الفريق الذي يلاحق السنوار على أن تقوده حاجته للتحكم بالمفاوضات حول الأسرى إلى استخدام سعاة بنفس الطريقة التي استخدم فيها أسامة بن لادن، زعيم القاعدة سعاة وهو في عرينه بأبوت أباد.
ويعتقد أن شخصا قاد الإسرائيليين إلى محمد الضيف ومرافقه رافع عيسى عندما خرجا إلى خيمة في المواصي، حيث شنت إسرائيل غارة جوية قتلت فيها عشرات الفلسطينيين. إلا أن حماس تؤكد أن الضيف لم يمت ولا يزال يواصل عمله، وهو لم يظهر منذ الهجمات العام الماضي.
ويشير الكاتب إلى أن قادة في الأمن الإسرائيلي اعتقدوا أنهم خسروا فرصة عام 2003 لقتل كامل القيادة في حماس التي كانت مجتمعة. وبعد نقاش داخل الجيش بضرورة استخدام صاروخ دقيق بدلا من هدم كامل المبنى، قامت طائرة بضرب الاجتماع ولكنها ضربت الغرفة الخطأ، ونجت قيادة حماس. ولكن في الغارة لقتل الضيف لم يهتم الجيش بالمدنيين. ففي عملية الاستهداف استخدمت إسرائيل قنابل زنة الواحدة منها 2,000 رطل، وهي نفس القنابل التي توقفت إدارة بايدن عن إرسالها لإسرائيل في أيار/ مايو.
ويقول الكاتب إن الكثير من النظريات التي نشرت منذ العام الماضي عن محاولة التفاوض على خروج السنوار إلى المنفى، وأنه يقيم في نفق على الجانب الجانب المصري من الحدود مع غزة، كلها قللت من إيمان السنوار وحماسه الأيديولوجي الذي صعد في صفوف حماس من خلال ملاحقته للعملاء ومحاولته اختطاف الجنود الإسرائيليين.
وتوقع ميليشتين أن يظل السنوار في غزة “فهذا جزء من حمضه النووي والقتال حتى الموت. ويفضل الموت في مخبئه”. وفي حالة السنوار حصل على ما تمنى، وكانت وفاته محتومة بسبب إصراره على القتال حتى الموت وتصميم عدوه على ملاحقته. وإذا فشلت الملاحقة المزودة بالتكنولوجيا في العثور عليه، فقد فضلت إسرائيل تدمير كل غزة حتى يُقتل في النهاية.
والسؤال إن كان رحيله سيوقف الحرب. ويرى مدير الموساد السابق رام بن باراك، أن رحيل السنوار يعني ظهور شخص آخر محله، و”هذه حرب أيديولوجية وليست حول السنوار”. ويقول ميليشتين: “بعد 50 عاما من الاغتيالات، أدركنا أن هذا هو جزء رئيسي من اللعبة. وفي بعض الأحيان، يكون من الضروري اغتيال زعيم بارز. ولكن عندما تبدأ في الاعتقاد بأن ذلك سيغير قواعد اللعبة وأن منظمة أيديولوجية سوف تنهار لأنك قتلت أحد قادتها، فهذا خطأ فادح”. ولا تستطيع العيش في فتنازيا، فالحرب لن تنتهي.