لا تجعلوا من جنودنا بطات تدريب في محور الموت
الانشغال بمحور فيلادلفيا ذكرني بما نسيناه. الزمن أيار 2004، حين كنت مستشاراً لشمعون بيرس، رئيس المعارضة في حينه، ومنذئذ حدث جدال كبير حول محور فيلادلفيا. لأصحاب الذاكرة القصيرة، أذكر: فيلادلفيا قبل فك الارتباط كان محور موت. في بعض الأماكن كان عرض المنطقة التي سيطرنا عليها عشرة أمتار بين منازل رفح والحدود، ما جعل الجنود الذين استولوا على المحور بطات في ميدان تدريب إطلاق النار.
في كل المداولات المسبقة عن الحاجة للخروج من غزة في فترة ما قبل تنفيذ فك الارتباط، كانت أمام ناظر المتداولين الصورة إياها التي سميت بوحشية لفظية “صورة المنقبين” – وكان يظهر فيها جنود يجثمون على ركبهم يفتشون ويجمعون أشلاء رفاقهم الذين قتلوا بانفجار المجنزرات على نزلائها وهم يتحركون على المحور، الحدث الذي أصبح صدمة وطنية. أتذكر بأن آخر محاولة لمعالجة المحور بجدية كانت في حملة “قوس في السحاب” عام 2004، التي أوقفت دون تحقيق أهدافها ودون ضمان المحور في إطارها.
هناك من يدعون بأن ظروف المنطقة تغيرت. بيوت مجاورة للمحور سويت بالأرض، وبات صعباً تنفيذ هجوم قريب على الدوريات الإسرائيلية على المحور. وأقول لمن يدعون ذلك، إن الأسلحة التي لدى حماس هي الأخرى رفعت مستواها وتحسنت، والمسافة من أماكن الاختباء عن المحور لم تعد ذات مغزى هدام مثلما كانت. فأدوات الإبادة تحسنت بقدر كبير بتمويل من تلك الحقائب المالية التي سمحت بها حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو، وانتقلت إلى رؤوس أفعى حماس: محمد ضيف، ويحيى السنوار الذي سيحل يومه هو الآخر. تهريب السلاح والذخيرة من سيناء إلى القطاع ازدهر بتعاون الجنود المصريين وحكومة إسرائيل. إن سيطرة عسكرية إسرائيلية على فيلادلفيا لن توقف تهريب السلاح إلى القطاع عبر الأنفاق التي كان على إسرائيل منع حفرها منذ بداية الطريق.
دوريات لمجنزرات النمر على المحور ستصبح مع الزمن بطات في ميدان تدريب النار والمشاهد الفظيعة لجمع أشلاء المقاتلين ستكرر نفسها.
رئيس الوزراء في حينه أرئيل شارون، الذي كان يفهم شيئاً ما في الأمن (ليس أقل من رئيس الوزراء الحالي) حسم تنفيذ فك الارتباط وأمر بإخلاء قوات الجيش الإسرائيلي من محور الموت.
عندما يكون الحسم موضع البحث هذه الأيام بين إبقاء الجيش الإسرائيلي في محور الموت (فيلادلفيا) وبين تحرير مواطنين مخطوفين أحياء، يخيل لي أن القرار واضح. يجب معالجة تهريب السلاح بأساليب إبداعية وذكية تمنع تسلل السلاح المتطور إلى القطاع.
بالمناسبة، إذا قرر رئيس الوزراء تغيير رأيه، ووقف حقائب المال لحماس، سيكون في ذلك مساهمة هائلة لمنع تسلح حماس بسلاح حديث.