لبلينكن: لا نريد حرباً.. بل إبادة جماعية
بضع ساعات فقط فصلت بين لقاء أنتوني بلينكن مع نتنياهو في القدس وبين خطاب انفعالي ومثير للانطباع للرئيس الأمريكي بايدن، في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو. لكن المسافة بين الأمور التي يتوق إليها بايدن وبين استسلام وزير خارجيته، لا يمكن تخيلها.
وقف الرئيس الأمريكي في شيكاغو وضرب بشدة وإقناع على الطاولة وقال بانفعال لا يميزه: “يجب التوصل إلى إنهاء الحرب، وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة”. ولكن قبل بضع ساعات من ذلك، عمل بلينكن بشكل مختلف بالضبط: تساوق مع نتنياهو، هذا الوسيط غير النزيه، وتسبب في استمرار الحرب، وتواصل فظائع غزة ولن يكون هناك اتفاق لوقف إطلاق النار أو صفقة لتحرير المخطوفين. الخضوع الأمريكي لنتنياهو أدى إلى ذلك. المسافة بين خطاب بايدن ودبلوماسية بلينكن لم يكن بالإمكان أن تكون أكبر وأكثر إيلاماً، ليس لأن بلينكن غير شريك في أهداف بايدن السامية، بل لأن ما حدث أثناء زيارته هنا لا يقل غرابة. فقد قالت إسرائيل ما يجب أن تكون عليه خطة الاتفاق بالنسبة لها، واتفقت معها الولايات المتحدة للقول بأن إسرائيل وافقت، ولكي يكون بالإمكان اتهام حماس وضمان الهدوء حتى موعد انتخابات الولايات المتحدة.
لم يمر سوى يومين حتى استبدلت غمامة التفاؤل التي نثرتها الولايات المتحدة، بأنباء عن انهيار المفاوضات. ربما أرادت أمريكا الاتفاق، لكنها فعلت كل ما في استطاعتها كي لا يتحقق. ففي الوقت الذي كان فيه الاتفاق عالقاً في حلقها، لم يخطر ببالها أن تمارس الضغط الحقيقي على إسرائيل، بالأفعال وليس بالأقوال.
مرة أخرى، يطرح السؤال الخالد تقريباً، الذي لا إجابة له: ما الذي يحدث هنا؟ ما هو تفسير سلوك الولايات المتحدة المثير للدهشة؟ من هي الدولة العظمى هنا ومن هي الدولة المحمية؟
إما أن أمريكا لا تريد الحرب في غزة، وهي مصدومة من الكارثة فيها، وفي هذه الحالة هي تعرف ما يجب فعله وكيف يمكنها الضغط على إسرائيل بالأفعال، أو أنها تريد الحرب. حسب سلوكها، أمريكا تريد الحرب وتريد الإبادة الجماعية. أيديها أصبحت ملطخة بالدماء في غزة، اليد يد إسرائيل، أما السلاح والدعم الدبلوماسي غير المقيد ولا المشروط فهو أمريكي.
بايدن ينهي ولايته بشكل مؤثر، وسيتم تذكره كشخص يحب الخير. ويمكنه التفاخر بسلسلة إنجازات، ولكن الحرب في القطاع ليست واحدة منها. هذه الحرب ستذكر في غير صالحه إلى الأبد. كان يمكنه وقفها منذ فترة طويلة، ولكنه لم يفعل، والآن حيث كل شيء أصبح ميؤوساً منه، يسمح لوزير خارجيته أنتوني بلينكن، بالخضوع لطلبات نتنياهو.
من يعارض الحرب لا يسلح أحد طرفيها. من يريد وقف الحرب الخطيرة وغير المبررة يقوم يقطع السلاح، أو على الأقل يشترطه بخطوات تؤدي إلى وقفها. من يريد وقف الحرب لا يستخدم الفيتو دفاعاً عمن يريد استمرارها إلى الأبد. أما من يسلح ويحمي فهو يريد استمرار الحرب. أقوال بايدن المؤثرة، التي بالتأكيد كانت صادقة، ليست سوى قشرة ثوم عندما تكون هذه هي سياسة إدارته في التسليح والمساعدة.
كان على بلينكن التمسك بحزم بالخطة الأصلية. الخطة الحالية، حسب ما نشر، تسمح لإسرائيل باستئناف القتال بعد هدنة قصيرة، بدون إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين حسب ما تراه مناسباً، والأهم أنها لا تخرج الجيش الإسرائيلي من القطاع. لا يوجد اتفاق بدون ذلك كله. ولا يمكن مطالبة حماس بالموافقة على ذلك. لا يوقفون الحرب بشروط كهذه، بل يؤججونها. هذا الأمر مسجل على اسمك، سيدي الرئيس، لقد خنت القيم السامية التي بالتأكيد تؤمن بها.