مغاربة يتسلحون بمقاطعة الدجاج لمواجهة حرب الأسعار
قرر عدد من المغاربة التسلح بـ “المقاطعة” لمواجهة حرب المضاربين والمحتكرين الذين ألهبوا الأسواق بأسعار تجاوزت سقف الممكن بالنسبة للأسر المغربية، وآخرها الارتفاع الذي وصف بـ “الصاروخي” لأثمنة الدجاج والبيض، والذي بلغ مستويات قياسية قاربت 30 درهما (3 دولارات) للكيلوغرام الواحد.
وابتكر المغاربة لأجل هذه الخطوة شعار “خليه يقاقي” يعني دعه ينقنق، وهو ما اعتمد في السابق من الدعوات التي وجهت على منصات التواصل الاجتماعي بهدف دفع الأسواق إلى التراجع عن الأثمنة التي اعتبرها أحد المواطنين “خيالية”، فيما وصفها آخر مولع بكرة القدم بأنها “ضربة مقص” في مرمى الأسر، أما الثالث فقد أكد أنها ضرب من تحت الحزام للقدرة الشرائية للمواطنين.
خبير الاقتصاد الاجتماعي، عبد العزيز الرماني، أكد أن الغلاء الذي تعرفه أسعار اللحوم بصفة عامة بيضاء وحمراء وحتى زرقاء، أولا هو غلاء عام أسبابه متعددة بعيدا عن التضخم والمشاكل الأخرى.
وأوضح أن أحد أسباب الغلاء الملتهب للحوم البيضاء، جاء في فترة الصيف، وعادة هناك مسألة كثرة الطلب من قلته، وتحضر هنا المناسبات الفصلية خاصة في هذا الفصل حيث تكثر الأعراس ناهيك عن السياحة، لكنه يستطرد بالقول إن العامل الآخر يتمثل في نفوق الدجاج بحكم الحرارة المرتفعة أحيانا وأيضا المناطق الحارة التي عادة يتوفر فيها الدجاج بكثرة”، ويتابع المتحدث توضيحاته أن “هذا المعطى مع كثرة الطلب وقلة العرض يجعل من الطبيعي ارتفاع الأسعار.
وبالنسبة للإعلامي المتخصص في الاقتصاد الاجتماعي، فإن ذلك الغلاء كان لا يتجاوز سقف 15 أو 16 درهما (1.54 أو 1.64 دولار) كأقصى حد، لكننا اليوم، يبرز الرماني “نحن نتعامل مع غلاء غير مسبوق، وشدد على أنه ركز في مختلف مداخلاته على كلمة “غلاء غير مسبوق”، موضحا أنه صحيح أن القدر جعل هذا الغلاء سواء في رمضان أو عيد الأضحى، في مرحلة حكومة تتميز بالكفاءات التي تتعامل بتوازنات وبمؤشرات ومعطيات خاصة بها، لذلك فإن الفقير ليس له نفس حظ المستثمر الكبير، وهذا ما يخلق اللاتوازنات.
ويضيف الرماني أن ذلك الغلاء صار متبوعا بارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، لذلك فإن الطلب على اللحوم البيضاء ارتفع بسبب العزوف عن شراء لحم الخروف أو البقر، وبالتالي تدخل هنا عوامل أخرى تجارية واقتصادية، ليس للمواطن الضعيف وحتى صاحب الدخل المتوسط قدرة على مسايرة الثمن المرتفع.
الحل بالنسبة للحكومة مع غلاء أسعار لحم الخروف أو البقر، يقول الرماني، هو الاستيراد، لذلك فإنها تنظر إلى الأمر من زاوية المقاول، ووضع الرماني مقارنة مع حكومة عباس الفاسي أو عبد الرحمن اليوسفي، مشيرا إلى حضور الجانب الاجتماعي فيهما معا، بينما حكومة عبد الاله بن كيران، فقد كانت تنظر إلى الجانب الاعتباري، وهنا كان الخطأ الذي ارتكبه ويتعلق بإصلاح التقاعد وصندوق المقاصة، أما الحكومة الحالية التي يقودها عزيز أخنوش، يوضح المتحدث نفسه، فإنها تعتمد على الماكرو اقتصادي، لأن أغلب وزرائها مقاولون، لذلك فإن نظرتهم الأولى ستكون نحو المستثمر أو الفلاح الكبير، بعد ذلك يأتي الدور على الطبقة المتوسطة نسبيا، ثم في درجة ثالثة الطبقات الاجتماعية.
وبخصوص المقاطعة، أكد الرماني أن المواطن من حقه اتخاذ هذه الخطوة، لكنه يستطرد قائلا، إن عليه أيضا أن يوازن معيشته، ويضيف أنه كباحث ومتخصص في الاقتصاد الاجتماعي، “أرى أن المواطن عليه أن يلجأ إلى التوازن التقليدي الذي نعرفه في حياتنا”، كما أن “الحكومة من المفروض فيها أن تحارب بعض الممارسات” التي تتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل لا يقبله المواطن العادي ولا يجد له تفسيرا.
بالنسبة للمواطنين فإن الحركة دؤوبة في منصات التواصل الاجتماعي، و”الهاشتاغ يتمدد”، كما يتم تداوله على منصة التراسل الفوري “واتساب” من خلال صور ووسوم وتفسيرات وحتى تحفيز المتأخر عن الحملة من أجل اللحاق بها والشروع في مقاطعة الدجاج والبيض.
تساؤلات طرحتها بعض المنابر الإعلامية المحلية بعد انطلاق حملة “خليه يقاقي”، ومنها صحيفة تساءلت “هل نجحت حملة (خليه يقاقي) في تراجع استهلاك الدجاج؟”، بينما استفسرت صحيفة الإلكترونية عن النتائج و”هل تساهم حملة المقاطعة في خفض أسعار الدجاج”، بالنسبة للمواطنين فإن “المقاطعة هي الحل”، وأقسم عدد من المدونين على أنه “في هذه الحرارة كل يوم يخسر مربي الدجاج المئات وهو ليس في مصلحته، لذلك فإن (خليه يقاقي) لمدة 30 يوما، إما يموت أو يرجع الثمن في متناول المواطن”، والقصد هنا على الدجاج.
بعض المعارضين لهذه الحملة أكدوا أن فيها بعض “التطرف” و”التسرع” في اتخاذ مثل هذه الخطوة، لأن المشكلة ليست في صاحب الضبعة أو المربي أو التاجر بالتقسيط، بل في الوسطاء والموزعين و”السماسرة” الذين يلهبون الأسواق في الدواجن كما في باقي السلع والمنتجات الزراعية الأخرى مثل الخضروات والفواكه، فيما أصوات أخرى قالت إنها موجهة بنيات سيئة وتدعمها حسابات افتراضية غير مغربية، لذلك فإن رائحة “الفتنة” تفوح من الحملة، وفق بعض الآراء.
بعيدا عن المواقف المغايرة للحملة، فإن الأسئلة تتكاثر ويبرز احدها الذي يشرع في استطلاع لأراء المواطنين حول “السبب الذي جعل سعر الدجاج يرتفع”، الأجوبة اختلفت لكنها توحدت في المعنى المفضي مباشرة إلى ضرب القدرة الشرائية لعموم المغاربة، وكانت بعض الأجوبة شبه حاسمة مثل تحميل المسؤولية للمواطن أولا في ارتفاع سعر أي منتج، لأنه يقبل عليه ويواصل الشراء دون تردد، فيما أشار صاحب تعليق آخر على “الجشع هو السبب الأول في الزيادة غير المعقولة في خروف العيد وفي الفواكه والخضروات وفي الدجاج والبيض أو زيد أو زيد”، وأضاف أن السبب الثاني هو نحن وتقبلنا للزيادة أيا كان نوعها و معرفة البائع على أننا سوف نشتري في جميع الأحوال.
تدوينات أخرى رصدت احصائيات نجاح المقاطعة، مؤكدة أن “بيع الدجاج تراجع بنسبة 60 في المئة”، وأوردت بعض المنابر تصريحات للباعة الذين أكدوا أنهم كانوا يبيعون 500 كليوغرام، بينما اليوم بالكاد يبيعون 100 كيلوغرام، وتبقى هذه الأرقام مجرد اجتهادات فقط، لأنها غير صادرة عن مؤسسات متخصصة أو هيئات مهنية أو نقابات أو غيرها.
في السياق نفسه، أفادت البرلمانية نادية تهامي بأنه “رغم التنبيهات المتواصلة لفريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، للحكومة، إلى معاناة المواطنات والمواطنين، حول تنامي غلاء الأسعار ومنها أثمنة الدجاج، ومحدودية أثر الإجراءات التي تعلن عنها الحكومة لمواجهته، تستمر الأزمة دون معالجة حقيقية لأوضاع أسعار المواد والمنتجات الاستهلاكية في الأسواق المحلية”، وفق ما نقلت عنها صحيفة “اليوم 24” الإلكترونية.
ويبقى المطلب الوحيد، الذي يردده المغاربة الذين يشاركون في حملة المقاطعة، هو عودة أسعار الدجاج إلى مستوى في متناول المواطن، وحدد بعضهم الثمن في 13 درهما (1.33 دولار)، مؤكدين أن “خليه يقاقي” الهدف منها هو الدعوة إلى خفض أسعار الدجاج، لأن “المواطن أصبح مقهورا بسبب الغلاء”، حتى وصفت مدونة الوضع بشكل ساخر بأن “الدجاج اقترب من أكلنا”، لذلك فـ “خلّيه يقاقي حتى يخرج للزناقي” بمعنى دعه ينقنق حتى يخرج إلى الشارع.