المدن المغربية تشهد جمعة طوفان الأقصى الـ 45
استجاب العديد من المواطنين المغاربة في مختلف المدن للنداء الذي أطلقته “الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة”، فشاركوا بعد صلاة الجمعة في الموعد التضامني الأسبوعي الـ45 الموسوم بـ”جمعات طوفان الأقصى”، واختير له هذه المرة شعار الأقصى في العيون… يا غزة لن نخون.
ويرى عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة محمد الخامس في الرباط والرئيس السابق لـ “منتدى الكرامة لحقوق الإنسان”، أنه أمام عجز المجتمع الدولي عن التدخل وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإيقاف الغطرسة الإسرائيلية، فإن الشعب الفلسطيني لم يعد أمامه خيار إلا خيار المقاومة، خياراً واحداً لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإرغام المحتل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية.
أما على المستوى الآني، يضيف حامي الدين متحدثاً إلى “القدس العربي”، فبالموازاة مع صمود المقاومة في غزة وضرورة مساندة في الضفة الغربية وفي الداخل المحتل سنة 1948 عبر انتفاضة فلسطينية عارمة، فإن توقف هذه الحرب العدوانية يتطلب تغييرا واضحا في سياسة النظام الرسمي العربي من أجل اعتماد أوراق الضغط الممكنة، ليس أقلها قطع العلاقات مع دولة الاحتلال ووقف كافة أشكال التعاون والتهديد بإلغاء اتفاقيات التطبيع المبرمة.
ويؤكد المتحدث أن الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية رهان خاسر، باعتبارها شريكا أساسيا في هذه الحرب العدوانية وليست وسيطا موثوقا كما تحاول الدعاية الأمريكية أن تروج لذلك.
ويستطرد الباحث المغربي قائلا إن الشعوب العربية والإسلامية ينبغي أن ترفع من درجة تضامنها مع الشعب الفلسطيني عن طريق تقديم المساعدات الإنسانية والمالية والمشاركة في إعادة الإعمار والاستمرار في تنظيم الفعاليات الشعبية والتظاهرات المساندة لكفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته، على غرار ما عاشته مختلف الشعوب المحتلة خلال المرحلة الاستعمارية من دعم لحركات التحرر الوطني المناضلة ضد الاستعمار.
أما بخصوص قراءته لعملية اغتيال إسماعيل هنية، الذي كان على رأس المُفاوضين، وعما إذا كان هذا الاغتيال يؤدي إلى تداعيات سياسية وأمنية في المنطقة، فأجاب عبد العالي حامي الدين: اغتيال القائد إسماعيل هنية هو استمرار لمسلسل الاغتيالات التي اعتمدتها دولة الاحتلال اتجاه قادة الحركات الفلسطينية المقاومة، فقد اغتالت أحمد ياسين وياسر عرفات وعبد العزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى وفتحي الشقاقي وغيرهم من القيادات السياسية. لكن التوقيت والمكان المتعلق باغتيال إسماعيل هنية يثير ملاحظات نوعية، أولاها أن هذا الاغتيال جاء بعد عشرة أشهر من عجز جيش الاحتلال عن تحقيق الأهداف المعلنة من طرف نتنياهو والمتمثلة في القضاء على حركة “حماس” وقُدراتها العسكرية وتحرير الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، هذا العجز الواضح يجعل نتنياهو في موقف حرج، ولذلك هو يبحث عن صورة انتصار أمام جمهوره وأمام حكومته المتطرفة من أجل إعطائه المزيد من الدعم والوقت لتحقيق أهدافه المزعومة.
ولاحظ المتحدث أن مكان الاغتيال تضمن رسالة مباشرة إلى إيران التي لا تُخفي دعمها للمقاومة الفلسطينية، ومحاولة لجرِّها لمواجهة مباشرة تنقل الحرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديدا من قطاع غزة إلى المستوى الإقليمي والدولي عبر جرِّ حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب مباشرة مع إيران والتمكن من تدمير برنامجها النووي الذي يسبب قلقا استراتيجيا لدى دولة الاحتلال لأنه يعطيها ميزة استراتيجية وعسكرية في المنطقة ويضمن لها التوازن الاستراتيجي مع دولة الاحتلال.
ولذلك ـ يقول حامي الدين ـ ينبغي قراءة اغتيال إسماعيل هنية في إطار الرؤية الصهيونية لنتنياهو ولليمين المتطرف الذي يعتبر نفسه في حرب وجودية بعد تحطيم هيبته الاستراتيجية وتدمير نظرية الردع الاستراتيجي يوم السابع من أكتوبر، وبالتالي لا بد من حرب كبيرة للقضاء على كل من يهدد أمن دولة الاحتلال، خصوصاً بعد انكشاف عجزها العسكري والاستراتيجي يوم 7 أكتوبر وظهور محدودية منظومتها العسكرية والاستخباراتية والسقوط المدوي لمقولة الجيش الذي لا يقهر.
أما تداعيات هذا الاغتيال فهي مؤكدة، بتعبير المحلل السياسي المغربي، سواء على المستوى الآني المتعلق باستحالة المضي في المفاوضات المرتبطة بوقف إطلاق النار وإنجاز صفقة تنهي معاناة الشعب الفلسطيني المتواصلة، أو على المستوى الاستراتيجي المتعلق بما يسمى محور المقاومة ولاسيما لمن يقود هذا المحور والمتمثل في إيران، التي تعرضت لانتهاك واضح لسيادتها وهي مطالبة بالرد المتناسب مع حجم الانتهاك، دون أن تسقط في استراتيجية نتنياهو المتمثلة في جر إيران والمنطقة لحرب شاملة.
ويتابع قائلا: إذن، نحن أمام سيناريو استمرار الحرب العدوانية ضد الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والانتقام من الأطفال والنساء والشيوخ العزل، في الموازاة مع استمرار الصمود الأسطوري للمقاومة الذي يكبد الاحتلال خسائر عسكرية مؤكدة، ويفرض عليه حرب استنزاف طويلة، مع استمرار جبهات المساندة من جنوب لبنان من طرف حزب الله وأيضا من اليمن على مستوى استهداف السفن المتجهة نحو إسرائيل، مع استمرار الدعم الأمريكي والغربي لجيش الاحتلال بالأسلحة المتطورة، ولولا هذا الدعم المتواصل والضوء الأخضر الأمريكي للمضي في هذه الحرب العدوانية لانتهت الحرب منذ الشهر الثالث أو الرابع.
ويشدد حامي الدين على أن “نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة سنة 1967، ويفتخر بأنه مزق اتفاق أوسلو ووضع الفلسطينيين في سجن كبير عبر حصار قطاع غزة وتحويل الضفة الغربية إلى كانتونات محاصرة بالمستوطنات السرطانية المتزايدة، والآن يتبنى سياسة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين بشكل ممنهج، ويُمعِن في انتهاك قرارات الشرعية الدولية. كما أن العقلية السائدة داخل المجتمع الإسرائيلي هي عقلية يمينية متطرفة ولا تؤمن بالتعايش مع الفلسطينيين، وصلت إلى درجة السادية التي تجعل 47 ٪ من المجتمع تؤمن بأن من حق أفراد جيشه اغتصاب المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وتعذيبهم.
ووفق تعبير الخبير القانوني المغربي، فإن نتنياهو وحكومته المتطرفة لا تؤمن بالقانون الدولي ولا بالقانون الدولي الإنساني ولا بقرارات القضاء الدولي. ولكنها في الوقت نفسه، تدرك حجم التغير الحاصل في صورتها أمام العالم، خصوصاً أنها تمثل لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية ويكون قادتها موضوعاً لمذكرة اعتقال طالب بها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ويحصل تغير كبير في الرأي العام الغربي، وخصوصاً في الأجيال الجديدة من طلبة الجامعات في كبريات الجامعات الأمريكية، كل ذلك يجعلها تدرك أهمية الصورة وأهمية التوثيق الميداني لجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكبها في الميدان، ولذلك فإن استهدافها للصحافيين هو استهداف انتقامي ضد من ينقلون صورتها الإجرامية للعالم، ويكشفون صورتها الحقيقية أمام العالم في الوقت الذي يستمر نتنياهو في ترويج أكذوبة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم.