السيول والأمطار تعمق أزمات المواطنين في السودان
أوضاع مأسوية تعيشها عدة مناطق في السودان ليس بسبب الحرب هذه المرة وإنما نتيجة هطول أمطار غزيرة وسيول اجتاحت منازل المواطنين ومرافق حيوية وخلفت عددا من القتلى والجرحى والنازحين.
ولا تزال وحدة الإنذار المبكر بهيئة الأرصاد الجوية تجدد تحذيراتها من هطول أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية ورياح قوية في ولاية البحر الأحمر، والأطراف الشمالية لولاية كسلا وأواسط ولاية شمال دارفور الأسبوع المقبل. وتوقعت الوحدة في بيان لها أن تؤدي هذه الأمطار إلى جريان سيول جارفة في تلك المناطق، ودعت الجهات المعنية والسلطات المحلية لاتخاذ أعلى درجات الحيطة والتأهب.
وإلى ذلك، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة «أوتشا» أن أكثر من 73183 شخصاً تأثروا بالفيضانات في 11 ولاية معظمهم في ولايتي البحر الأحمر وغرب دارفور، كاشفاً عن تدمير 14340 منزلاً ونزوح أكثر من 21 ألف شخص بسبب الفيضانات.
ويشهد السودان منذ منتصف نيسان/ابريل العام الماضي حربا ضروس بين الجيش وقوات الدعم السريع أسفرت عن أعداد من القتلى والمصابين وتدمير مؤسسات حيوية ونزوح أكثر من 10 مليون شخص، منهم 10 في المئة حسب منظمات أممية يعيشون في العراء، ويتوقع متابعون تزايد معاناتهم بسبب السيول والأمطار التي ضربت البلاد مؤخراً.
وفي مدينة أبوحمد بولاية نهر النيل شمالي السودان، لقي 34 شخصا مصرعهم وأصيب 588 آخرين بسبب السيول والفيضانات التي اجتاحت المدينة وفقاً لتقرير رصد صادر من جمعية الهلال الأحمر السوداني.
وكشفت التقرير كذلك عن تضرر 96606 أسرة وانهيار 24104 منازل كلياً بينما لحقت الأضرار بـ8016 منزلا آخر، بجانب تدمير 150 مرفقاً خدميا. في حين أفاد سكان محليون لـ«القدس العربي» أن الأوضاع في المدينة المنكوبة بالغة السوء في ظل افتراش مئات الأسر العراء وانقطاع الخدمات الرئيسية وعدم وصول مساعدات إغاثية كافية.
الصحافي والناشط المحلي، سامي سمري، قال لـ«القدس العربي» إن المنازل ما زالت تتساقط تباعاً في وقت مسحت فيه الأمطار سوق المدينة الرئيسي تماماً سوى عدة مبان لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لافتاً إلى وجود أزمة توفر خبز بعد خروج أغلب المخابز عن الخدمة بالإضافة إلى انقطاع خدمات الكهرباء عن 70 في المئة من أجزاء أبوحمد.
ولفت سمري إلى انتشار كثيف للبعوض والاسهالات المائية والتهابات الجهاز التنفسي في ظل ضغط كبير على المستشفى الوحيد بالمنطقة. وقال: «كثير من الأسر تقيم الآن بالمرافق العامة ودور العبادة بعد تحطم منازلها» مشيراً إلى أن بعض الجهات الرسمية والخيرين بدأوا في توزيع بعض المساعدات على المتضررين لكنه عاد وأوضح أنها مجهودات ضئيلة مقارنة مع حجم الكارثة.
وأشار إلى أن حاجة المتضررين تتمثل الآن في توفير المواد الغذائية والخيام. وبيّن أن معاناة النازحين القادمين من الخرطوم إلى أبوحمد أكبر بكثير لأنهم كانوا بالأساس يعيشون في منازل اضطرارية قبل الأمطار والسيول.
ويذكر أن مياه الأمطار والسيول القادمة من الأودية غمرت كذلك مدينة شندي جنوباً وعددا من المناطق الأخرى في ولاية نهر النيل وتسببت في عدة انقطاعات لطريق السفريات الرئيسي الرابط بين الولاية وولايات البحر الأحمر والخرطوم والشمالية ما أدى إلى أزمات مرورية معقدة.
أما في الولاية الشمالية ـ المعروفة بالمناخ الصحراوي ـ تسببت الأمطار المفاجئة تدمير مئات المنازل في منطقة دلقو وحلفا، في الأثناء أفادت جميعة الهلال الأحمر بأن 200 أسرية من قرية سركمتو بالولاية الشمالية تقيم في العراء وتحيط بها المياه من كل الجوانب ولم يجدوا ملاذاً للإيواء غير الجبال.
وكشفت عن تعرض المواطنين للدغات العقارب التي خرجت من باطن الأرض المغمورة بمياه الأمطار وتوجهت صوب الأماكن المرتفعة مكان تواجد الأسر في ظل نقص حاد في الأدوية والأمصال.
وإلى ذلك، أصدر والي الشمالية عابدين عوض الله قراراً بإغلاق المدارس بجميع المراحل التعليمية بالولاية حفاظاً على التلاميذ من أخطار السيول والأمطار.
شرقاً، في ولاية القضارف التي شهدت أمطارا مستمرة لمدة ست ساعات الخميس الماضي، توفيت التلميذة ـ منال عبدالله 12 عاماً ـ غرقاً عندما جرفتها السيول مع أخريات تمكن من إنقاذهن أثناء ذهابهن إلى المدرسة، بينما عثر على التلميذة القتيلة في معسكر أم راكوبة بعد ساعات من الغرق.
وأفادت شرطة الدفاع المدني في ولاية القضارف بانقطاع الطريق الرابط بين منطقة دوكة والقلابات في الحدود الإثيوبية ما أدى إلى تعليق حركة المرور لعدة ساعات، وحذرت الدفاع المدني مستخدمي الطريق والسائقين من خطورة الأوضاع، داعية إلى إتباع الإرشادات المرورية على الطريق.
ولم يختلف المشهد كثيراً في ولاية غرب دارفور ـ غربي السودان ـ إذ تفيد المتابعات نزوح أكثر من 2000 أسرة من منطقة فوربرنقا بسبب الأمطار الغزيرة والسيول التي اجتاحتها يوم الإثنين الماضي مخلفة تدميرا واسعا لمنازل المواطنين. أما في الجنينة عاصمة الولاية فقد أعلنت السلطة المحلية التي تتبع لقوات الدعم السريع برئاسة آدم كرشوم تدمير 7 آلاف منزل كلياً وجزئياً، وطالبت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بالتدخل الفوري لإغاثة المواطنين الذين يعيشون في ظروف صعبة على الطرقات ويحتاجون إلى الغذاء ومواد الإيواء.
ومن جهتها، أكدت غرفة طوارئ الخريف بوزارة الصحة الاتحادية، إن 9 من أصل 18 مدن تأثرت بفصل الخريف وذلك في 37 محلية، كاشفة عن تضرر 6200 أسرة، ولفت بأن إحصائية الأسر المتضررة لا تشمل محليتي أبوحمد والبحيرة.
وأشارت الغرفة في تقرير لها إلى تسجيل 21 حالة جديدة بالاسهالات المائية الحادة منها 4 حالات بمحلية كسلا، و17 حالة بمحلية ود الحليو، ودون حالات وفاة جديدة، ليرتفع تراكمي الحالات بالبلاد إلى 158 حالة، ويستقر تراكمي حالات الوفاة في 10 حالات.
وأعلنت عن تكوين لجان طوارئ مصغرة لتنفيذ حملات لمكافحة نواقل الأمراض والإصحاح البيئي بعدد من الولايات، كاشفة عن جملة من المشاكل والمعوقات، ومنها قلة وسائل الحركة ووعورة الطرق، والوضع الأمني، وضعف شبكات الاتصال وانقطاعها بعض الأحيان، فضلا عن ضعف الميزانيات.
ويشار أن السيول الجارفة التي ضربت عدة مناطق في البلاد خاصة في ولايتي نهر النيل والشمالية، أثارت مخاوف حدوث تلوث بيئي بسبب مخلفات التعدين الأهلي.
ويخشى مراقبون من خطر انتقال المواد السامة التي استخدمت في عمليات استخلاص الذهب، مثل السيانيد والزئبق والثيوريا، إلى الأنهار والمجاري المائية والمزارع، ما يشكل تهديداً كبيرًا للبيئة وصحة السكان المحليين.