مسؤولة سابقة في “الشاباك” تتحدث عن “اليوم التالي لمحمود عباس”
نشر “معهد واشنطن” مقالا للمسؤولة السابقة في جهاز “الشاباك” نعومي نيومان، تحدثت فيه عن واقع الضفة الغربية في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
نيومان التي عملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في “الشاباك”، وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، قالت إنه إذا انهارت قيادة السلطة الفلسطينية تحت الضغوطات الإسرائيلية، فقد تكون النتيجة إعادة ضبط الأوضاع على نحو مزعزع للاستقرار في الساحة، وقيام فراغ ما بعد الحرب على غزة.
وتحدثت نيومان عن ما أسمته “اليوم التالي لمحمود عباس” أيضا.
وتاليا نص المقال كاملا:
إذا انهارت قيادة السلطة الفلسطينية تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية وتدهوَرَ الوضع في الضفة الغربية، فقد تكون النتيجة إعادة ضبط الأوضاع على نحو مزعزع للاستقرار في الساحة الفلسطينية وقيام فراغ ما بعد الحرب في غزة.
مع استمرار الحرب في غزة، يصبح الوضع في الضفة الغربية أكثر قابلية للاشتعال يوماً بعد يوم، ولم تتخذ إسرائيل ولا المجتمع الإقليمي والدولي الخطوات اللازمة لمنع المزيد من التدهور. ونتيجة لذلك، تتضاءل القيود التي منعت سكان الضفة الغربية من الانضمام إلى صراع “حماس” العنيف بشكل جماعي، في حين يخسر زعيم المنطقة، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وبسرعة الشرعية التي يحتاج إليها للحفاظ على الاستقرار. وهذه الاتجاهات مثيرة للقلق بشكل خاص لأنها يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة داخل السلطة الفلسطينية، في وقت يتوقع فيه العديد من الجهات الفاعلة أن تملأ المنظمة الفراغ القيادي الذي سيحدث بعد الحرب في غزة. فكيف ينبغي على الولايات المتحدة وإسرائيل والأطراف الأخرى أن تستعد لاحتمال تزامن “اليوم التالي” في غزة مع عملية خلافة مضطربة في السلطة الفلسطينية؟ وما هي التحوّلات الفورية اللازمة في السياسات لضمان عدم انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل؟
عباس والانزلاق الدراماتيكي للسلطة الفلسطينية
في ظاهرها، منحت الحرب في غزة لعباس كل ما كان يحلم به خلال “ولايته” التي استمرت قرابة العقدين من الزمن، أي: إحياء المشاركة الدولية والإقليمية مع القضية الفلسطينية؛ وتعزيز التدابير المناهضة لإسرائيل في المحاكم الدولية؛ وتجديد الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ وجعل السلطة الفلسطينية مرشحاً محتملاً لحكم غزة؛ وأكثر من ذلك. وللحظة، بدا وكأنه قد يصبح الفائز الأكبر في النزاع.
ولكن مع استمرار الحرب وصمود “حماس”، فقد يخسر عباس الكثير حالياً. فأجندة الساحة الفلسطينية، التي كان مسؤولاً عنها إلى حد كبير، تنهار أمام عينيه، بينما تتشكل أجندة جديدة لا تزال غير واضحة.
وسابقاً، كانت السلطة الفلسطينية مركز القوة في هذه الساحة، وليس “حماس”، لكن أصبح يُنظر إليها حالياً على أنها جهة فاعلة ضعيفة تواجه الانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني. فجهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية، الذي كان ذات يوم القوة الأقوى والأكثر تنظيماً في الضفة الغربية، يتفكك ويواجه صعوبة في الحفاظ على موطئ قدم له في المنطقة. وقد كان الفلسطينيون في الضفة الغربية يتمتعون بحياة طبيعية نسبياً حتى وقت قريب، وكانت لديهم تحفظات بشأن أجندة “المقاومة”. فهم لم ينظروا إلى “حماس” كبديل جذاب لـ”فتح”، ولكن حتى هذا التفضيل بدأ يتغير.
وإذا انتهت الحرب في المستقبل القريب، فمن شأن هذه التحوّلات أن تقوض سلطة عباس والسلطة الفلسطينية وتدفعه إلى مواصلة اتخاذ خطوات لمواجهة إسرائيل. ويصبح هذا السيناريو أكثر حتمية إذا تمكنت “حماس” من البقاء في غزة، وإذا رفضت إسرائيل التحدث مع السلطة الفلسطينية حول الأفق السياسي ومنعتها من تولي الشؤون المدنية في غزة. فلدى عباس العديد من سبل الاستفزاز المحتملة، التي تشمل التحركات الدبلوماسية في الخارج (مثل تعزيز الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية) والإجراءات الداخلية (مثل المصالحة مع “حماس”، والدعوة إلى إجراء انتخابات، وزيادة إمكانية دمج المزيد من الفصائل الفلسطينية ضمن مؤسسات “منظمة التحرير الفلسطينية”).
وفي سيناريو بديل، إذا لم تنتهِ الحرب قريباً، فسوف يستمر وضع السلطة الفلسطينية بالتدهور ما لم تتغير سياسة إسرائيل في الضفة الغربية أو يتبنَ المسؤولون الفلسطينيون إصلاحات كبيرة. وسيستمر هذا التدهور إلى أن تنهار السلطة الفلسطينية، اقتصادياً في البداية ثم اجتماعياً وأمنياً.
سيناريوهات الخلافة
في ضوء هذه الاتجاهات، يحتاج المسؤولون إلى النظر في ما قد تبدو عليه الضفة الغربية إذا صادف “اليوم التالي” لحرب غزة و”اليوم التالي” لعباس ضمن هامش زمني قريب من بعضهما البعض. ومن المرجح أن يكون لطريقة مغادرة عباس المسرح السياسي – من خلال العنف، أو الاتفاق، أو الوفاة الطبيعية – تأثير حاسم على كيفية تطور الأحداث.
يبدو أن لدى قادة حركة فتح، وهي أكبر فصيل في “منظمة التحرير الفلسطينية”، ثلاثة مرشحين ليحلوا محل عباس وهم: مسؤول “فتح” حسين الشيخ، وعضو اللجنة المركزية لـ”فتح” محمود العالول، والمسؤول الأمني جبريل الرجوب. وإذا غادر عباس المشهد، فستحاول الحركة على الأرجح جمع مؤسساتها و”منظمة التحرير الفلسطينية” الأوسع نطاقاً من أجل تعيين خلف أو خلفاء له بسرعة، ولن تفكر في إجراء انتخابات عامة إلا في وقت لاحق. وسيؤثر مدى استكمال الحركة لهذه العملية دون وقوع حوادث بشكل كبير على استقرار السلطة الفلسطينية والضفة الغربية.
ومن الممكن أن يختار المرشحون بأنفسهم خليفة واحدا لكل مناصب عباس، علماً بأنه سيتم استغلال أي نزاع فيما بينهم من قبل عناصر المعارضة، لا سيما “حماس”، من أجل إسقاط “فتح” وإحداث الفوضى في الضفة الغربية. ولكن من الممكن أيضاً ألا يتفق المرشحون على خليفة واحد وأن يعتمدوا واحداً أو أكثر من الحلول الآتية:
تقسيم المناصب الثلاثة التي يشغلها عباس، أي رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس “فتح”، ورئيس “منظمة التحرير الفلسطينية”، بين خلفاء محتملين متعددين. وقد يؤدي ذلك إلى تنافس وصراع على السلطة من شأنه أن يؤثر في نهاية المطاف على استقرار الوضع الأمني. فمن يسيطر على حركة فتح سيسيطر على الأرجح على فصيل “التنظيم” المسلح التابع لها، ومن يسيطر على السلطة الفلسطينية فسوف يسيطر ظاهرياً على أجهزتها الأمنية. وإذا حدث ذلك، فقد تتراجع قدرة الأجهزة الأمنية على كبح جماح “التنظيم” من قدرتها الحالية.
تقسيم السلطة الفلسطينية وظيفياً إلى مستويين: المستوى السياسي الأعلى، الذي سيشمل الرئاسة ولكن بصلاحيات محدودة، والمستوى الأدنى، الأكثر عملية، والذي سيشمل رئيس الوزراء ومجلس الوزراء وسيمارس معظم السلطات الأمنية والاقتصادية. وكان هذا النموذج قائماً في السلطة الفلسطينية عندما شغل عباس منصب رئيس الوزراء ومحمد دحلان وزيراً للداخلية في عهد الرئيس ياسر عرفات (2003-2004)، وخلال ولاية سلام فياض كرئيس للوزراء في عهد الرئيس عباس 2007-2013.
تقسيم الضفة الغربية بين مختلف المرشحين بما من شأنه أن يخلق كانتونات، مما يجبر إسرائيل على التعامل مع كيانات متعددة.
وحتى لو كانت العملية الانتقالية سلسة نسبياً، فمن المرجح أن يؤدي رحيل عباس إلى عملية طويلة مليئة بالصراعات، ما سيجعل من الضروري إعادة صياغة الأهداف الوطنية. والواقع أن من سيتم تعيينه خلفاً له سيفتقر للشرعية وسيتعين عليه إقناع الجمهور بأنه لا يواصل اتباع طريق عباس “الفاشل”. وسيتعيّن عليه أيضاً أن يستجيب لرغبة الجمهور في المصالحة مع “حماس” ويثبت أن سلطته لا تعتمد على الحراب الإسرائيلية.
ومن المرجح أيضاً أن يضطر جميع الخلفاء المحتملين إلى التعامل مع مطلب الجمهور بتعيين مروان البرغوثي، عضو «اللجنة المركزية لحركة فتح» المسجون في إسرائيل، في منصب رفيع. فالجهود الحالية لتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل السجناء الفلسطينيين تثير آمال الفلسطينيين بشأن حصول هذا السيناريو. وقد يقرر خلفاء عباس أن يحصل البرغوثي على تعيين رمزي بينما يتولون هم فعلياً إدارة الضفة الغربية. وفي كلتا الحالتين، فإن من شأن ذلك أن يخلق صعوبات لإسرائيل، لا سيما إذا لم يتم إطلاق سراح البرغوثي ضمن صفقة ويصبح قضية دولية مشهورة.
ولعل السؤال الأكثر أهمية هو كيف سيكون رد فعل الفلسطينيين في الضفة الغربية عند وفاة عباس أو تنحيه؟ فمنذ انتهاء الانتفاضة الثانية، لم ينخرطوا في احتجاجات شعبية واسعة النطاق أو في الإرهاب لعدة أسباب، منها الخوف من الثمن الذي قد يدفعونه، والافتقار إلى قيادة بديلة، وتراجع إحساسهم بالجماعية.
ولسنوات، دعم فلسطينيو الضفة الغربية عباس بشكل غير نشط على الرغم من الاستياء المتزايد منه ومن السلطة الفلسطينية و”فتح” على نطاق أوسع. ومع ذلك، فيبدو أن الحرب في غزة وزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية على مدى العام الماضي قد ضخت طاقة جديدة في وسط الجماعة الوطنية الفلسطينية، وهو ما قد يترجم برغبة في التأثير على اختيار خليفة عباس وأجندته. ونتيجة لذلك، فقد يُقابل انتقال السلطة باحتجاجات واسعة النطاق أو حتى بالعنف والفوضى. فقد بلغ العنف الفلسطيني في الضفة الغربية أساساً أعلى مستوياته منذ عام 2002، حيث تم تسجيل 291 حادثاً إرهابياً منذ تشرين الأول/أكتوبر.
من الصعب التوصية بسياسة إسرائيلية شاملة من دون تعريف متفق عليه للإطار السياسي المنشود. فهذا التعريف مطلوب، أو على الأقل يجب الاتفاق على أن الفلسطينيين وإسرائيل بحاجة إلى كيان فلسطيني موحد موثوق يتمتع بالشرعية في الداخل والخارج. ويجب أن يكون هذا الكيان أيضاً على استعداد للتعاون مع إسرائيل بشأن أمن الضفة الغربية وضمان الاستقرار للمدنيين، حتى لو استمرت بعض الاحتكاكات في العلاقة.
يجب على إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية أن تعمل على إضعاف “حماس” بشكل دائم، وفي الوقت نفسه، تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال تدابير مختلفة، ودفعها إلى تنفيذ إصلاحات فورية لكي تتمكن من إعادة التموضع كزعيم شرعي في الضفة الغربية، ولاحقاً في غزة. فرئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد مصطفى ليس قادراً على تنفيذ الإصلاحات اللازمة، وليس مخولاً للقيام بذلك، والخطوات التي اتخذها في هذا الاتجاه ليست إلا شكلية.
وإذا تم تنفيذ إصلاحات كبيرة، فمن الضروري أن تدرك إسرائيل أن ذلك قد يؤدي إلى تحديات مستقبلية. فكلما كان الكيان الفلسطيني أكثر قوة، كلما زادت رغبته في دعم القضايا الوطنية والسياسية، وليس فقط قضايا الرفاه والأمن.
وفي هذا السياق، فإن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش “لمعاقبة” السلطة الفلسطينية على محاولاتها الحصول على الاعتراف الدولي تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، فقد تؤدي هذه الإجراءات في النهاية إلى انهيار السلطة الفلسطينية، ما يخلق حالة من الفوضى في الضفة الغربية ويمهد الطريق لاستيلاء “حماس”، بدعم إيراني، في إطار جهد يبذله “محور المقاومة” لإنشاء “حزام من النار” في محيط إسرائيل. وقد صرح سموتريتش مؤخراً بأنه سيرفع أحد الإجراءات العقابية الرئيسية من خلال إلغاء تجميد عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فإن الخطوات التي اتخذها أساساً تترك بصمتها على أرض الواقع، حيث يتعرض الاستقرار الاقتصادي باستمرار لخطر الانهيار.
وأخيراً، يتعين على الولايات المتحدة والدول العربية إقناع عباس بالاستعداد لـ “اليوم التالي” من خلال إنشاء آلية للانتقال المنظم للسلطة، من بين خطوات أخرى. وهذا من شأنه أن يساعد أيضاً في منع “حماس” من السيطرة على الضفة الغربية. فبدون مثل هذه التدابير، قد تؤدي الاتجاهات الحالية بسرعة إلى إعادة ضبط جذرية في السلطة الفلسطينية والساحة الفلسطينية الأوسع نطاقاً، ولن تكون بالضرورة إيجابية.