الأوروبيون ليسوا متأكدين من قدرة بايدن على مواصلة الحكم حتى لو فاز بسبب عمره
نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريراً أعدّه ألكسندر وورد وإيلي ستوكولز وإيميليو كاساليتشيو وباربرة موينز أشاروا فيه لمخاوف حلفاء أمريكا في أوروبا، بأن الرئيس جو بايدن قد انتهى سياسياً، وأنه لم يعد قادراً على هزيمة دونالد ترامب.
وقال مسؤول أوروبي بلده عضو في الناتو: لسنا متأكدين من أنه لو فاز، سيبقى لأربعة أعوام أخرى.
وجاء في التقرير أن الدبلوماسيين وقادة العالم الذين يحضرون لقمة الناتو عبّروا، في أحاديثهم الخاصة، عن قلقهم من عمر الرئيس الأمريكي وصحته وقدرته على الفوز بحملة الرئاسة لعام 2024.
وقال ثلاثة مسؤولين أجانب يحبّذون إعادة انتخاب بايدن، ويخشون من أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستضرّ بالناتو، وستشلّ جهود مساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
ولكنهم عبّروا عن فزع من المناظرة التلفازية الأخيرة، وقالوا إن بايدن بدا ضعيفاً وهشّاً، وقد لا يكون قادراً على هزيمة ترامب، أو قيادة الدولة العظمى.
وتحدثت المجلة مع 20 شخصاً على علاقة مع الناتو، أو القمة المقررة، وعلمت أن الكثير من الحلفاء لديهم تحفظات على وضع الثقة ببايدن، وحتى قبل المناظرة. وبات على بايدن الآن مهمة إقناع نظرائه بأنه ليس صالحاً للقيادة فقط، بل وبقدرته على تخطي الأزمة السياسية للبقاء في السباق.
وقال مسؤول من دولة أوروبية عضو في الناتو: “لست بحاجة لعبقري كي يخبرك بأن الرئيس عجوز”، مضيفاً أن فوزه في الانتخابات لا يضمن بقاءه في الحكم مدة 4 أربعة أعوام.
وذهب آخرون أبعد من هذا، حيث قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: دعنا نكون صريحين، فقد كان من المؤلم متابعة [المناظرة]، مضيفاً: كلّنا يريد لبايدن أن يفوز بولاية ثانية، وتجنّب التعامل مع ترامب ، لكن هذا لا يُطمئِن.
وقال وزير بريطاني تحدث للمجلة، قبل تغيير الحكومة يوم الخميس: هل يستطيع المانحون للديمقراطيين ترتيب أوراقهم ودفع بايدن للتقاعد، ولكي يكون لدينا مرشح يتمتّع بمصداقية أمام الناخبين؟.
وتقول المجلة إن بايدن يواجه مهمة شاقة لتسويق نفسه في قمة الناتو الأسبوع المقبل، حيث يحضّر نفسه لمواجهة أسئلة من حلفاء الولايات المتحدة بشأن التزام أمريكا بدعم الحرب في أوكرانيا. إلا أن مناظرته الكارثية ضد ترامب حوّلت اللقاء إلى نوع آخر من التقييم لقدرات بايدن الجسدية والسياسية.
ولم يتحدث إلا عدد قليل من القادة الأوروبيين عن عمر بايدن علانية، لكن دونالد تاسك، رئيس الوزراء البولندي قد أدلى بتعليق مثير بعد المناظرة: بالتأكيد لديهم مشكلة، وردة الفعل كانت واضحة جداً.
ونقلت عن مايكل جنيستين، السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي، والمستشار القديم لبايدن، قوله إن أي تركيز على عمر بايدن نابع من القلق حول الانتخابات وقدرته على الفوز بولاية ثانية. وأضاف: “لم أسمع أبداً أي زعيم عبّر لي مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة، عن قلق من عمره”، وهم قلقون على الانتخابات القريبة، وهم قلقون بشأن بعض التصريحات من ترامب.
وتقول المجلة إن الأسئلة التي تدور حول ترشيح بايدن حوّلت المناسبة، التي كانت أصلاً للاحتفال بمرور 75 عاماً على إنشاء الناتو، إلى اختبار إجهاد للرئيس، الذي بات مستقبله السياسي غير واضح.
فعلى بايدن أن يظهر مهاراته السياسة، وتحمّله أثناء القمة التي ستعقد بواشنطن، وستبدأ يوم الثلاثاء، وستستمر حتى الخميس، حيث تتوقع الأرصاد الجوية ارتفاعاً بدرجات الحرارة.
وكدولة مضيفة للقمة، لن يكون بايدن قادراً على تجنّب المشاركة بمناسبات القمة. وفي اليوم الأول للقمة، سيلقي بايدن خطاباً افتتاحياً، بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشاء الناتو. ويعتبر بايدن من أكبر المدافعين عن الناتو وتقويته، إلا أن رسالته قد تضيع لو تعثّرَ ببعض الفقرات الرئيسية أو فقدَ تفكيره في الجمل.
وسيكون يوم الأربعاء من أكثر أيام القمة ازدحاماً، فسيصافح أيدي قادة 31 دولة، وكذا الدول الشريكة. ثم سيتصدّر لقاء على مدى 3 ساعات لمجلس الشمال الأطلنطي، وسيحضره قادة الدول والحكومات. ويوم الأربعاء، سيستضيف بايدن القادة المشاركين على مأدبة عشاء ستستمر لساعة متأخرة من الليل، أي بعد فترة النوم المفروضة عليه وتجنّب العمل بعد الساعة الثامنة مساء.
وستحتاج المأدبة لكل متطلبات مأدبة العشاء الرسمية، وتحتاج منه لأن يكون واضحاً، حيث سيتحرك بين الحضور ويناقش الأمور الحساسة معهم، وبعيداً عن أعين الكاميرا.
وسيشارك بايدن، يوم الخميس، بعدّة لقاءات ماراثونية تناقش فيها موضوعات تتراوح من الحرب في أوكرانيا، إلى تقوية الناتو على الردع، ودينامية الأمن في منطقة إندو- باسيفيك. وعليه عقد لقاءات ثنائية مع قادة الدول، ما سيضيف أعباء أخرى على جدوله الزمني. وستُتوّج أيام المؤتمر بمؤتمر صحافي له، حيث سيواجه بالتأكيد المزيد من الأسئلة حول عمره وأكثر من العلاقات بين دول المحيط الأطلنطي.
ومن بين مظاهر القلق بين دول الناتو قدرة بايدن على مواصلة دعم الأمن الأوروبي، وسط انتخابات متقاربة مع رئيس سابق لا يريد مواصلة دعم الحلفاء في الخارج.
وقال مسؤول من دولة عضو في الناتو: “نقوم بمزيد من الحوارات حول دفاعاتنا، ومنذ أن بدت عودة ترامب من جديد”. وعبّر عددٌ من قادة الناتو عن عدم رضاهم من قيادة بايدن ودعمه المتدرّج للحرب، وتردّده في توفير الأسلحة لكييف وموافقته على ضربها للعمق الروسي.
وتساءل دبلوماسي أوروبي بارز في واشنطن: هل تقود الولايات المتحدة، أما أنها تشارك كالبقية؟.
ويأتي التذمّر من الدول المتشدّدة في أوروبا، التي تريد تدفق الدعم العسكري لأوكرانيا، وبدون شروط على استخدامه. وآراء بايدن معروفة عن أوكرانيا، وكرّرَ عدداً منها في المناظرة مع ترامب. ووصف فلاديمير بوتين بمجرم الحرب، الذي يريد إحياء الإمبراطورية الروسية، وليس أَخْذ قطعة فقط من أوكرانيا. وهذا الكلام، إلى جانب الدعم الأمريكي، يعطي بايدن موقفاً قوياً في القمة، في وقت أقام فيه علاقات مع دول الناتو، حسبما يقول المسؤولون الأمريكيون.
إلا أن بايدن، المعروف بدفاعه عن أجندة الديمقراطية، أقام علاقات مع حكومات متشدّدة، مثل رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الداعي لتولّي أوروبا مسؤولية دفاعاتها. ورغم رضا الحلفاء عن فترة حكم بايدن، إلا أنهم لم يتخلصوا من فكرة عمره. وليس لأنهم غضبوا عن تأخره على بعض الاجتماعات أو تركها، بل ولأنه يتحدث أكثر من خلال بطاقات مكتوبة، بصوت بطيء وهادئ ويمشي بطريقة متصلبة من الصعب عليهم تجاهلها.
وهم قلقون على موقفه السياسي، وفرص انتخابه، لمعرفتهم أن عمره بات تُهمة. وقال دبلوماسي أوروبي: “يبدو لي أنه سيواجه صعوبة في مواصلة حملته والبقاء فيها”، ويعود الأمر للديمقراطيين لاستبداله، إلا أنه يجب عليهم “التفكير بكلّ الخيارات”، حسب قوله.
وتأتي مشكلة إعادة انتخاب بايدن وسط تغيرات جذرية في الدول الأوروبية، فقد فاز حزب “العمال” بغالبية ساحقة يوم الخميس، ويواجه ماكرون مشكلة فوز اليسار في جولة الإعادة، يوم الأحد، وهيمنة اليمين المتطرف على الجمعية الوطنية، ما سيقيّد حركته على مواصلة سياساته. أما المستشار الألماني أولاف شولتز، فبات مثل البطة العرجاء بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي أضعفته.
ويقول إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا، إنه استمع مباشرة لقلق حول وضع بايدن من الكثيرين في مجموعة الدول السبع، “ولا تزال أوكرانيا الموضوع الأهم”، ولكن القلق حول بايدن، والخوف المتزايد من الأوروبيين بشأن ترامب يحرف النظر، وبشكل متزايد، عن الحوارات الجوهرية.