المشكلة ليست في الرئيس بايدن بل بالدستور الذي سمح لمحتال بتولي أقوى منصب في العالم
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” مقالاً لسايمون تيسدال قال فيه إن مشكلة أمريكا ليست بايدن، بل المخاطر على الديمقراطية التي يمثلها دونالد ترامب.
وأضاف أن الأمر لم يكن له علاقة بما قاله جو بايدن، بل بالطريقة التي نطق بها، فقد كان صوته ضعيفاً، ومهتزاً، وضلّ الطريق، ونسي ما كان يقوله، وظهر ضعيفاً ومتقدماً في السن. وكانت العاصفة الشديدة التي انهالت عليه من أصدقائه وأعدائه بعد المناظرة التلفزيونية المخيبة للأمل والكارثية، وكان من المؤلم مشاهدتها.
وشعر الجمهوريون بالنشوة، وهم يعتقدون أن الحملة انتهت باستثناء التصويت. وزعموا أن بايدن كان له هدف واحد من المناظرة، وهو الفشل في إثبات أنه قادر على قيادة البلد في سن الـ 81 عاماً. وربما وافق الأمريكيون مع هذا الرأي، باستثناء أنه متقدم في العمر، ولكن ليس من الواضح كيف ستؤثر هذه المناظرة الأخيرة على مواقف الناخبين الذين لم يقرروا بعد.
ولا يوجد هناك أي قيادي ديمقراطي عبّر عن استعداد للتلويح بسكينه ويطعن بايدن، وربما تغيرت المواقف لاحقاً.
ويرى تيسدال أن المناظرة لحظةٌ حادة لأزمة الانتخابات الأمريكية، ومع ذلك يجب على العالم التوقف وأخذ نفس عميق قبل أن يقرر دفن بايدن وآمال الديمقراطيين في إعادة انتخابه.
وما اختفى في الأصوات الناقدة لبايدن هو الأداء الشنيع لترامب. فقد ظهر كأنه طير جارح، لا كرئيس، وأقل من مرشح بقدر ما كان مثاراً للسخط وثعباناً متنمراً. وكذب مراراً وتكراراً، وبدون حياء، وبالنسبة إليه كل السياسات متحيزة ضده. وكان النقاش فرصة ذهبية للتذكير بخطورة هذا الرجل.
وكانت لدغات ولكمات ترامب لا تقوم على الحقيقة. وزعم أن بايدن فاسدٌ رشتْه الصين، وبدون دليل. وزعم أن موجات من المهاجرين تدخل أمريكا و”تقتل مواطنينا”، وبمستويات غير مسبوقة، وهذا كلام غريب ومبالغ فيه.
والأكثر سخافة الزعم بأن بايدن “شجّع” روسيا على غزو أوكرانيا. وترامب معجب بفلاديمير بوتين، وهو يحنّ لأن يكون ديكتاتوراً مثله.
ويعتقد تيسدال أن هذه المناظرة أثبتت أمرين؛ الأول أن بايدن يكافح، وبشكل قاتل، وكان يجب أن يتمتع بالحس، والتخلي عن الذات، ويتنحى طوعاً، وقبل أن يصل لهذه الحال التي يؤسف لها. أما الأمر الثاني، فهو أن ترامب بشكل عام ليست لديه مبادئ، أو ليس مناسباً للحكم، وكل ما يقوم به هو الرغي وقذف الكراهية، ولا يرعوي عن أي شيء طالما انتخب. ولو سمح له بالعودة للمكتب البيضاوي فسيعلن عن مرحلة انتقام.
وأكدت المناظرة أن الوقت قد حان للتعامل مع خطر ترامب بجدية، وقد زادت أكاذيبه ومواقفه المعادية للديمقراطية، وكراهية النساء، وعداؤه للأجانب، كل ذلك أصبح عادياً. وأدت هزيمته، عام 2020، إلى أمل ورضى عن الذات. وكما تظهر الاستطلاعات، فإنه عاد، وفي الحقيقة لم يذهب، ولو عقدت انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر اليوم لكان قد فاز. وما عليك إلا أن تفكر بشهادة جون كيلي، رئيس طاقم البيت الأبيض. ووصف كيلي مديره السابق بأنه “لا يقول الحقيقة بشأن حماية الجنين غير المولود، المرأة والأقليات وحتى المسيحيين الإنجيليين واليهود والطبقة العاملة من الرجال والنساء”. وقال كيلي إن ترامب ليست لديه فكرة عن المبادئ التي تدافع عنها أمريكا، وهو معجب بالمستبدين، القتلة والدكتاتوريين، وليس لديه أي احترام لمؤسساتنا الديمقراطية ودستورنا وحكم القانون.
أو فكِّرْ بخطة ترامب لأمريكا والعالم، والتي تضم ترحيل ملايين من المهاجرين غير المسجلين، وشن حرب تجارية حول العالم، وفرض ضريبة 10% على الصادرات، والتخلي عن أوكرانيا، والتنقيب عن الذهب، وتفريغ الناتو من هدفه، وعبأ المحكمة العليا بالقضاة الذين عيّنهم من أجل الحصول على دعمهم له كرئيس، وعمل ما يريد. وقال، مرة أخرى، إنه لن يقبل بالهزيمة. ولم تكشف المناظرة عن أن ترامب لم يتغير وبسلوك مضطرب، بل وأكد المشاكل الدستورية الأساسية التي مكّنت هذا الرجل الدنيء للمضي، وبسرعة كبيرة، ويتولى أعلى وأقوى منصب في العالم. فالأزمة ليست عن ترامب، ولكن حول طريقة عمل أمريكا.
فقد كتب الآباء المؤسسون الدستور قبل 235 عاماً لمجتمع زراعي لا يزيد عدده عن 4 ملايين نسمة، منهم 700,000 شخص كانوا رقيقاً، ولم يتصوروا أن يتولى شخص غريب مثل ترامب السلطة.
وأكبر قلق كان لدى هؤلاء الآباء هو منع “استبداد الأغلبية”، وعنوا فيه سلطة الكثيرين، بمن فيهم غير البيض، لإملاء ما يريدون على الأقلية. لكن مشاكل اليوم هي عكس هذا التصور. فنظام المجمعات الانتخابية، والمؤسسة غير المتوازنة، مثل مجلس الشيوخ، حيث تحظى كل ولاية من الولايات الخمسين بمقعدين، بعيداً عن حجمها أو مساحتها، وكذلك تعيين القضاة، وبقاؤهم في مناصبهم مدى الحياة، والأقليات السياسية التي تمارس تأثيراً كبيراً على القرارات السياسية.
ومثل جورج دبليو، عام 2000، فاز ترامب عام 2016 بالمجمعات الانتخابية، لكنه خسر الأصوات الشعبية.
وفي كتابه الجديد “استبداد الأقلية” يناقش العالمان السياسيان بجامعة هارفارد ستفن ليفستكي ودانيال زيبلات أن الفشل في إصلاح المؤسسات القديمة، والتي تسهل وتشجع تقدم أقليات متطرفة، ترك البلاد عرضة للأزمة التي نعيشها اليوم.
ومثل ترامب، فإن 147 مشرعاً دعموا انقلابه على الانتخابات لا يحترمون قواعد الديمقراطية: لقد مررنا بالكاد من انتخابات 2020، وحتى لو عبرنا انتخابات 2024 وديمقراطيتنا على حالها، فإننا سنظل في حالة هشة تظل في الانتخابات الوطنية حالة طوارئ، إلا إذا أصلحنا ديمقراطيتنا.
وكان وضع بايدن، قبل المناظرة، في حالة خطيرة. فقد منح استطلاع موثوق، في الأسبوع الماضي، ترامب تقدماً على بايدن بثلاث نقاط، وهو متفوق على بايدن في كل الولايات المتأرجحة. وحتى لو بقي بايدن في السباق، فهو بحاجة لمعجزة من الآن وحتى تشرين الثاني/نوفمبر، ولكن البديل مرعب. وكما قال معلق؛ على الناخبين الاختيار بين رجل عجوز ورجل محتال.