لماذا لا تقول واشنطن الحقيقة بشأن رصيف غزة؟
نشر موقع “ريسبونسيبل ستيت كرافت” الأمريكي تقريرًا تحدث فيه عن مزاعم إدارة الرئيس بايدن إزاء قيادة بلاده الجهود الدولية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وأن الإمدادات “تتدفق إلى الفلسطينيين” عبر عملية الرصيف العسكري هناك.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، إن إدارة بايدن تريد أن تصدق أن الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وأن الإمدادات “تتدفق إلى الفلسطينيين” عبر عملية الرصيف العسكري هناك.
وقد أعلن المتحدث باسم البنتاغون، اللواء بات رايدر، يوم الاثنين، أنه حتى الآن، تم تسليم 1573 طنًا من المساعدات من الرصيف إلى الشاطئ، بما في ذلك 492 طنًا منذ إعادة فتحه يوم السبت بعد أن تسببت بعض الأحوال الجوية السيئة في توقفه عن العمل الشهر الماضي.
لكن الإمدادات من الرصيف لا تتدفق إلى الفلسطينيين، ولم يحدث ذلك أبدًا. ولم يصل فعليا أي طعام من الرصيف على ساحل غزة إلى سكان غزة الذين يتضورون جوعا منذ أن بدأ تشغيله في 17 أيار/ مايو.
وقال برنامج الأغذية العالمي إن 15 شاحنة فقط من الرصيف وصلت إلى مستودعاته داخل غزة للتوزيع في الفترة من 17 إلى 18 أيار/ مايو. وأنه لم تصل أي مساعدات من الرصيف في الفترة من 19 إلى 21 أيار/ مايو.
وأوضح الموقع أنه في رفح على وجه التحديد؛ لن تصل المساعدات إلى الفلسطينيين المحتاجين ما دام الهجوم العسكري الإسرائيلي مستمرًّا. وكان برنامج الأغذية العالمي قد أوقف جميع عمليات التسليم إلى رفح في 21 أيار/ مايو بسبب الغزو الإسرائيلي للمدينة.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن برنامج الأغذية العالمي يوم الأحد أنه “أوقف مؤقتًا” توزيع أي مساعدات إنسانية أخرى من الرصيف بسبب مخاوف أمنية بعد عملية إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة أسفرت عن مقتل حوالي 300 فلسطيني في اليوم السابق. يُذكر أن برنامج الأغذية العالمي هو وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تنسيق عمليات التسليم من الرصيف إلى غزة.
وستبقى الـ 492 طنًا من المساعدات التي تفاخر بها البنتاغون في مستودعات على الشاطئ حتى إشعار آخر. وفي الوقت نفسه؛ تقول الأمم المتحدة إن جميع العمليات الإنسانية في غزة على وشك الانهيار.
وأكد الموقع على أن الحقيقة هي أن “الممر الإنساني البحري” الذي تبلغ تكلفته 320 مليون دولار والذي أعلن عنه بايدن لأول مرة خلال خطاب حالة الاتحاد في آذار/ مارس، لا يعمل، على الأقل لا يعمل بالنسبة للفلسطينيين. إنه يخدم مصالح إدارة بايدن من خلال جعل الأمر يبدو وكأن الولايات المتحدة “تفعل شيئًا” من أجل السكان المدنيين بينما تدعم السياسة الإسرائيلية التي تدمرهم وتجوعهم. فالرصيف البحري، في جوهره، يوفر غطاءً إنسانيًا لسياسة غير رحيمة.
واردات الرصيف الأول
وذكر الموقع أن مسؤولي إدارة بايدن يقولون إن الرصيف ليس فشلاً أو نشاطًا للعلاقات العامة لكن النقاد يختلفون.
في 17 أيار/ مايو، وهو اليوم الأول الذي بدأ فيه تشغيل الرصيف، قال جيريمي كونينديك، المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والرئيس الحالي لمنظمة اللاجئين الدولية، إن “الرصيف يعد مسرحًا إنسانيًا. ويتعلق الأمر بالبصريات السياسية أكثر بكثير من المساعدات الإنسانية”.
وفي 23 أيار/ مايو، ردًا على سؤال صحفي حول تعليقات كونينديك، قال دان ديكهاوس، مدير الاستجابة الإنسانية في المشرق العربي التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: “كما تعلمون، لن أطلب في غضون يومين الحصول على ما يكفي من الغذاء والإمدادات الأخرى لعشرات الآلاف من الأشخاص. يحق للجميع إبداء آرائهم، ولكن أعتقد أننا نقدم بالفعل مساهمة ذات معنى في الجهد الشامل”.
لكن وفقًا لبيانات المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة الخاصة بواردات الغذاء إلى غزة في الفترة من كانون الثاني/ يناير وحتى أيار/ مايو، فقد وصلت مساعدات غذائية أكبر بكثير إلى سكان غزة قبل فتح الرصيف الأمريكي. وفي السابع من شهر أيار/ مايو، أغلقت القوات الإسرائيلية معبر رفح في إطار اجتياحها للمدينة.
وأشار الموقع إلى أنه بحلول نهاية الشهر، وصل في شهر أيار/ مايو عدد أقل من 66,181 سلة غذائية إلى الفلسطينيين مقارنة بشهر نيسان/ أبريل. ولم يقترب الرصيف، الذي تم افتتاحه في 17 أيار/ مايو، من تعويض هذا النقص، فوفقًا للجيش الإسرائيلي، وصل 1806 أطنان فقط من المواد الغذائية من الرصيف إلى مراكز وكالات الإغاثة في غزة قبل أن ينهار في عاصفة يوم 25 أيار/ مايو.
وفي الوقت نفسه، تتراكم المواد الغذائية وغيرها من المساعدات خارج غزة عند معبر رفح البري.
ونوه الموقع إلى أنه لم يكن يدخل إلى غزة ما يكفي من الغذاء قبل أن تغلق إسرائيل معبر رفح أيضًا.
فخلال شهر آذار/ مارس من هذه السنة، كانت الواردات الغذائية الشهرية إلى غزة مماثلة تقريبًا لما كانت عليه في سنة 2022، على الرغم من أن الاحتياجات الغذائية أصبحت الآن أعلى بخمس مرات مما كانت عليه في ذلك الوقت. ونفذت خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لفلسطين في سنة 2022 مبلغ 226 مليون دولار للأمن الغذائي والتغذية. وتبلغ متطلبات هذه القطاعات في سنة 2024 1.1 مليار دولار.
البصريات السياسية
وبحسب الموقع؛ فقد خلص تقرير جديد صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي إلى أن 1.1 مليون فلسطيني قد يواجهون المجاعة بحلول منتصف تموز/ يوليو، ويرجع ذلك أساسًا إلى “الأثر المدمر للصراع المستمر” و”القيود الشديدة على الوصول والبضائع”. وتسمح إدارة بايدن بالمشكلة الأولى من خلال شحن الأسلحة إلى إسرائيل كل 36 ساعة وتتسامح مع المشكلة الثانية من خلال رفض استخدام النفوذ الذي توفره تلك الشحنات لمنع إسرائيل من عرقلة المساعدات.
وينكر البعض وجود هذا النفوذ، لكن بايدن أثبت وجوده بالفعل. ففي 9 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت فرض “حصار كامل” على غزة، متعهدا بأنه “لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود. وسيتم إغلاق كل شيء”.
وبعد بضعة أسابيع، تعرض غالانت لضغوط من قبل مشرعين في الكنيست حول سبب موافقته على السماح بدخول قدر ضئيل من المساعدات من مصر. وأجاب غالانت أن “الأمريكيين أصروا ولسنا في موقف يُخوّلنا أن نرفض طلبهم. نحن نعتمد عليهم في الطائرات والمعدات العسكرية. ماذا علينا أن نفعل؟ نقول لهم لا؟”.
وأكد الموقع على أن اعتماد إسرائيل على الأسلحة والحصانة السياسية من الولايات المتحدة يضع بايدن في موقف قوي للغاية للتأثير على ما تفعله إسرائيل وما لا تفعله في غزة. وتعكس الظروف الحالية على الأرض خيارات سياسة بايدن. وفي الوقت الحالي، تقصف إسرائيل المراكز المدنية باستخدام ذخائر أمريكية الصنع، في حين أن توصيل المساعدات للفلسطينيين المحتاجين “يكاد يكون مستحيلاً”، والمجاعة وشيكة في غزة.
وبدلاً من تغيير هذه الظروف بمكالمة هاتفية مع القيادة الإسرائيلية، طلب بايدن من الجيش الأمريكي بناء رصيف بحري.
واختتم الموقع التقرير بما قاله تقرير منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي، من أنه “في غياب وقف الأعمال العدائية وزيادة إمكانية الوصول، سيزداد تأثير ذلك على الوفيات وحياة الفلسطينيين الآن، وفي الأجيال المقبلة، سيزداد بشكل ملحوظ مع كل يوم، حتى لو تم تجنب المجاعة على المدى القريب”.