هل تحولت مستشفيات مصر إلى كابوس يعيشه المرضى والمصابون الفلسطينيين؟
المستشفى مثل السجن، لا علاج فيه، بل مكان للنوم فقط. لم أخرج من المستشفى منذ أربعة أشهر، قال أحد سكان غزة الذي عرف نفسه باسم محمد، لموقع “مدى مصر” المصري. محمد الذي فر من القطاع، قال إن المرضى لا يجدون أدوية كافية لمرضهم المزمن، ولا علاج مناسباً لهم، ووضع مرضى السرطان صعب بشكل خاص. وعلى المرضى البقاء داخل المستشفى، ولا خروج إلا لفترة قصيرة وبمرافقة رجل أمن مصري. وقالت مريضة أخرى إنه في الساعة التاسعة مساء، يجب على المرضى الدخول إلى الغرف والمكوث فيها حتى الصباح. “يستخدمون الجرس كما المدارس، لإبلاغنا للدخول إلى الغرفة. لا يسمح للأطفال اللعب، ويحظر التنزه في الخارج، ويشدد رجال الأمن على عدد المرات المسموح لكل مريض فيها بالخروج إلى الخارج”، قالت المريضة.
مريض آخر، عرف نفسه باسم ماجد، قال إن رجل أمن أخذه إلى مخزن كبير في المستشفى، وعرض عليه ألعاباً ومعدات أخرى وصلت، تم التبرع بها للمرضى. “قال لي بأن هناك ما يكفي من التبرعات، وأننا لسنا بحاجة إلى تبرعات أخرى. سألته لماذا لا يوزعون المعدات؟ فأجاب: سيتم توزيع هذه المعدات مستقبلاً. أدركت بأنهم يوزعونها وفق حصص، وبعض التبرعات لا تصل إلى المرضى”. المشكلة الأخطر هي طبيعة ونوعية العلاج لهؤلاء المرضى الذين وصلوا من غزة. أحد المواطنين، محمد المغربي، الذي يرافق شقيقه المصاب أحمد الذي هو بحاجة إلى إجراء عملية بعد إصابته في كانون الأول في هجوم إسرائيلي، قال إنه وصل إلى مستشفى في بور سعيد في البداية، ولكنهم لم يجروا له العملية. ومن هناك تم نقله إلى مستشفى في الإسماعيلية، حيث مكث 45 يوماً، بدون إجراء عملية له وبدون علاج. في النهاية، نقل إلى مستشفى دار الشفاء في القاهرة، ولم يتم إجراء العملية له أيضاً هناك.
وقالت مريضة بالسرطان، إنها اضطرت للانتظار أسابيع في المستشفى قبل أن تجد مكاناً للعلاج الكيماوي الذي تحتاجه. في حالات كثيرة أخرى، يضطر المرضى لشراء الأدوية وإدخالها سراً إلى المستشفى. في حالات أخرى، ثمة مرضى حصلوا على إذن انتقال من غزة إلى مصر بسبب الوضع الصحي الصعب، وكان يجب أن يذهبوا إلى الإمارات أو تركيا لاستكمال العلاج في ظروف أفضل، ولكنهم وجدوا أنفسهم عالقين لأشهر في مصر بدون علاج.
وقال ممثلو منظمات الإغاثة إنهم لا يستطيعون جمع المعلومات عن عدد المرضى الغزيين في مستشفيات مصر، وفقاً لتعليمات قوات الأمن المصرية، يحظر على المستشفيات إعطاء أي معلومات. واضطرت هذه المنظمات لجمع المعلومات بشكل غير مباشر، بالتظاهر أنهم زوار جاءوا يعودون مرضى مصريين، أو بجمع معلومات غير دقيقة من الأطباء والممرضات. هذه المعلومات، حسب المنظمات، حيوية من أجل تحديد احتياجات هؤلاء المرضى الفورية، مثل شراء الأدوية غير المتوفرة في المستشفى، أو تقديم خدمات أخرى مثل العثور على مأوى بعد العلاج، أو المساعدة على التواصل بين المرضى وأقاربهم وأصدقائهم.
وزارة الصحة في مصر نشرت الشهر الماضي بأن حوالي 5500 مريض ومصاب وصلوا إلى مصر من غزة قبل إغلاق المعبر. المتحدث بلسان وزارة الصحة المصرية، حسام عبد الغفار، قال لوكالة أنباء “وفا” الفلسطينية بأن الوزارة شكلت لجنة متابعة خاصة لعلاج المرضى والمصابين الذين يصلون من غزة. وحسب قوله، ثمة خطة منظمة ترسل المرضى إلى عشرات المستشفيات في أرجاء مصر مع فحص الوضع الصحي لكل غزي يجتاز الحدود. ربما توجد خطة، لكن من يطلع على الخدمات الصحية العامة في مصر يعرف أنه حتى في الظروف العادية، بدون حرب، من الأفضل للمواطن الذي يريد الحفاظ على صحته أن يبتعد عن المستشفيات هناك. طبيب يعمل في مستشفى في بور سعيد، قال إنه عندما طلب منه شخص التبرع بكراسي متحركة للمعاقين والمرضى، حظرت قوات الأمن إدخال الكراسي إلى المستشفى. ولم يسمح بذلك إلا بعد دفع الرشوة.
ليس المرضى والمصابون الغزاويون وحدهم الذين يرون هربهم من القطاع إلى مصر بات كابوساً؛ فحسب معطيات غير رسمية، يعيش في مصر الآن أكثر من 100 ألف لاجئ من غزة، لكن معظمهم في مكانة مقيم غير قانوني. التأشيرة التي حصلوا عليها مدتها 45 يوماً، وطلب السفير الفلسطيني في مصر، دياب اللوح، إعطاءهم تأشيرة دخول لفترة أطول، لم يتم الرد عليه حتى الآن. منظمات مساعدة ومتطوعون مصريون يريدون جمع التبرعات المالية، قالوا لموقع “مدى مصر” المصري وموقع “درج” اللبناني، إنهم يواجهون مشكلة قانونية. لتجنيد التبرعات يجب عليهم التسجيل كجمعية والحصول على مصادقة السلطات. هذه إجراءات بيروقراطية طويلة ومتعبة، تستخدمها الحكومة في مصر كجزء من سياسة قمع الجمعيات بشكل عام، لمنع “التبرعات المشبوهة” من الخارج. هذا القانون يضر باللاجئين من غزة الآن، وفي الوقت نفسه، فإن الذين يملكون تأشيرة سارية المفعول غير مسموح لهم العمل أو فتح مصالح تجارية صغيرة لإعالة أنفسهم وتمويل مكوثهم.
لم تنشئ مصر مخيمات لاجئين لاستيعاب المهجرين. و”الحصار” غير الرسمي الذي تفرضه على المستشفيات تبرره بالأسباب الأمنية، التي تستند إلى خوف من تسلل جهات متطرفة من غزة إلى مصر. “الكثير من اللاجئين الذين وصلوا إلى مصر لا يملكون سوى ملابسهم التي يرتدونها، ولا يملكون أموالاً ولا أصدقاء أو أقارب لهم”، قالت موظفة في إحدى منظمات المساعدة. “السفارة الفلسطينية في مصر يمكنها معالجتهم، لكن لا تملك السفارة الأموال أو الوسائل لتقديم المساعدات الفورية المطلوبة”. لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” مكتب صغير في القاهرة، وهو غير مؤهل للتعامل مع عدد كبير من اللاجئين.
بإغلاق مصر لمعبر رفح سد منذ أيار ثغرة الهرب الضيقة أمام آلاف المصابين والمرضى في غزة. يعاني القطاع من نقص كبير في الأدوية والمعدات والطواقم الطبية. لجنة الإغاثة الدولية، برئاسة ديفيد ميلفنت، حذرت من أن حوالي 12 ألف شخص قد يموتون بسبب الأمراض حتى لو تم التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وأن حوالي 90 ألف غزي قد يموتون بسبب تأثيرات غير مباشرة وتعقيدات لأمراض وظروف صعبة. حسب هذه اللجنة، فإن حوالي 12 مركزاً طبياً يعمل بشكل جزئي في القطاع، وقتل أكثر من 480 شخصاً من الطواقم الطبية واعتقل منهم أكثر من 160.
يبدو أن الجهة التي تقلق من إغلاق المعبر هي اتحاد القبائل في سيناء، الذي نشر بعد إغلاق المعبر بياناً متشدداً يطالب بفتح المعبر على الفور أو إقامة معبر آخر. قلق هذا الاتحاد مفهوم، ويترأسه رجل الأعمال البدوي إبراهيم العرجاني، صاحب شركة “هلا”، التي تمتلك امتيازاً من المخابرات المصرية لنقل البضائع وترتيب عبور الأشخاص من غزة إلى مصر وبالعكس. العرجاني، المقرب من الرئيس السيسي، ربح عشرات ملايين الدولارات من “رسوم ودفعات أخرى جباها مقابل ترتيب عمليات النقل والانتقال”. منذ إغلاق المعبر وهو يخسر مليوني دولار في اليوم. بسبب ضغطه وضغط القبائل البدوية ربما تحدث معجزة للمرضى والجرحى الغزيين.