بوادر انقلاب بالجيش الإسرائيلي
سنصغي إلى زعيم واحد، وهو ليس وزير الأمن يوآف غالانت أو رئيس الأركان هرتسي هاليفي، بل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يجب إبادة سكان غزة، بمن في ذلك الأطفال الصغار، هل كنتم تريدون انقلابا عسكريا؟ ها نحن جنود الاحتياط -الذين لم يعد بإمكانهم العودة إلى ديارهم- سنوضح لكم ما هو الحسم.
كان هذا ملخص رسائل “فيديو التمرد” الذي نشره الإعلامي الإسرائيلي يانون مغال على مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية وحصد مئات الآلاف من المشاهدات، وظهر فيه جندي إسرائيلي من قوات الاحتياط ملثما ويرتدي بزته العسكرية ومدججا بالسلاح ويدعو إلى التمرد على وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان، ويعلن أنه وزملاءه لن يصغوا إلا لقائد واحد هو نتنياهو.
وأثار “فيديو التمرد” -كما وصفه المحللون الإسرائيليون- ردود فعل غاضبة أجبرت يائير نتنياهو نجل رئيس الوزراء على حذفه بعد مشاركته والترويج له.
بالمقابل، واصل الصحفي مغال المقرب من رئيس الوزراء دفاعه عن الفيديو، منتقدا أحزاب المعارضة الإسرائيلية التي اتهمها بالسعي للتمرد والانقلاب على حكومة نتنياهو خلال الحرب.
وأجمع محللون إسرائيليون على أن الفيديو “خطير” ويدعو إلى التمرد ويقوض التسلسل القيادي في رئاسة هيئة الأركان والجيش الإسرائيلي، مشيرين إلى أنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي كتب جندي الاحتياط على حسابه عبر منصة “إكس” بشأن التحقيق في إطلاق النار على المقاتلين بعد إلقاء القبض عليهم “نحن في الميدان، سنطلق النار على ما نقرره، ومتى نقرر وكيف”.
مثيرة للجدل
وبحسب تقديرات المحللين، تم تصوير الفيديو في أحد المباني بغزة وعليه كتابات لحركة “كاخ” العنصرية التي ينحدر منها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي يرأس حزب “عظمة يهودية”، وكذلك عنوان الحاخام المتطرف مائير كاهانا الذي يؤمن بفرادة الشعب اليهودي وتميزه عن مختلف شعوب العالم وقداسة “أرض إسرائيل” و”الخلاص المسيحاني”.
في الأشهر الأخيرة، يقول مراسل الشؤون العسكرية في الموقع الإلكتروني “والا” أمير بوخبوط إنه تم توثيق حالات غير عادية ومثيرة للجدل لجنود من الجيش الإسرائيلي في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك تصريحات سياسية، ومواقف عن سير القتال واليوم التالي للحرب.
وأوضح المراسل العسكري أن جندي الاحتياط الذي ظهر في “فيديو التمرد” المثير للقلق سبق أن نشر منشورات مؤيدة لتشريعات الحكومة لتعديل النظام القضائي، وأخرى معارضة للمظاهرات المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، وعارض بمنشوراته تعليمات غالانت في إدارة الحرب، كما أعرب عن دعمه غير المشروط لرئيس الوزراء والعملية العسكرية في رفح.
وفي مؤشر على خطورة فحوى الفيديو على المؤسسة العسكرية، قال بوخبوط إن “الشرطة العسكرية أخضعت جندي الاحتياط للتحقيق بتهمة الشغب والتحريض عليه وعصيان التعليمات ومخالفات أخرى، حيث تقرر طرده من الخدمة العسكرية، في حين تواصل وزارة الأمن التحقيق الذي ستتم إحالة نتائجه إلى مكتب المدعي العام العسكري”.
آلة السم
ومع استمرار التحقيق حذّر آفي أشكنازي مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “معاريف”من خطورة الفيديو، قائلا إنه “لا يهم إذا كان فيديو التمرد حقيقيا أم لا، لكن في ظل استمرار الحرب على غزة أخذت تتشكل بوادر لمحاولة انقلاب عسكري”.
وأوضح أشكنازي أنه عقب انتشار الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي استغرق الأمر من الجيش الإسرائيلي ما يقارب 15 ساعة ليعود إلى رشده، ليدرك ويعي حجم وقوة وتأثير هذا الفيديو على المجتمع.
وأضاف المراسل العسكري “لا يهم إذا كانت الشخصية في الفيديو هي بالفعل لجندي احتياط موجود في غزة أو لشخص يتظاهر بأنه مقاتل، فالحقيقة واحدة، هناك محاولة لإحداث انقلاب داخل الجيش أثناء الحرب، هناك محاولة للمساس بشرعية الانصياع لأوامر قادة الجيش على كافة المستويات، ومحاولة للمساس بشرعية وزير الأمن للقيام بالتزاماته وفق فهمه”.
ويعتقد أن “فيديو التمرد” هو جزء من “آلة السم” في الخطاب الإسرائيلي، لافتا إلى أن نشره يتزامن مع الحملة التي يقوم بها بعض السياسيين في الائتلاف الحكومي ضد الجيش، وقال إن مضمونه يتناغم مع جوهر تصريحات بعض السياسيين منذ أسابيع، وإن ارتباط الأقوال والتلميحات مهّد إلى تصوير هذا الفيديو.
التهديد الحقيقي
وتعليقا على السجال في المجتمع الإسرائيلي بشأن “فيديو التمرد” كتب المحلل العسكري لصحيفة “إسرائيل اليوم” يوآف ليمور مقالا بعنوان “لا غزة ولا لبنان.. التهديد الرئيسي لإسرائيل هو في الداخل”.
واعتبر ليمور في مقاله أن الفيديو يضاف إلى سلسلة من الفيديوهات والتغريدات التي نشرها العديد من الجنود، والتي تعكس عدم الانصياع للكثير من الأوامر العسكرية.
ويعتقد المحلل العسكري أن مثل هذه التحركات والتصرفات لبعض الجنود تتطلب تسليط الضوء على رئيس الأركان هاليفي الذي بدأت قبضته على الجيش الإسرائيلي تتراخى بشكل خطير، وعلى رئيس الوزراء نتنياهو الذي يدعم صمته الواضح استمرار الاستقطاب داخل الجيش والتصعيد ضد قادته، وهو ما يضاف إلى الظواهر مثل الدعوة للتمرد، والتي وصفها بـ”غير القانونية والإجرامية”.
وأوضح أن مثل هذه الأحداث مزعجة ومقلقة، وحذر قائلا “في بداية مجراها وحدت الحرب الجمهور الإسرائيلي الذي وضع الخلافات التي سبقتها جانبا وتجند للخدمة العسكرية الشاملة، ودعا إلى رفع العلم دفاعا عن الوطن”.
لكن الآن -يقول ليمور- “تحت قيادة غير مسؤولة وبائسة يعود الجمهور الإسرائيلي إلى نقطة البداية، وفي ظل ظروف أسوأ بكثير وكل من تصور أن التحدي الرئيسي الذي يواجه إسرائيل يكمن في غزة أو لبنان أو في الأمم المتحدة فهو واهم، فالتهديد الرئيسي الذي يواجهها -كما طوال تاريخها- يكمن في الداخل”.