غزة ستُصبح نقطة تحول تاريخية وستُعيد تشكيل العالم
أكد الكاتب والأكاديمي التركي المعروف يوسف قابلان، أن النظام العالمي الذي أنشأه الغربيون سيتم إعادة تقييمه من جميع النواحي وستُصبح غزة نقطة تحول تاريخية وستُعيد تشكيل العالم من جديد.
ولفت قابلان في مقال بصحيفة يني شفق إلى أن غزة تتعرض لفظائع لم يشهدها التاريخ البشري من قبل، حيث يتم إبادة ثلاثة أجيال في نفس الوقت: الأطفال، جيل المستقبل الذي سيبني فلسطين، والجيل الأوسط الذي يمثل حاضر المجتمع الفلسطيني ويحافظ على تماسكه، والجيل الأكبر سناً الذي يمثل ذاكرة هائلة ومصدرًا للنضال والإلهام، كلها تُباد في آن واحد.
وقال: شعب يُباد ماضيه ومستقبله… شعب يُقضى عليه بمدنه وتاريخه وثقافته وذاكرته. شعب يُحاول محوه من الخريطة والتاريخ بشكل تام. ولكن يبدي هذا الشعب إرادة فولاذية في المقاومة ضد أشد الهجمات الوحشية. فيرفض الخضوع للدولة الإرهابية إسرائيل التي تحاول إجباره على الانحناء، ويعلن للعالم أجمع أنه لن ينحني أمامها، مقدماً أروع المُثل في البطولة والمقاومة الأسطورية.
وشدد قابلان على أن مقاومة الفلسطينيين واندفاعهم نحو الموت والشهادة وكأنهم ذاهبون إلى عرس أو عيد، وصمودهم وإيمانهم الراسخ، خاصةً بين الشباب، أثارت إعجاب الشعوب الغربية وحطمت جميع الأفكار المسبقة عن الإسلام، مما أدى إلى اهتمام كبير وتعاطف مع الإسلام.
وأضاف: تُظهر لنا هذه الأحداث جميعًا شيئًا خفيًا لا يمكن إدراكه بسهولة عند النظرة الأولى، فلأول مرة في التاريخ الحديث منذ سقوط الدولة العثمانية، يتصَدّر الإسلام موقعه كفاعل رئيسي، وجاءت غزة لتكون نقطة الذروة لهذا التطور.
بدأت هذه العملية عام 1989 مع نهاية الحرب الباردة، حيث تم تطوير مفهوم جديد للعدو، وتم استهداف الإسلام كعدو جديد للنظام العالمي، وشنّت حرب شاملة ضد هذا العدو على جميع الأصعدة تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”.
وقال إن عملية الحرب على الإسلام، التي استمرت قرابة نصف قرن باستخدام الأساليب الحديثة الخبيثة، أساليب حركة “ما بعد الحداثة”، تشبه اليوم وحش “فرانكشتاين”، فالمجزرة والإبادة الجماعية التي شنتها دولة الإرهاب إسرائيل في غزة، تُحدث تأثيرًا عكسيًا وتضرب الغرب في الصميم. لقد أصبحت غزة أصبحت مقبرة للحضارة الغربية. وهاهي الحضارة الغربية تنتحر في غزة.
على مدار نصف قرن، اتبعت الدول الغربية استراتيجية حرب ما بعد الحداثة ضد الإسلام. لقد ساعدتهم هذه الاستراتيجية على اختراع عدو لدود، مما سمح لهم بتبرير هيمنتهم غير العادلة وإطالة عمر النظام الرأسمالي لفترة أطول. لكن هذه العملية لم تدمر من خلال الإبادة الجماعية في غزة وحسب، بل أثبتت أيضاً أن الصورة التي اخترعها الغرب عن الإسلام والتي تظهره كعدو شرس ماص للدماء، هو في الواقع بريء منها، وأن أبناءه مظلومون.
لقد انهارت جميع ألعابهم على مدار نصف قرن، في لحظة واحدة. ودمَّر الله تعالى خططهم على رؤوسهم بطريقة تجعل من الصعب عليهم التعافي مرة أخرى.
سيهاجم المتعصبون اليهود والشيعة هنا وهناك كالألغام الضالة، وبإذن الله، لن يتمكنوا من إطفاء شعلة المقاومة الفلسطينية التي ستكون شعلة نهضة للمسلمين وصحوة للإنسانية جمعاء.
كل ما يفعلونه هباء
ستزداد المقاومة الفلسطينية قوة يومًا بعد يوم، ولن تكون هذه المقاومة سبباً في استفاقة المسلمين ونهضتهم فحسب، بل ستجعل الإنسانية ولا سيما المجتمعات الغربية تُعيد النظر في الحضارة الغربية وقيمها ومبادئها. وهذا سيؤدي إلى إعادة تعريف مفهومي “الإنسان” و”الإنسانية”.
خلال هذه العملية، فإن النظام العالمي الذي أنشأه الغربيون على مدار أربعة قرون من الهيمنة، بموجب معاهدة وستفاليا عام 1648 والذي أُسميه “النظام العالمي الأوروبي”، سيتم إعادة تقييمه من جميع النواحي، وكذلك الحضارة الغربية التي تشكل مصدر هذا النظام وكل شيء فيه.
وبذلك، ستُصبح غزة نقطة تحول تاريخية وستُعيد تشكيل العالم من جديد إن شاء الله. و بينما نشعر بالحزن على عدم قدرتنا على إنقاذ غزة، سندرك أننا نحن من نحتاج إلى إنقاذ، وربما تكون غزة هي من ينقذنا.