السنغال تختار رئيسا من المعارضة وترسل رسالة لفرنسا
اختار السنغاليون المعارض الشاب باسيرو ديوماي فاي، خامس رئيس لبلدهم، وذلك بعد أزمة سياسية عاصفة، تسبب فيها الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال، حين قرر تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا أن تجرى 25 شباط/ فبراير الماضي.
قرار ماكي صال حينها أثار أعمال عنف خلّفت 4 قتلى وأعدادا أخرى من الجرحى، قبل موافقته على العودة للمسار الانتخابي بعد قرار المجلس الدستوري بتحديد آجال للعملية الانتخابية، حيث أجريت الانتخابات يوم الأحد.
اعتراف بالهزيمة
ورغم أن اللجنة المكلفة بالإشراف على الانتخابات لم تعلن رسميا النتائج النهائية، إلا أن مرشح ائتلاف الأغلبية الحاكم المدعوم من الرئيس المنتهية ولاتيه أمادو با، اعترف رسميا بهزيمته في هذه الانتخابات وهنأ مرشح المعارضة، باسيرو ديوماي افاي بالفوز برئاسة السنغال.
أمادوبا، تمنى للمرشح الفائز مزيدا من النجاح مضيفا أنه “في ضوء الاتجاهات الحالية لنتائج الانتخابات الرئاسية، وفي انتظار الإعلان الرسمي فإنه يهنئ الرئيس باسيرو ديوماي فاي على فوزه في الجولة الأولى”.
تهاني قادة دول الجوار
قادة دول الجوار السنغالي، سارعوا أيضا لتقديم التهاني للمرشح المعارض بمناسبة انتخابه رئيسا للسنغال.
وفي هذا السياق بادر الرئيس الموريتاني (الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي) محمد ولد الشيخ الغزواني إلى إرسال رسالة تهنئة للمرشح ديوماي فاي.
وعبر الغزواني عن ارتياحه لجو الهدوء والمسؤولية، الذي طبع هذه الانتخابات والذي برهن على نضج الديمقراطية السنغالية.
وأعلن الغزواني استعداده للعمل سويا مع الرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي، لأجل تعزيز وتنويع التعاون الثنائي بين البلدين.
كما هنأ الرئيس الغامبي آداما بارو، في تغريدة له، ديوماي فاي بفوزه في الانتخابات.
فرنسا ووعود الحملة الانتخابية
وخلال حملته الانتخابية، تعهد باسيرو ديوماي فاي بتنفيذ برنامج إصلاح نقدي من شأنه إنهاء سيطرة الفرنك الأفريقي ذي الأصول والاعتماد الفرنسي، وإقامة عملة سنغالية خاصة.
ديوماي فاي، تعهد في خطاباته خلال الحملة الانتخابية أيضا عن الحاجة لإعادة التفاوض حول اتفاقيات الغاز والنفط والصيد والتعاون الدفاعي مع فرنسا، لضمان تحقيق الفائدة القصوى للشعب السنغالي.
كما تعهد بالتخلي عن بالتخلي عن النهج المتبع في علاقات بلاده مع القوى التقليدية خصوصا فرنسا المستعرة السابق لغالبية بلدان غرب أفريقيا بما فيها السنغال.
رسالة لباريس
ويرى الخبير المختص في الشأن الأفريقي أحمد ولد محمد المصطفى أن تعهدات باسيرو في الحملة الانتخابية كانت في غالبيتها رسائل لفرنسا مفادها بأن حاكم دكار الجديد لن يظل معتمدا على باريس.
ولفت ولد محمد المصطفى في تصريح إلى أن انتخاب باسيرو ديوماي فاي، المناهض للنفوذ الفرنسي في السنغال، مؤشر على تراجع الحضور الفرنسي ليس على مستوى النخب فقط وإنما على مستوى الجماهير ومؤشر أيضا على نهاية جيل من السياسيين وهو الجيل الذي حكم في البلدان الأفريقية ما بعد الاستقلال عن فرنسا.
ورأى المتحدث أن انتخاب باسيرو ديوماي فاي، يحمل رسائل مباشرة مفادها أن الجيل الشبابي في السنغال لا يريد التبعية لباريس.
وتابع: “فوز باسيرو ديوماي فاي، يعني فوز الخطاب الشبابي المناهض للنفوذ الأجنبي بشكل عام والنفوذ الفرنسي بشكل خاص”.
تعاط حذر
واعتبر ولد محمد المصطفى أن مستقبل فرنسا في المنطقة ككل يواجه تحديات منها أن مناهضتها أصبحت أداة جالب للأصوات.
لكن ولد محمد المصطفى، لفت إلى أن تعاطي الرئيس السنغالي المنتخب مع فرنسا، سيكون مختلفا عن تعاطي قادة أفارقة وصلوا السلطة في انقلابات عسكرية.
وأضاف: “لا اعتقد أن الوتيرة التي سارت بها العلاقات بين الفرنسيين وحكام مالي والنيجر وبوركينافاسو ستكون هي نفسها بالنسبة للسنغال، فقد لا تكون هناك قطيعة سريعة لكن ستتأثر علاقات داكار وباريس بالتأكيد وأفقها بالنسبة للطرفين قاتم”.
ورأى أن الرئيس السنغالي المنتخب “سيكون مضطرا في النهاية للتعامل مع فرنسا حتى ولو كانت لديه مواقف حدية منها ولدى حزبه والداعمين له”.
وأضاف: خصوصية السنغال وطبيعة علاقاتها مع فرنسا والتشابك في هذه العلاقات وحجم المصالح المتداخلة هذا كله سيفرض مستوى من التعاطي الحذر مع باريس.
وأكد أنه لا يمكن لعلاقات البلدين أن تتطور نحو الأحسن فقصارى ما يطمح له البلدين في هذه المرحلة هو أن يسيرا علاقاتهما بهدوء ويمنعا انجرارها نحو ما وصلت إليه في بلدان أفريقية أخرى.
أمادو با ضحية
بدوره رأى الخبير المختص في الشأن الأفريقي إسماعيل ولد الشيخ سيديا، أن مرشح ائتلاف الأغلبية الحاكمة الخاسر أمادو با، كان ضحية لأفعال الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال.
وأضاف أن هذه الانتخابات أظهرت أن الديمقراطية السنغالية في جانب من جوانبها هي بخير.
واعتبر المتحدث أن الانتخابات السنغالية أظهرت أن ميزان القوى في الأغلبية التي حكمت السنغال للاثنتي عشرة سنة الأخيرة “اختل لصالح شباب حديثي السن عديمي التجربة في الشأن العام”.
وتابع: صعود باسيرو فاي من السجن إلى القصر ثورة ديمغرافية مزدوجة وقودها وقادتها الشباب السنغالي، وتعبير جماهيري عارم عن حالة من رفض الرتابة التي أملتها النسخة السنغالية من التعددية الديمقراطية.
من هو باسيرو ديوماي فاي؟
هو أصغر المرشحين لرئاسة السنغال ولا يتجاوز عمره 44 سنة، منها واحدة قضاها وراء القضبان في سجن “كاب مانوال” بالعاصمة السنغالية داكار، قبل أن يخرج بعد مضي 6 أيام من الحملة الانتخابية الأخيرة إثر عفو عام أصدره الرئيس ماكي في سياق محاولة تهدئة المشهد السياسي بالتزامن مع انتهاء ولايته.
حصل على الثانوية العامة (الباكالوريا) سنة 2000، لم يسبق له أن تقلد مناصب كبيرة في الإدارة السنغالية.
عام 2014 انضم لحزب “باستيف” وترقى فيه بشكل متسارع ليكون أحد صانعي القرار الأساسيين في الحزب، والذراع القوية لرئيسه عثمان سونكو.
تولى باسيرو الأمانة العامة لحزب “باستيف” سنة 2023 واستطاع في فترة وجيزة أن يستحوذ على نصيب الأسد من دعم الجماهير الشبابية في بلاده.