استمرار الجدل..هل حقا ستكون هذه انتخاباته الأخيرة؟
تتباين آراء الخبراء والمحللين السياسيين بشأن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي قال فيها إن “هذه الانتخابات هي انتخاباتي الأخيرة”.
ورد زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت باهشتلي على ما أثاره حليفه إردوغان، قائلا: “لا يمكنك ترك الأمة التركية وحدها.. نريد أن نراك الزعيم المنقذ في القرن الجديد للبلاد، نحن معك كتحالف الشعب”.
في تقرير له حول الجدل الدائر، أشار موقع قناة الحرة إلى أن الحليف القومي لإردوغان انتخب مجددا، الأحد، رئيسٍا لـ”الحركة القومية” للمرة الحادية عشرة، ولم تكن تصريحاته الوحيدة التي أطلقت كرد فعل على عبارة الرئيس التركي، بل جاءت ضمن سياق لافت طرح تساؤلات عدة.
وأوضح التقرير أنه قبل أن يعلن تأكيده وإصراره على بقاء إردوغان على كرسي الحكم، سلط وزير العدل التركي، يلماز تونج الضوء على المادة 101 من الدستور التركي، وقال إنها بالفعل تحدد فترة ولاية الرئيس بـ5 سنوات مع إمكانية انتخابه لفترتين.
لكنه سرعان ما أشار إلى الفقرة 3 من المادة 116، مؤكدا على النص بقوله إن الرئيس التركي يستطيع الترشح مرة ثالثة للانتخابات الرئاسية، و”إذا فسخ البرلمان تشكيلته الحالية وقرر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة”.
كما صرح المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية”، عمر جليك، وهو أحد أقرب الأشخاص إلى إردوغان لفترة طويلة، أنهم يريدون استخدام فترة ولايتهم “على أكمل وجه”.
وقال: “المواطنون هم من يقررون الحياة السياسية للقادة. يقول رئيسنا أيضا: إذا قالت الأمة ابقوا سنبقى، وإذا قالت الأمة ارحلوا سنرحل”، مضيفا من جانب آخر أن “العبارة التي أطلقها الرئيس تشدد على أن فترة منصبه محددة بموجب الدستور، لكن لا يعني هذا أنه سيترك السياسة”.
وذكر موقع الحرة أن عبارة إردوغان جاءت الجدلية مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات البلدية المقرر تنظيمها في 31 من مارس الحالي، وأتت ضمن معرض حديثه عن أهمية إسطنبول ونوايا الحظي بكرسيها من جديد.
“أواصل العمل دون توقف. نركضبدون أن نتنفس لأنه بالنسبة لي هذه هي النهاية. ومع السلطة الممنوحة لي بموجب القانون فإن هذه الانتخابات هي انتخاباتي الأخيرة”، بحسب ما أضاف أمام حشد من “مؤسسة الشباب التركي”.
وتابع: “لكن النتيجة ستكون بركة لإخواني الذين سيأتون من بعدي”.
لم يحدد إردوغان خليفته في رئاسة تركيا، ولم تلبث أن خفتت ارتدادات حديثه حتى تضاعفت مجددا وأعيدت إلى طاولة النقاش بفعل تصريحات الأوساط المقربة منه، وحليفه الأبرز باهشتلي.
ويعتقد الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن الرئيس التركي وأنصاره “يحاولون إظهار أنه موجود في سدة الحكم ليس بمحض إرادته بل من جانب الشعب والأحزاب”.
ويتوقع في حديث لموقع “الحرة” أن التصريحات التي أتت من بعد عباراته “منسقة”، ولا يظن أنها كانت “بمحض الصدفة”.
جوناي يعتبر أن الرد والرد الآخر ضمن التحالف لا يمكن فصله عن إطار “الترويج الإعلامي”، ويرى أن هذا السلوك “مضى الزمن عليه ولن يؤثر على مجرى الانتخابات في إسطنبول”.
ويوضح علي أسمر، وهو صحفي وباحث تركي، أن ما قاله إردوغان “هدفه تحفيز الشعب وخاصة المحبين له، لاسيما أولئك الذين أصبحوا رماديين بفعل أسباب عدة”، سواء اقتصادية أو تتعلق بالسياسة الخارجية وملف اللاجئين.
لا يعتبر تصريح إردوغان الأول الذي اختصر بعبارة “هذه انتخاباتي الأخيرة” الأول من نوعه، حسب أسمر، إذ يشير إلى أن “الرئيس التركي استخدم عدة مرات هذا الأمر، وعندما كان رئيسا للوزراء”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “شاهدنا ردات فعل متنوعة كتصريح وزير العدل ودولت باهشتلي”، كما أتت بعض التعليقات من شخصيات المعارضة، مشككة بمصداقية عبارة إردوغان بشأن انتهاء مشواره السياسي.
بين 2014 و2024
بالعودة إلى الوراء كان إردوغان قد استخدم خطابا مشابها من قبل، وقال في مؤتمر لحزبه في مقاطعة إسكيشهير يوليو 2012: “سأترشح للرئاسة للمرة الرابعة والأخيرة. لقد جاء هؤلاء الحكام إلى هذا البلد ورأوا أن المقاعد التي جلسوا عليها هي ملكهم المسجل.
وفي تلك الفترة، فعل إردوغان ما قاله واستقال من رئاسة حزب “العدالة والتنمية” في 27 أغسطس 2014، مسلما المنصب حينها لرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، عقب انتخابه رئيسا للجمهورية بشكل مباشر.
لكنه عاد في مايو 2017 ليتم انتخابه حينها رئيسا لمجلس إدارة “العدالة والتنمية” خلفا لبن علي يلدريم، وبعد اعتماد تعديلات دستورية ألغي بموجبها بندا كان يمنع رئيس الجمهورية من الانتماء لأي حزب.
ويعتقد الكاتب جان أتاكلي في مقالة نشرها على موقع “كوركسوز” أن رد الفعل الذي أبداه دولت باهتشلي “مهم”، ومن الواضح حسب تعبيره أنه “عندما يأتي عام 2027 سيتم إجراء انتخابات مبكرة”.
وبموجب الدستور، وإذا قرر الرئيس المنتخب للمرة الثانية إجراء انتخابات مبكرة وقبل عام من انتهاء ولايته فإنه يُمنح فرصة الترشح مرة أخرى، وفق الكاتب.
ويضيف أن ما وصفها بـ”الخطة” تستوجب الفوز بكرسي رئاسة بلدية إسطنبول، أي أن ينجح مرشح “تحالف الشعب” مراد قوروم في المنافسة التي سيخوضها مع مرشح “حزب الشعب الجمهوري”، أكرم إمام أوغلو.
كما يتعين على الرئيس التركي أيضا أن يزيد نسبة أصواته في إسطنبول، ولاسيما أن الانتخابات الأخيرة أظهرت انخفاضا ملحوظا، حسب الكاتب.
وعلاوة على ذلك، يضيف أتاكلي، أن التوجه لإجراء انتخابات مبكرة يستلزم الحصول على 367 صوتا في البرلمان، موضحا: “عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية لا يفي بهذا الرقم”.
ولذلك “ينبغي أن يشارك في هذا القرار نواب أحزاب السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم، الذين انتقلوا إلى البرلمان على ظهور الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري”، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حسب تعبير الكاتب التركي.
إسطنبول على المحك
ويتفق المراقبون الذين تحدثوا لموقع “الحرة” على فكرة أن ما تردد على لسان الرئيس التركي ولسان الأوساط المقربة منه وحلفائه يرتبط على نحو كبير بالمنافسة التي ستحتدم على كرسي بلدية إسطنبول.
وكان الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) وحليفه (الحركة القومية) قد أعلنا عن مرشحهما المشترك مراد قوروم لرئاسة بلدية إسطنبول، وجاء ذلك بعدما حسم “حزب الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة اسم مرشحه لمنصب العمدة، وهو أكرم إمام أوغلو.
ولم تتوقف عملية إعلان المرشحين عند الاسمين المذكورين، إذ كان لافتا إقدام “حزب الجيد” الذي تتزعمه السياسية القومية المعارضة ميرال أكشنار على ترشيح اسم خاص به.
كما أعلن “حزب النصر” القومي أيضا عن مرشحه المستقل لرئاسة بلدية إسطنبول، وتبعه “حزب السعادة” المعارض. وفي غضون ذلك أعلن “حزب الرفاه من جديد” مرشحا خاصا به لانتخابات بلدية إسطنبول، منفصلا بذلك عن “العدالة والتنمية” الذي تحالف معه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة.
ويرى الباحث هشام جوناي أن “إسطنبول مازالت على المحك، ومن الواضح أن إمام أوغلو لديه حظوظ وفيرة للنيل في منصب رئاسة البلدية”.
ويستبعد أن تفضي السياسة التي يتبعها الحزب الحاكم، ومن بينها تصريحات الرئيس التركي، عن نتائج على صعيد استعادة كرسي البلدية.
ومع ذلك يشير إلى أن “العدالة والتنمية” قد يكسب بلديات أخرى، مثل أنطاكيا في جنوب البلاد.
جوناي يعتبر من جانب آخر أن إردوغان “لا يستطيع أن يبقى في تركيا إلا وفي سدة الحكم”، ويوضح أن سيواصل ذلك مع “وجود المخرج القانوني الذي سيقدم من قبل الحقوقيين والمستشارين في هذا الموضوع”.
لكن الباحث والصحفي علي أسمر يؤكد أن “الشعب التركي هو من يختار إردوغان، ولا يوجد مشكلة بتمديد ولايته عن طريق حل البرلمان”.
وإذا أرادت المعارضة أن تنهي المشوار السياسي للرئيس التركي يجب أن يكون هذا الشيء “عبر الصندوق الانتخابي”، أي أن يتغلبوا عليه انتخابيا وليس أن يخسروا عدة مرات وينتظروا انتهاء رحلته السياسية، وفق الباحث.
محطات رئاسة إردوغان
تم انتخاب زعيم “العدالة والتنمية” إردوغان رئيسا بنسبة 51.79 بالمئة من الأصوات متغلبا على أكمل الدين إحسان أوغلو وصلاح الدين دميرطاش في الانتخابات التي أجريت عام 2014.
وبعد التعديل الدستوري الذي تم إجراؤه بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 والانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أصبح رئيسا للمرة الثانية، وتمكن في عام 2018 من الفوز بعد مواجهته محرم إينجه مرشح “حزب الشعب الجمهوري”.
وفي انتخابات 2023، التي شهدت تنظيم جولتين تجاوز إردوغان زعيم “حزب الشعب الجمهوري” السابق كمال كليتشدار أوغلو وأصبح رئيسا للمرة الثالثة.
وبينما تنص المادة 101 من الدستور على أنه يجوز للشخص أن يتولى منصب الرئيس مرتين لمدة 5 سنوات، فإنها تسمح للرئيس الحالي بالترشح للمرة الثالثة إذا تقرر تجديد الانتخابات قبل نهاية الولاية.