سقوط أفدييفكا يُفتح الطريق أمام الروس ووقت يضيق على أوكرانيا
لم يكن سقوط مدينة أفدييفكا في مقاطعة دونيتسك شرق أوكرانيا بيد الروس مشابها لسقوط مدينة باخموت الذي شغل العالم قبل شهور، فمعارك الأخيرة كانت أشبه باستعراض عضلات وكسر عظام كما تبين، وسقوطها في النهاية لم يؤثر على مسار الحرب.
الوضع مختلف تماما مع أفدييفكا، فسقوطها يعتبر أكبر إنجاز يحققه الروس منذ أواسط عام 2022، لا سيما وأنه يفتح أمامهم طريقا نحو تجمعات سكنية رئيسية في المقاطعة التي يخضع نصفها تقريبا لسيطرتهم، ويصعب على الأوكرانيين حماية النصف الآخر، كما يعزز آمال الروس بإعادة السيطرة على أجزاء من مقاطعة خاركيف المجاورة.
وبالفعل، بوادر الأمر لاحت بعد ساعات من سقوط أفدييفكا، بقصف عنيف شنه الروس على مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك في أقصى شمال مقاطعة دونيتسك، قريبا من حدود مقاطعة خاركيف، التي اقتربوا منها -عمليا- نحو 30 كيلومترا.
ذلك لأن مدينة أفدييفكا تقع على الطريق الدولي “إتش 20” (H 20) المؤدي شمالا إلى تلك المدن، الذي كان تحت السيطرة الأوكرانية قبل أيام قليلة، وهو طريق يتصل أيضا بمدن إزيوم جنوب شرق مقاطعة خاركيف، وكوبيانسك في أقصى شرقها، حيث يحشد الروس أعدادا كبيرة من القوات.
أولوية الروس نحو الشمال
يرى المحلل العسكري، دينيس بوبوفيتش، في حديث مع الجزيرة نت أن “أولوية الروس التحرك شمالا بعد أفدييفكا، لأن عينهم على كراماتورسك أهم المدن الخاضعة للسيطرة الأوكرانية في دونيتسك، وعلى الخط الدولي وخط السكة الحديدية الذي يصل أراضي روسيا بكل جبهات القتال الساخنة”.
ويرى بوبوفيتش أن “هذا يعزز آمال الروس بتحقيق هدف السيطرة على كامل مقاطعة دونيتسك، وإعادة محاولة السيطرة على خاركيف أيضا”.
لتحقيق هذه الآمال تقف الجغرافيا في صالح الروس، فأفدييفكا، التي توصف ببوابة حماية مدينة دونيتسك الخاضعة لسيطرتهم (عاصمة المقاطعة التي تحمل اسمها)، تقع على سفح تلة مرتفعة، وهذا يعزز إمكانية الحفاظ على مواقعهم الجديدة فيها واستهداف أخرى.
وهذه الجغرافيا التي ساعدت الأوكرانيين على الثبات داخل المدينة 4 أشهر، رغم أنهم طوّقوا من 3 اتجاهات، أصبحت اليوم سببا سيصعب على الأوكرانيين فكرة استعادة المدينة في المنظور القريب، بحسب المحلل العسكري، رومان سفيتان.
قلة ذخيرة وضعف إمداد
وقلة الذخيرة كانت سببا رئيسا دفع الأوكرانيين للانسحاب من أفدييفكا رغم أهميتها، لكنهم اليوم يواجهون مشاكل أخرى على طريق حماية باقي مدن المقاطعة.
ويعتبر خبير عسكري وعقيد في قوات الاحتياط أوليغ جدانوف أن “الوقت يضيق أمام أوكرانيا، فمشكلة قلة الذخائر قد تستمر حتى نهاية الربيع، لأنها تعتمد بنسبة كبيرة على المساعدات الأميركية المتعثرة، كما أن أوكرانيا ستواجه بعد خسارة أفدييفكا صعوبة في نقل الإمدادات إلى باقي الجبهات”.
وقبل هذا كله، تبقى حقيقة الفارق العددي الكبير بين قوات الطرفين، فأعداد الجنود الروس هي 7 أضعاف أعداد الأوكرانيين، وهم يتمتعون بميزات الطيران والكثافة النارية، التي لا تملكها أوكرانيا، بحسب جدانوف.
تقدم الروس ليس سهلا
لكن أوكرانيين آخرين ينظرون بشيء من إيجابية إلى أفق الدفاع عن باقي أرجاء دونيتسك بعد سقوط أفدييفكا، ويعتبرون أن التقدم بعدها لن يكون سهلا أمام الروس.
المحلل السياسي العسكري في مجموعة “المقاومة الإعلامية”، أوليكساندر كوفالينكو، يقول للجزيرة نت “بغض النظر عن الصعوبات، يجب ألا ننسى أننا ندافع في تلك المناطق منذ 2014، ومنذ بداية الحرب لم يستطع الروس تحقيق تقدم كبير كما حققوا في مقاطعات شمالية وجنوبية أخرى”.
وأكد أن “تقدم كل كيلومتر في دونيتسك يكلف الروس آلاف الجنود. بغض النظر عن فارق الأعداد والقوة، دعونا لا ننسى أنهم خسروا نحو 48 ألف جندي نظامي هناك، والقرى والمدن الأخرى لن ترحب بهم”.
وأشار في هذا السياق إلى أن أقرب المدن الهامة إلى أفدييفكا هي كونستانتينيفكا التي تبعد 30 كيلومترا في الشمال (على الطريق H20 المؤدي إلى كراماتورسك)، أو بوكروفسك التي تبعد 40 كيلومترا غربا على الطريق الدولي.
وبحسب كوفالينكو، “تقدم الروس أمر ندرك أنه سيكون لا محالة، لكنهم بحاجة إلى فترة استراحة وإعادة حسابات وترتيب صفوف قبل المضي قدما، وهذا يتزامن حاليا مع احتفالاتهم الرسمية والإعلامية بإنجاز السيطرة على أفدييفكا”.