هل يهدد التضييق على حزب عمران خان شفافية الانتخابات بباكستان؟
بعد فوزه في آخر انتخابات عقدت في باكستان عام 2018، يقف اليوم حزب إنصاف الباكستاني الذي أسسه نجم الكريكت السابق ورئيس الوزراء حتى العام الماضي عمران خان في موقف لا يحسد عليه.
ورغم فوزه في انتخابات 2018 أمام كبرى الأحزاب الباكستانية التي حكمت البلاد في فترات مختلفة وبالتحديد حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني، أصبح حزب إنصاف الباكستاني اليوم خارج المنافسة الانتخابية تماما، كما يواجه عقبات كبيرة.
لم تبدأ مصاعب حزب إنصاف مع الإعلان عن موعد الانتخابات، بل بدأت مع اندلاع الأزمة السياسية التي شهدتها باكستان عام 2022، والتي انتهت بإسقاط الحزب من رئاسة الحكومة.
أزمات سياسية
بعد الإطاحة بزعيم الحزب عمران خان من رئاسة الحكومة في أبريل/نيسان 2022 بدأ الحزب في تنظيم مظاهرات احتجاجا على إسقاطه من الحكم، كما اتهم قادة الحزب المؤسسة العسكرية بالوقوف وراء ذلك بالتعاون مع الأحزاب المعارضة، ناهيك عن الترويج لفكرة المؤامرة الخارجية التي تشير إلى “تورط” الولايات المتحدة.
وشهدت تلك الفترة ملاحقات قضائية لزعيم الحزب عمران خان وبعض قياداته الكبار، حيث تم اتهام عمران خان في عدة قضايا أهمها قضية “توشاخانا” أو ما يعرف بـ”مستودع الهدايا”، حيث اتهم ببيع وإخفاء تفاصيل هدايا أهديت له وهو في الحكم وهو ما يخالف الدستور الباكستاني.
كما اتهم خان تباعا بعشرات القضايا مثل التحريض على الإرهاب، وكشف أسرار الدولة، وقضايا فساد أخرى أبرزها قضية “القادر ترست” التي يتهم بموجبها بغسيل الأموال.
وأدين عمران خان في قضية “توشاخانا” للمرة الأولى في أغسطس/آب 2023 حيث حكم عليه بالسجن مدة 3 سنوات وعدم أهليته لأي منصب حكومي لمدة 5 سنوات، وبناء على ذلك تم اعتقاله للمرة الثانية.
وجاء الاعتقال الأول لخان في مايو/أيار من العام نفسه بموجب قضية “القادر ترست”، وسادت البلاد حالة من العنف حينها بعد خروج أنصار خان وحزبه في مظاهرات، فيما عرف بأحداث التاسع من مايو/أيار، والتي رسمت ملامح مرحلة جديدة من التضييق على الحزب.
وكانت الأحداث قد شملت مهاجمة المتظاهرين لمقرات حكومية ومقرات تابعة للجيش -المسير الفعلي في البلاد- أثرت بشكل كبير على تماسك الحزب، حيث انشق عدد كبير من قيادات الصف الأول على رأسهم وزير الإعلام السابق فؤاد تشودري ووزير المالية السابق أسد عمر ووزير الدفاع السابق برويز خطاك.
وقبل أيام، تم الحكم على عمران خان بالسجن لمدة 14 عاما وزوجته بشرى بيبي في قضية “توشاخانا”، بالإضافة إلى حكم بعدم أهليته لأي منصب حكومي أو سياسي لمدة 10 سنوات.
وسبق ذلك الحكم بيوم واحد، حكم آخر بالسجن لمدة 10 سنوات ضد عمران خان ووزير خارجيته شاه محمود قريشي في قضية “التشفير” التي تتعلق بوثائق سرية قام خان بالتلويح بها أمام أنصاره.
وفي 30 يناير/كانون الثاني الماضي أصدرت لجنة الانتخابات الباكستانية قرارا برفض أوراق ترشحه في دائرتي لاهور و ميانوالي، حيث قال موظف لجنة الانتخابات المكلف بتدقيق أوراق ترشح خان في دائرة لاهور إن عمران “قد تم إدانته” وهو ما يلغي أوراق ترشحه.
كما قضت محكمة باكستانية السبت 3 فبراير/شباط على رئيس الوزراء السابق وزوجته بشرى خان، بالسجن سبع سنوات، مع فرض غرامة، بعد أن حكمت بأن زواجهما في عام 2018 ينتهك القانون، حسبما أفادت وكالة آري الباكستانية للأنباء.
أزمات انتخابية
شكل قرار من لجنة الانتخابات الباكستانية بعدم اعترافها بالانتخابات الداخلية التي أجراها الحزب لتعيين قيادة بديلة لعمران خان الذي كان مسجونا، ضربة لحظوظ الحزب في الانتخابات العامة. وبالرغم من إلغاء هذا القرار من قبل محكمة بيشاور العليا، فإن لجنة الانتخابات طعنت ضد القرار في المحكمة العليا التي قبلت الطعن المقدم من لجنة الانتخابات.
هذا القرار يجعل من غير الممكن أن يتنافس الحزب في الانتخابات كحزب سياسي، بسبب حرمان زعيمه من التأهل لتولي أي منصب سياسي، وبالتالي فإن مرشحي الحزب سوف يضطرون لخوض السباق الانتخابي كمستقلين برموز انتخابية مختلفة.
وتفاقمت الأزمة بعد أن تعرضت جهود حزب إنصاف للتحالف مع حزب إنصاف نظرياتي -وهو فصيل منشق عن حزب إنصاف عام 2012- لضربة قوية بعد أن ألغى حزب إنصاف نظرياتي اتفاقية مشاركة رمزه.
وسط هذه الضربات المتلاحقة، أعربت قيادة حزب إنصاف عن مخاوفها من مواجهة صعوبة في الحصول على مقاعد في ظل وجود مقاعد محجوزة مخصصة للأحزاب السياسية.
وكان الرئيس الجديد لحزب إنصاف، جوهر علي خان، قد صرح للصحفيين بأنه يخشى أن تكون هناك “مساومات” لأنه عندما يفوز مرشحو حزبه، فإن الأحزاب السياسية الأخرى سوف “تصطادهم” لتعزيز موقفها، وفقا لما ذكرته صحيفة “نيوز إنترناشيونال” الباكستانية.
خيارات محدودة وصعبة
وفي ظل هذا الواقع المتعثر لحزب إنصاف، تطرح تساؤلات عن خيارات الحزب للتعامل مع هذا الواقع، وفي هذا السياق يقول الصحفي والمحلل السياسي سيد فيصل حسين إن هناك فرصا ضئيلة أو معدومة لمقاطعة حزب إنصاف للانتخابات.
وقال فيصل حسين في حديث للجزيرة نت إن حزب إنصاف يبدو واثقا، وسوف يدعو الناخبين للخروج بأعداد كبيرة، وتماما مثل انتخابات 2018 سيكون من الصعب إدارتها.
وأضاف حسين أنه وسط هذه “الفوضى” فإن أكبر عائق الآن هو “الرموز” ويبدو أن حملة كبيرة لدفع الناخبين إلى التصويت هي الحل الوحيد لحزب إنصاف خاصة في المناطق الريفية.
ويتابع أنه على الرغم من مواجهة العديد من التحديات، يبدو فريق وسائل التواصل الاجتماعي في الحزب منشغلا في وضع إستراتيجيات مؤثرة ليوم الانتخابات.
ويختم حسين حديثه بأنه يتوقع فوز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف).
من جهته، يقول الصحفي والمحلل السياسي أخطر شاهين إن حزب إنصاف وقادته ومرشحيه يخوضون الانتخابات بالفعل معبرا عن اعتقاده بأنهم لن يقاطعونها.
وقال شاهين -في حديث للجزيرة نت- إن هذا سيجلب المزيد من الخسارة للحزب، حيث يتقدم العديد من قادته كمرشحين مستقلين. وأضاف شاهين أنه لا يرى أي جبهة أو حزب جديد لقادة حزب إنصاف.
وبشأن تأثير غياب عمران خان عن الانتخابات، يقول شاهين إن ذلك يعتبر خسارة كبيرة للحزب والناخبين والمؤيدين، “حيث تدفع دولة باكستان ناخبيها باستمرار إلى الحائط، وتعاقب ولاءهم لعمران خان”.
ويتابع شاهين بأنه يُتوقع أن نرى احتجاجات عنيفة واشتباكات خلال أيام الانتخابات، بسبب تصرفات الدولة من خلال الشرطة ووكالات إنفاذ القانون الأخرى. ويضيف “هذا الوضع قد وضع بالفعل علامة استفهام كبيرة على شفافية الانتخابات”.