ولاية هرات وموطن الزعفران ولؤلؤة أفغانستان
هرات ثالث أكبر مدينة في أفغانستان ويرجع تاريخها إلى العصور الوسطى، وهي مدينة كبيرة وحيوية تحوي بقايا معمارية حاضرة، تؤرخ لوقتها عاصمة للإمبراطورية التيمورية العائدة للقرون الوسطى.
تقع هرات غربي أفغانستان، ويقول المؤرخون، إنها تأسست في القرن الرابع قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، ويقول عالم الجغرافيا الإيراني حمد الله مستوفي في القرن الرابع عشر الميلادي “وهرات هو اسم أحد زعماء أتباع البطل ناريمان، وهو أول من أسس المدينة، وبعد أن انهارت، أعاد الإسكندر الأكبر بناءها، وكان محيط أسوارها 9 آلاف خطوة”.
كانت من أهم العواصم الـ12 للإمبراطورية الساسانية في خمسينيات القرن السادس الميلادي، وفتحها المسلمون في القرن التاسع الميلادي، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 22 هجرية بقيادة الأحنف بن قيس التميمي.
كانت هرات -أيضا- مفترق طرق للتجارة: حيث امتدت الطرق شمالا على طول طريق هريرود إلى سمرقند وبخارى، وجنوبا إلى إيران، وشرقا إلى بلخ والصين، وغربا إلى نيسابور. وفقدت هرات موقعها المحوري في الثمانينيات من القرن الماضي؛ بسبب إنشاء سكة حديد عبر بحر قزوين، التي تمر إلى الشمال. لكنها ظلت مكانا تختلط فيه شعوب آسيا الوسطى.
كانت هرات مركزا تجاريا عظيما يتمتع بموقع إستراتيجي على طريق التجارة من البحر الأبيض المتوسط إلى الهند أو إلى الصين، وقد اشتهرت المدينة بصناعة المنسوجات في عهد الخلافة العباسية، حسب مراجع عديدة للجغرافيين.
وصفها الإصطخري وابن حوقل في القرن العاشر “بأنها مدينة مزدهرة محاطة بأسوار قوية مع وفرة من مصادر المياه وضواحي واسعة وقلعة داخلية ومسجد جامع و4 أبواب، كل بوابة تفتح على سوق مزدهر”.
غزا المغول هرات في 1221، واستسلمت المدينة بعد حصار قصير، ولكن بعد أشهر عدة ثار أهلها ضد المغول، وأدت الفوضى داخل المدينة إلى تدمير شبكة قنوات الري، وساد الخراب لعقود طويلة على طول طريق هريرود التاريخي في المنطقة.
وقد جعلها القائد المغولي تيمورلنك بدل سمرقند عاصمة لدولته في 1381م، وتحولت بعد ذلك إلى أحد أهم المراكز العلمية والثقافية، وأثناء حكم شاه روخ خان بن تيمور، كانت المدينة النقطة المحورية للنهضة التيمورية، التي يُعتقد أن مجدها يضاهي فلورنسا في عصر النهضة الإيطالية كمركز للنهضة الثقافية، ووصف هيرودوت مدينة هرات بأنها سلة الغذاء في آسيا الوسطى.
وبعد انهيار الإمبراطورية التيمورية، حكم هرات -التي تلقب بـ”لؤلؤة أفغانستان”- عدد من الحكام الأفغان منذ أوائل القرن 18، ففي 1716 استولى عليها الإمبراطور الأفغاني أحمد شاه دُراني وأصبحت إحدى المدن الأفغانية المهمة، وشكل فيها دولة سَدوزاي الخاصة.
البعثات الدبلوماسية
نظرا لأهمية ولاية هرات، بادرت دول أوروبية وإقليمية عدة أثناء حضور القوات الأجنبية في أفغانستان إلى فتح قنصلياتها فيها، وكانت الولايات المتحدة وتركيا والهند وتركمنستان وإيران وباكستان وألمانيا من الدول التي فتحت مكاتبها الدبلوماسية هناك، وتوجد فيها أكبر قاعدة عسكرية، وكانت القوات الإيطالية والإسبانية مستقرة فيها قبل وصول طالبان إلى السلطة في 2021.
يهود هرات
في ستينيات القرن الماضي، بنى مهندسون من الولايات المتحدة مطار هرات، الذي استخدمته القوات السوفياتية بعد اجتياحها لأفغانستان في 1979، وكان هناك وجود كبير للمستشارين السوفيات في المدينة، وبعد انسحاب القوات السوفياتية في 1989، دخلت المدينة بعد 13 سنة قوات إيطالية وإسبانية، واستقرت فيها.
وعاشت في مدينة هرات 280 عائلة يهودية منذ 1948، واختفت معظمها ولجأت إلى إسرائيل بعد اندلاع الحرب الأهلية في بداية التسعينيات من القرن العشرين بين الفصائل الأفغانية التي طردت الاتحاد السوفياتي من البلاد.
وكانت في المدينة 4 معابد يهودية في الحي القديم أُهملت لعقود من الزمن وأصبحت في حالة سيئة، وفي أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جُددت مباني هذه المعابد من قبل صندوق الآغا خان للثقافة، وحوّل 3 منها إلى مدارس ودور حضانة، بعد أن اختفت الجالية اليهودية.
الاقتصاد في بلد الزعفران
توجه الأفغان إلى زراعة الزعفران في 2006، وانتشرت في ولاية هرات والولايات الأفغانية الأخرى تدريجيا بديلا لزراعة الخشخاش والمخدرات، وتحتل أفغانستان حسب إحصاءات رسمية في 2023 -بحصتها السوقية البالغة %15.6 من الصادرات العالمية- الرتبة الثالثة بعد إيران والهند.
وتصدّر أفغانستان الزعفران إلى 27 دولة؛ من أهمها: قطر والصين والهند والإمارات العربية المتحدة. وحسب الأرقام الرسمية لوزارة الزراعة الأفغانية فإن أكثر من 25 ألف عائلة تعمل في زراعة الزعفران وحصاده وتعبئته، ويصل حجم إنتاجه سنويا إلى 27 طنا.
المعالم
أعلنت اليونسكو في 2021 إدراج مدينة هرات ضمن مواقع التراث العالمي؛ بسبب تاريخها الحافل ومآذنها وقلعة اختيار الدين، وبُنيت معظم هذه الآثار التاريخية في القرن 15 الميلادي برعاية كوهر شاد زوجة الملك شاه روخ خان.
وتشتهر جميع مبانيها بزخرفة البلاط في مبانيها، حيث كشفت الأبحاث الأثرية التي أجريت في 1922 عن العديد من الأعمال الفنية من العصور الإسلامية وما قبلها، وخاصة منمنمات مدرسة هرات، التي ازدهرت فنونها في القرن 15 في عهد شاه روخ خان الذي أسس مدرسة الرسم، وجلب إلى بلاطه فنانين ورسامين.
حصن اختيار الدين
تقع قلعة هرات وسط المدينة، وهي من المواقع الأثرية في أفغانستان، يعود تاريخها إلى 330 سنة قبل الميلاد، بناها الإسكندر عندما وصل مع جيشه إلى هرات واستخدمتها العديد من الإمبراطوريات مقرا رئيسا لها على مدار 2000 عام الماضية.
دُمرت مرات عدة على مر القرون، تُعرف باسم قلعة الإسكندر، ولكنها تعرف محليا باسم حصن اختيار الدين، وهي نصب تذكاري في أفغانستان، وتستخدمها الحكومة الأفغانية متحفا وطنيا.
الجامع الكبير في هرات
الجامع الكبير في هرات معلم تاريخي في أفغانستان ويعرف -كذلك- باسم الجامع، بناه السلطان غياث الدين غوري في 1200م، وترك الصفويون والمغول والأوزبك أثارهم فيه، يتميز بتصميمه الإسلامي التقليدي، وبه 8 مآذن، وهو أول مسجد في مدينة هرات غربي أفغانستان.
الأعلام
يعدّ كمال الدين بهزاد من أنجح رسامي المنمنمات في أفغانستان، واستمر هذا التقليد المعروف في هرات منذ القرن 15 في إلهام الرسامين والمهندسين المعماريين.
ومن هرات ظهر العديد من الأدباء والفلاسفة؛ منهم: أبو الفضل المنذري الذي له مؤلفات عديدة منها “مفاخر المقالة”، و”الزيادات”، و”نظم الجمان”، وغيرها.
وقد كان -كذلك- أستاذا ومعلما لمنصور الأزهري (895م -981م) وهو أحد كبار علماء اللغة العربية المنحدرين من مدينة هرات، ومن أشهر أعماله قاموس “تهذيب اللغة” و”شرح ديوان أبو تمام”.
وخرج من هرات -أيضا- النحوي والأديب المشهور أبو المظفر الهروي، وأبو الحسن الهروي وهو أحد أشهر اللغويين والنحاة، واشتهر بمهارته في كتابة الخط العربي كذلك.