رئيس البرلمان التركي: بعض الدول العربية أصبحت إسرائيلية أكثر من إسرائيل
قال رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، إن “بعض الدول إسرائيلية اكثر من إسرائيل”، مؤكدًا وجود محاولات لمنع إضافة عبارات تتعلق بالأوضاع في غزة إلى البيانات الختامية للاجتماعات البرلمانية الدولية.
جاء ذلك في حوار مع جريدة الشرق القطرية تعليقًا على مواقف الدول والشعوب من التطورات في قطاع غزة الفلسطيني الذي يواجه هجمات إسرائيلية مكثفة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وحول تفاعل البرلمان التركي مع العدوان الإسرائيلي، قال قورتولموش: “عندما حدثت الهجمة الأولى من قبل إسرائيل اجتمعت الكتل البرلمانية الست وأصدروا بياناً موحداً أدان الهجمات الإسرائيلية، كما أصدروا مذكرة إدانة للهجمات وعندما وقع الاعتداء على المستشفى الأهلي المعمداني كان المجلس في حالة انعقاد وأوقف وقتها النواب الجلسة وأصدروا بيان إدانة.
وفيما يخص العلاقات مع الدول الأخرى، فقد أوضح البرلمان التركي ذلك بكل الوسائل وأكد وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم وتم التأكيد أيضا على أهمية محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما تم التشديد على أهمية إيصال المساعدات إلى قطاع غزة”.
سؤال: الشعب التركي والشعوب عموما لهم موقف متقدم في دعم الشعب الفلسطيني.. فهل البرلمان التركي أو برلمانات العالم الإسلامي عموماً ارتقت قراراتها إلى مطالب الشارع؟
قورتولموش: فيما يخص البرلمان التركي يمكنني أن أجيب بأريحية تامة أنه نبض الشارع التركي ونبض الشعب ويواكب نبض الشعب، وكانت له أنشطته في هذا الإطار، فلجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي ستذهب إلى رفح الأسبوع القادم وتحاول الدخول إلى جانب غزة، وأمس شارك زملاؤنا في اجتماع في جنوب أفريقيا فيما يخص التضامن مع قطاع غزة وأنا شخصيا شاركت في خمسة اجتماعات على مستوى رؤساء البرلمان الأوروبي واتحاد الدول العشرين وبرلمان اتحاد ميتكا وبرلمانات المجموعات الأخرى التي تشملها عضوية تركيا، ومؤخرا في أنطاليا استضفنا مؤتمر اتحاد برلمانيي آسيا، وفي هذا الإطار نبذل جهودا موسعة لإضافة عبارات تتعلق بالأوضاع في غزة إلى البيانات الختامية للاجتماعات، لكن أقول للأسف وبألم شديد إن بعض الدول إسرائيلية اكثر من إسرائيل، فهي تدافع وتقاتل لئلا تضاف هذه العبارات ونحن نكافح لتسجيل موقفنا هذا، وفي كل الأحوال فإن نظراءنا وسياسيينا يتأثرون مثل بقية الشعب، وبالمواقف السياسية وخلال الأيام الأخيرة فالتقيت بنحو ٤١ مسؤولاً على مستوى رئيس دولة أو برلمان أو ممثل من ٢٢ دولة وتم تداول هذه القضايا معهم.
سؤال: نحن نقدر هذا الجهد الشخصي الرسمي الذي يقوم به البرلمان التركي لكن في الوقت الذي تصدر فيه بيانات شجب واستنكار إسرائيل ترمي قنابل على سكان غزة لم يشهدها العصر الحديث فما جدوى هذه البيانات طالما أن القتل مستمر بشكل ممنهج حتى على الصعيد الإسلامي أين هو الدور المؤثر لوقف هذه العربدة الإسرائيلية في غزة؟
قورتولموش: في الحقيقة هذا اكثر الجوانب إيلاماً بالنسبة لنا، فالشعوب تتابع ما يحدث في غزة بألم شديد لكن لا نتمكن من اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الإطار، وهذه المرحلة لها ماضيها فهي لم تنشأ اليوم واعتقد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام ١٩٩١ يومها أذكر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس صرحت وقالت إن 22 دولة إسلامية سوف يتغير ترسيم حدودها وشهدنا بعد ذلك فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن وتم اصطناع عداوات جديدة مختلفة، وهذا التشرذم تواصل إلى اليوم منذ الأمس. وأمسه الأول لهذه القضية بدأ عام 1917عندما انسحبت الدولة العثمانية من فلسطين وبدأ الإنجليز بتوطين الإسرائيليين في فلسطين، هنا فعلوا أمرين، الأول توطين من أسموهم المستوطنين فجاءوا بهم وأسكنوهم في ديار الفلسطينيين وجعلوا يستحوذون على بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم وحوانيتهم وكل أمور معايشهم والثاني تشكيل النوايات الأولى للجيش الإسرائيلي عبر العصابات ومنذ انسحاب العثمانيين لم تتمكن دولة إسلامية من اتخاذ موقف يواكب هذا التطور وإسرائيل أكبر عوامل قوتها ليس من داخلها بل من تشرذم العالم الإسلامي وتمزقه.
سؤال: العلاقة التاريخية التي تربط الدولة العثمانية بالشعب الفلسطيني لو نظرنا إليها اليوم الموقف التركي الرسمي هل يرتقي إلى هذه العلاقة التاريخية الشعبية؟
قورتولموش: نحن وباعتبار أننا أحفاد أجداد حكموا هنالك مدة طويلة تزيد على 400 سنة وحققوا العدالة والعدل فالعلاقة مع الشعب الفلسطيني ليست منحصرة في التاريخ بل توجد روابط وجدانية موجودة اليوم أيضا. وهي ليست مجرد روابط وجدانية فالقضية الفلسطينية احد المحاور في سياسة تركيا الخارجية والقضية الفلسطينية ضمن السياسة التركية الخارجية وهذه السياسة استمرارها أمر مهم، ونسأل الله أن يمد تركيا بقوة لتحدث تطورات أكبر في هذا الإطار. وستسعى تركيا لتأخذ موقعها دولة ضامنة في الآلية التي تؤسس لحماية وقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية.
سؤال: هل البرلمان التركي سيتقدم بطلبات للمحكمة الجنائية لتقديم نتنياهو وفريقه القتلة إلى المحكمة الجنائية؟
قورتولموش: سألنا حقوقيينا ومستشارينا وأخبرونا بأننا لسنا طرفا في اتفاقية المحكمة فلا يمكننا التقدم بطلب إليها لكن المحامين تقدموا بطلبات.
سؤال: هناك دول غير مسلمة تقدمت إلى المحكمة تطالب بمحاكمة نتنياهو لم نر دولاً لا عربية ولا إسلامية ؟!
قورتولموش: صحيح.
سؤال: طالما نتحدث عن العدوان فإن قطر سعت إلى هدنة وقف خلالها العدوان سبعة أيام كيف ترون هذا الجهد من قبل قطر؟
قورتولموش: نحن ندعم هذه الجهود من البداية، ونأمل أن تصل إلى وقف إطلاق نار دائم، لأنه حتى اليوم اكثر من 16 ألف شخص قتلوا وآلاف المنازل هدمت ومن ثم ليتمكن الناس هناك من الحياة يجب تهيئة الأجواء لوقف إطلاق النار فهو أمر لا مناص منه، والآن الأطفال والنساء والجرحى والضحايا كثيرون ويجب توفير سبل العيش لهم ونحن تحمر وجوهنا خجلا من تصريح أمريكا قبل انتهاك الهدنة بأن وقف إطلاق النار يجب ألا يكون دائماً فهذا تصريح يحتوي ضمنا أنه يمكن لإسرائيل أن تقتل وتهدم وتقصف كل مكان، وفي هذا الإطار فإن كل الجهود المبذولة من قطر والدول الأخرى نحن ندعمها في إطار الدول التي تسعى لوقف إطلاق النار، ودور قطر إيجابي جدا فيما يخص مرحلة تبادل الأسرى وأشكر قطر على دورها الكبير للغاية.
سؤال: إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية أعطت ضوءا أخضرا لإسرائيل لممارسة هذه الجرائم ألم يحن الوقت لكي نقول لهذه الدول قبل إسرائيل كفى وآن الأوان لأن تكون هناك خطوات عملية على مستوى البرلمانات الإسلامية، ألا توجد علاقة صحية يمكن أن تبنى عليها قرارات توقف هذه الآلة العسكرية الإسرائيلية؟
قورتولموش: توجد علاقة صحية بلا شك مع البرلمانات الإسلامية لكن ليس كل الدول تتخذ الموقف نفسه ونقطة أخرى أن أمريكا والغرب رغم أنها تدعم إسرائيل لكنها اليوم باتت عبئا على أمريكا وعلى الغرب، والولايات المتحدة وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي قامت على نظام عالمي ذي قطب واحد وأدارت المرحلة على هذا الإطار لكن بات محل تشكيك، ومع هذه الحرب المشهد ازداد وضوحاً فالعالم يتجه إلى نظام متعدد الأقطاب وآلام هذا المخاض نعيشها جميعا والعالم خرج من فكرة القطب الواحد.
سؤال: عفواً معالي الرئيس أعرف أن برنامجكم مزدحم ماذا عن علاقاتكم البرلمانية مع دول الخليج والعالم العربي؟
قورتولموش: العلاقات بين البرلمانات جيدة، في إطار منظمة التعاون الإسلامي عقدت العديد من الاجتماعات وخلال العام المقبل فإن المخطط أن أقوم بجولتين إلى تلك الدول، ونأمل أن تسفرا عن تحسين العلاقات مع هذه البرلمانات وتحسينها.
سؤال: تتولون رئاسة البرلمان التركي في مرحلة انتقال تركيا إلى المئوية الثانية ما هي أبرز المشاريع التي تدرس اليوم في البرلمان التركي لكي تواكب هذه المرحلة؟
قورتولموش: هناك خطوتان مركزيتان نخطط لهما، الأولى هي تعديل اللائحة الداخلية للمجلس في هذا الإطار سوف يتحقق تفعيل أكثر للمجلس من حيث التشريع والإجراءات التشريعية وتوفير بيئة أفضل للنقاشات البرلمانية التي تجري، والخطوة الثانية هي الدستور الجديد الشامل مدنيا وأساسه ومركزه الإنسان، وهذان أمران مركزيان وإجراؤهما وبذل المساعي في سبيلهما في برلمان كالبرلمان الحالي فيه أحزاب وكتل مختلفة أمر صعب، لكن ما نطمح إليه بشكل أساسي هو توفير بيئة صحية بيئة يتمكن فيها من إجراء النقاشات بشكل صحيح وإذا تمكنا من هذه الخطوات نكون قد حققنا الكثير لتركيا.
سؤال: الكتلة الرباعية إن صح التعبير التي تقود في البرلمان التركي هل ستتمكن من المصادقة على دستور جديد يقود تركيا في المئوية الجديدة؟
قورتولموش: هذا أمر يعتمد على البيئة التي تجرى فيها النقاشات، فالسياسة هي البيئة التي يطرح فيها الناس أو الأطراف آراءهم وينشأ فيها التحاور بين الأطراف، وإذا امكن ذلك بشكل صحيح نكون قد حققنا أمراً جيداً، وفي الفترات الماضية فإن الأحزاب توافقت وصدقت على 64 مادة وأرى أنه في حالة توافرت البيئة الصحية المناسبة فهناك عدد من المواد التي ستتم المصادقة عليها سيكون أكثر ومن اجل هذا يجب تحسين العلاقات بين الأحزاب وتناولها في بيئة أكثر مرونة.
سؤال: كيف تستشرفون مستقبل تركيا في المئوية الثانية للجمهورية؟
قورتولموش: نحن منذ أتى أجدادنا إلى هنا ونحن نضع هدفا جديدا في كل يوم ولم نكتف بما تم وضعه وقلنا يكفي هذا بل كل يوم جديد ونحن نرى ليس التراجع فكما يقال: “من اعتدل يوماه فهو مغبون” فحتى استواء يومينا نرى فيه نقصا ومن ثم ففي كل يوم سنسعى ونبذل إلى الجديد وألخص رؤيتي لمستقبل تركيا بجملتين: هدفنا هو تحقيق تركيا كلمتها قوية وقوتها فعالة مؤثرة وهذا له تفصيله للرقي بتركيا في كل المناحي الرقي بالإنسان والرقي بالدولة ولتقوية الدولة وتدعيمها وهذا ما أراه لمستقبل تركيا.
سؤال: هناك برلمانات غير مسلمة في جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية لها مواقف أفضل بكثير من برلمانات عربية وطالبت بقطع العلاقات مع الكيان، وهي مواقف لم نشهدها في البرلمانات الإسلامية، ما الذي يمنع هذه البرلمانات أن تضغط على دولها لتكون لها مواقف عملية تجاه الكيان الإسرائيلي لوقف العدوان؟
قورتولموش: هناك سببان، أولهما التشرذم الذي أشرت إليه سابقا، ثانيا على المستوى السياسي أتحدث عن بعض السياسيين لديهم خوف مفرط من إسرائيل وممن يقف خلف إسرائيل وإلا لو كانت الأوضاع تناقش على مستوى سياسي معقول فهناك الشعوب والبرلمانات التي تضع موقفها بشكل واضح، ففي لندن اجتمع 300 ألف شخص ثم في الأسبوع الذي تلاه اجتمع مليون شخص وتضامنوا مع فلسطين ومثلها مظاهرات في واشنطن ونيويورك وبرلين وباريس والناس يجتمعون وينددون بما يحدث ويسعون لإيقاف ذلك وما نراه اليوم أنه باتت تتشكل جبهة إنسانية على صعيد عالمي واليوم نرى أن مئات الملايين من البشر يقفون موقفاً إنسانياً تجاه ما يجري في غزة، وهذا الأمر نشهده ويتواصل في المسيرات التي نراها وهذه مؤشرات جيدة ويجب تدعيمها، وما نراه اليوم هو أن إسرائيل تدخل مرحلة من العزلة وهي لديها قوة كبيرة على الصعيد الإعلامي والتمويل ولديها قوة كبيرة يمكن أن تؤثر على صانعي القرارات في الدول، لكن من قبل الشعوب هناك حالة من عزل إسرائيل ستتصاعد بحسب ما أرى وهذه الجبهة الإنسانية إذا تم تدعيمها فإن الموقف سوف يتعزز ضد إسرائيل ونصرة للفلسطينيين. والخطوة الثالثة التي ينبغي القيام بها هي القيام بالمراجعات والمتطلبات اللازمة ليذهب نتنياهو وفريقه ليمثلوا أمام محكمة العدل الدولية. وهذا الأسبوع هناك نحو 3200 محام قدموا بلاغات لمحكمة العدل الدولية عن جرائم الحرب الإسرائيلية وإذا تراكمت هذه الطلبات من دول العالم سيتم الضغط على إسرائيل.