بعد 50 يوماً كيف فقد الكيان إسرائيلي السيطرة على حربها في غزة؟
أفاد تقرير لصحيفة “ذي صن” البريطانية بأن وقف إطلاق النار المؤقت والإفراج عن الرهائن والأسرى لاقى ترحيباً واسعاً من “أطراف الصراع” كافة في غزة بعد 50 يوماً من الحرب الشرسة.
ويقول التقرير إنه على الرغم من هذه الأخبار الإيجابية، فإن تعامل إسرائيل مع أزمة الرهائن يشير إلى أنها معرَّضة لخطر خسارة الحرب.
وفي اليوم الثاني من الصراع، طبَّقت إسرائيل المادة الـ40 من قانونها الأساسي وأعلنت نفسها رسمياً في حالة حرب مع حركة حماس، ما مكّن الجيش الإسرائيلي من استدعاء قوات الاحتياط.
ووفقاً لحسابات إسرائيل الخاصة فإن قوة الجيش المعبأة التي يبلغ قوامها 550 ألف جندي، وهي أقوى بعشرين مرة من القوة التي تنسبها إلى حماس والتي يبلغ قوامها 25 ألف جندي، ما يعد تفوقاً كبيراً لخوض الحرب الأخيرة.
ويشير التقرير إلى أنه رغم هذه المؤشرات القوية، فقد فقدت إسرائيل السيطرة على الأحداث. فالرهائن يعطون حماس السوط وهم ماهرون في استخدامه.
وحسب الصحيفة، فإن مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي يضع مسألة استعادة الرهائن قبل أهدافه العسكرية المباشرة، ومن المتوقع أن تتلاعب حماس بمشاعر الجميع سعياً إلى تحقيق أقصى استفادة على الصعيد السياسي.
ومثل بقية دول العالم يستطيع قادة حماس أن يروا بوضوح أن حكومة الحرب الإسرائيلية تنحني أمام الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة. وعندما التقى الرئيس بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 18 أكتوبر/تشرين الأول، كان من الواضح أن بايدن كان متشككاً في أن أفضل طريقة لتحرير الرهائن هي ممارسة أقصى قدر من الضغط العسكري على حماس.
ولكن عندما أطلقت حماس سراح مواطنَين أمريكيَّين في 20 أكتوبر/تشرين الأول، وافقت واشنطن على اقتراح القطريين بأن بإمكانهم التفاوض مع حماس لإخراج عدد كبير من الرهائن وإدخال بعض قوافل المساعدات إذا كان هناك وقف مؤقت لإطلاق النار.
ووفقاً للتقرير، كان المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، يدير خلية خاصة في واشنطن نسقت بشكل مكثف مع مكتب رئيس الوزراء القطري في الدوحة، لتأطير ثم دفع صفقة الهدنة المعقدة التي بدأت صباح الجمعة. ولم تكن الحكومة الإسرائيلية اللاعب الأكثر أهمية في إنجاز هذا الاتفاق.
وتحت ضغط داخلي متزايد من عائلات الرهائن الإسرائيلية، حاول نتنياهو استعادة بعض النفوذ من خلال عرض تمديد وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام أخرى، بشرط إطلاق سراح 50 أسيراً آخر خلال تلك الفترة.
ونشرت إسرائيل أسماء الكثير من المعتقلين الفلسطينيين الآخرين الذين يمكن إطلاق سراحهم إذا مُددت الصفقة، على أمل ممارسة القليل من الضغط العائلي على قادة حماس.
وأوضح التقرير أنه إذا أُطلق سراح 100 من الأسرى الـ230 الذين تحتجزهم حماس بعد وقف إطلاق النار لمدة تسعة أيام، فسيكون ذلك على الأقل بمثابة شيء لتهدئة الغضب الذي يشعر به الكثير من الإسرائيليين بشكل واضح تجاه نتنياهو، الذي أصبحت سياسته الأمنية على مدى السنوات الـ14 الماضية الآن في حالة خراب.
ومهما كانت الأيام التي قد يستمر فيها وقف إطلاق النار، فإن الجيش الإسرائيلي سوف يستخدم هذه الفترة لإعادة تمركز قواته للمرحلة التالية، في محاولة لتحسين صورته الاستخباراتية وإعادة تخزين الأسلحة لهجوم آخر.
ويفيد التقرير بأنه مع احتشاد نحو مليوني مدني في جنوب القطاع، لن يتمكن الجيش الإسرائيلي من اجتياح ثلاث أو أربع فرق مدرعة كما فعل في الشمال.
وكانت ردود أفعال الجيش الإسرائيلي المثيرة للجدل عندما وصلت إلى مجمع الشفاء الطبي تشير إلى سوء تخطيطه لأي عمليات تتمحور حول المدنيين. وفي غياب خطة سياسية واضحة من تل أبيب، لا يزال الجيش الإسرائيلي يطير بلا هدف بعد 30 يوماً من العمليات الميدانية.
ويقول التقرير إن مشكلات الجيش الإسرائيلي في الجنوب ستكون أكبر بكثير، ففي الأسبوع الماضي، نصح الجيش الفلسطينيين هناك بالانتقال إلى بلدة المواصي في أقصى الزاوية من القطاع حتى يتمكن الجيش الإسرائيلي من التقدم إلى المناطق الحضرية في خان يونس ورفح.
وأشار رؤساء وكالات الأمم المتحدة إلى أن هذا لم يكن غير مرغوباً فيه بشدة فحسب، بل كان مستحيلاً من الناحية المادية. وفي مواجهة الكثافة السكانية الجديدة جنوب وادي غزة التي تبلغ نحو 9000 شخص لكل كيلومتر مربع، أي أعلى بنسبة 40% من لندن الكبرى، فمن غير المتصور أن تتمكن إسرائيل من تكرار هجوم المشاة الآليّ المفتوح نسبياً الذي نفّذته في الشمال.
ويؤكد التقرير أن أي تجديد لحملة القصف الإسرائيلي من المرجح أن يثير المزيد من الغضب الدولي، خصوصاً بعد وقف إطلاق النار القصير الذي كان من شأنه أن يخفف بعضاً من معاناة المدنيين في غزة وأُسر المحتجزين الإسرائيليين.
ويخلص التقرير إلى أن الحقيقة القاسية بالنسبة لتل أبيب هي أن حربها المعلنة رسمياً تسير بشكل خاطئ بعدة طرق كان من الممكن أن يخشاها مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي في البداية لو أنهم فكروا بجدية أكبر قبل إعلانها.