هل تذهب أذربيجان إلى أبعد من إقليم قره باغ؟
أبدت كبريات الصحف الفرنسية اهتماما كبيرا بالمعارك المتبادلة بين جيشي أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورني قره باغ، في محاولة لتوضيح أسباب اندلاعها وواصفة الحالة في الميدان، حيث أوضحت “لوفيغارو” أن باكو تتخذ “مكافحة الإرهاب” ذريعة لشن الحرب، وأشارت “ليبراسيون” إلى أن القصف يستهدف المدنيين، في حين علقت “لاكروا” بأن هذه المعارك قد تكون نهاية “جمهورية آرتساخ” وهو الاسم الذي أطلقه الأرمن على هذه المنطقة الواقعة في قلب أذربيجان ولكن غالبية سكانها من الأرمن.
واعتبر عالم الجغرافيا السياسية تيغران يغافيان -في مقابلة مع “لوفيغارو”- أن “الحرب في أوكرانيا هبة من السماء” بالنسبة لأذربيجان التي استطاعت في حربها الأولى للسيطرة على قره باغ واستعادة 75% من أراضي المنطقة، لكن الروس تدخلوا وقتها، وبقي 120 ألف أرمني على القطعة الصغيرة من الأراضي المتبقية، وخمن العالم أن أذربيجان لن تتوقف عند الإقليم وأنها تريد أن تأخذ ممر زانجيزور في مقاطعة سيونيك الواقعة أقصى جنوب أرمينيا.
وأشار يغافيان إلى أن موسكو توقفت منذ فترة طويلة عن القيام بدور الوسيط في القوقاز، ورأى أنها منحازة لأذربيجان التي تمر منها الطرق الهيدروكربونية الروسية الآن للتحايل على العقوبات الغربية، وقال إن باكو لم تقدم على الهجوم إلا بعد أن اطمأنت إلى أن موسكو المنكفئة على نفسها -والتي اكتفت بطلب “وضع حد لإراقة الدماء”- لن تتدخل.
وتساءلت الصحيفة: هل كان هذا الهجوم متوقعا، لترد بأن جميع المراقبين سجلوا تحركات جوية بين إسرائيل وباكو خلال الأسبوع الماضي، وأن العديد من المبلغين تحدثوا عن تحركات مدفعية أذرية كبيرة على الحدود مع أرمينيا وحول قره باغ، مما يعني أن الأمر كان متوقعا، خاصة أنه استمرار منطقي لسياسة أذربيجان، معتبرة أن ما يجري حرب هجينة منخفضة الحدة تم تنفيذها وسط لامبالاة عالمية عامة.
ونبهت إلى أن أرمينيا تخلت الأشهر الأخيرة سياسيا وعسكريا عن الإقليم المتنازع عليه، واضطر جيشها المنتشر هناك للمغادرة عام 2021، بعدما اعترفت -تحت ضغط من الغرب- بوحدة الأراضي الأذربيجانية في الجيب، إلا أن هذا الجيب كان بمثابة الدرع بالنسبة لها وبمجرد أن فقدته فقدت السيطرة على حدودها.
أما بالنسبة للتحالفات، فرأى المتخصص في الجغرافيا السياسية أن الأتراك لن يتدخلوا لصالح أذربيجان هذه المرة كما فعلوا في الحرب الأولى بل سيكتفون بعملهم دبلوماسيا وسياسيا، كما أن العقوبات المرجوة لن تأتي من الغرب لأن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الأذري، علما بأن الغرب لا يهمه سوى تحييد الوجود الروسي، حتى لو كان ذلك يعني “التضحية بشعب بأكمله”.
ومن ناحيتها، أشارت ليبراسيون إلى أن الوضع -الوقت الحالي- مستقر على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، منبهة إلى أن تحركات القوات التي تمت ملاحظتها الأسابيع الأخيرة تثير المخاوف من احتمال شن هجوم في الجنوب الأرميني، في محاولة لإنشاء ممر بري إلى منطقة ناختشيفان الأذرية.
وقالت “لاكروا” إن باكو تطالب بمعاقبة المسؤولين عن مقتل 4 من ضباط الشرطة واثنين من المدنيين الأذريين بسبب الألغام، ولكنها في الحقيقة تريد أن تحقق ما لم تحصل عليه خلال انتصارها العسكري السابق على يريفان عام 2020، وليس لدى الأخيرة ما تفعله سوى التنديد بـ “العدوان لغرض التطهير العرقي” ومناشدة الأمم المتحدة أو حلفائها التقليديين -وعلى رأسهم- روسيا للتدخل.