هل تستعيد المقاومة الشعبية في اليمن زخمها بعد توحدها؟
أثار الإعلان عن تشكيل مجلس أعلى للمقاومة اليمنية وتحت قيادة موحدة، رغم اعتراض بعض الفصائل، أسئلة عديدة عن دلالة هذه الخطوة والدور المتوقع لهذا الكيان.
وكانت قيادات في المقاومة الشعبية في عدد من المحافظات اليمنية، قد أعلنت نهاية تموز/ يوليو الماضي، من محافظة مأرب، شمال شرق البلاد، عن تشكيل قيادة جديدة لها ضمن كيان واحد يسمى “المجلس الأعلى للمقاومة”، مؤكدة الاستمرار في خيار المقاومة لجماعة الحوثي حتى استعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على وحدة البلد وسيادته.
وقد اختارت تلك القيادات، الشيخ حمود المخلافي، رئيسا للمجلس الأعلى لها، إضافة إلى 5 نواب من محافظات شمال وجنوب وغرب البلاد، بينهم حاكم أرخبيل سقطرى السابق، رمزي محروس، حيث يقع الأرخبيل في المحيط الهندي قبالة سواحل اليمن الجنوبية.
استفراد وأخطار
وفي السياق، يرى الخبير الاستراتيجي اليمني، علي الذهب، أن هناك دلالات لتشكيل مجلس أعلى للمقاومة تتمثل في “الاستفراد السعودي بالقرار اليمني والذهاب إلى مفاوضات استسلام وليس سلام مع جماعة الحوثي وإقصاء الأطراف التي حملت البندقية للوهلة الأولى في مكافحة الحوثيين ومحاولة تشتيتهم وإحلال قوى أخرى تطوعها كيفما تشاء”.
وقال الذهب، إن ذلك يأتي في ظل أخطار تحدث في البلاد إلى جانب الخطر الذي يشكله الحوثيون، إضافة إلى خطر تمزيق البلد وتسليمها للانفصاليين الجنوبيين، فضلا عن هيمنة قوى الخارج على مناطق الثروات وعودة الهيمنة البريطانية والأمريكية على الساحل الجنوبي ابتداء من باب المندب ( ممر الملاحة الدولية) وحتى محافظة المهرة على الحدود مع عمان، أقصى شرق البلاد.
وأشار الخبير اليمني إلى أن المجلس الأعلى للمقاومة لا يزال في طور التطوير والبناء، قائلا: أعتقد أنه ماض في ذلك إذا أتيحت له الفرص المختلفة والدعم بمختلف أنواعه.
وأضاف أن على الحكومة اليمنية أن تنظر إلى المجلس بوصفه سندا لها، لا بوصفه خصما لها، بحيث تتكئ عليه في الظروف السيئة التي تحيط بها وتأثير الخارج عليها.
وتابع بأن الحكومة والقوى الوطنية الأخرى تدرك أن المقاومة كانت أساسا لقيام واستعادة ثباتها وجمع شتاتها بعد أن استخدم الحوثيون قوة الدولة في تقويضها ومطاردتها ووصولها إلى عدن، حتى تدخل التحالف العربي ( تقوده السعودية) في 2015.
وأوضح الخبير الاستراتيجي اليمني أنه “لا شك أن المجلس الأعلى للمقاومة سيكون له حضور ودور سياسي وعسكري يتمثل الأخير في الكفاح المسلح”.
وقال إنه يمكن اعتبار المجلس حركة لإحياء الكفاح المسلح، وهي حق مشروع وسيكون له دور سياسي يعززه الوجود المسلح على الأرض، مضيفا أنه “لا يمكن أن نقول إنها حركة متمردة ولا نقابة أو حزب، ولكن قد يكون حزبا سياسيا في المستقبل وهو حق مشروع”.
وقال الخبير الذهب: إذا وضعت الأطراف الأخرى السلاح، فإن ما تبقى من تشكيلات المقاومة أو ما قد ينشأ في الضرورة من تشكيلات أيضا، سيكون مصيره الانخراط تحت هياكل وزارة الدفاع.
إعلان سياسي
في المقابل، اعتبر الكاتب والصحفي اليمني، كمال السلامي، أن تشكيل المجلس الأعلى للمقاومة خلال الأيام الماضية، بمثابة إعلان سياسي أكثر من كونه توجها جادا لاستئناف المقاومة على الأرض.
وأضاف السلامي أن ما يعزز ذلك هو حالة الانسحاب والرفض والنفي التي أعقبت الإعلان، حيث أعلنت عدد من فصائل المقاومة، والشخصيات التي وردت أسماؤها في بيان الإشهار، عن عدم علمها ورفضها الانخراط في هذا الفصيل أو الكيان الجديد.
وأشار إلى أنه من الصعب التكهن بنجاح كيان قيادته الفاعلة في المنفى، مؤكدا أن أي فعل مقاومة لا ينطلق من الأرض، ولا تكون قيادته على الأرض، لن يكتب له النجاح.
أما بشأن توقيت الإعلان، فيعتقد الصحفي اليمني السلامي أنه يأتي استثمارا لموضة المجالس السائدة في هذه المرحلة، خصوصا بعد تشكيل مجلس حضرموت الوطني، وتلميح قيادة المجلس الرئاسي بدعم خطوات كهذه خطوات.
وقال: تريد قيادة الكيان الوليد إيصال رسالة مفادها أن هناك مقاومة يجب أن تكون حاضرة في أي تسوية سياسية قادمة”، وأضاف: “لا أتوقع الكثير من هذا الكيان، ذلك أنه جاء متأخرا، ولو أنه جاء قبل عامين لكان بالإمكان التعويل عليه كثيرا.
لكن مع ذلك، فقد لفت الكاتب السلامي إلى أنه إذا ما تبلورت الفكرة، وانتقلت من أيدي قيادات وسياسيي المنفى، إلى الداخل، وبدأت تتكتل كيانات وشخصيات أصيلة ومرتبطة بالفعل المقاوم حتى اللحظة، فقد يحدث تحول مفصلي، ربما يعيد المقاومة إلى الصدارة.
انسداد واختبار إرادات
أما الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، فأكد أن الإعلان عن إعادة توحيد المقاومة الشعبية في كيان واحد، يأتي في ظل الانسداد الخطير في أفق الحل السياسي مع تراجع الخيار العسكري، والانحدار في مستوى التعاطي مع أولويات الشعب اليمني وتطلعاته إلى سلام يقوم على هزيمة مشاريع الانقلاب والتمرد وحماية كيان الدولة اليمنية من المهددات التي تطال وحدة وسلامة ترابها الوطني.
وقال التميمي: لاحظ قادة المقاومة أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ومعسكر الشرعية في حالة تيه غير مسبوق افتقدوا معه إلى الآليات والخيارات الفعالة للتعاطي مع المهددات الراهنة للدولة ومستقبلها، بعد أن أقام المتدخلون الخارجيون حاجزا قوياً بين الشرعية والواقع الميداني الذي تهيمن عليه قوى ومليشيات مسلحة تعمل وفقا لحسابات وأولويات متصلة بالخارج.
وتابع بأن تلك المليشيات تتأهب لتقاسم تركة ما بعد الحرب.
وأشار الكاتب التميمي: وإزاء هذا الوضع، رأى هؤلاء القادة أن الوقت قد حان لإعادة النظر في معادلة الصراع الحالية من خلال الإمساك مجددا بالعهدة الوطنية الغالية والذود عنها وإعادة توجيه المعركة صوب أهدافها الحقيقية.
وأكمل: وقد اقتضى الأمر إعادة توحيد المقاومة تحت مظلة المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية.
وحول الدور المتوقع من هذا الكيان، أوضح التميمي أن المقاومة ستمضي قدما في استثمار الموارد المتاحة لتصدر المعركة الوطنية بعيدا عن الحسابات والكوابح، الأمر الذي سيضع الجميع أمام واجبات اللحظة التاريخية الحاسمة التي تقتضي اختبار الإرادات وإسقاط الشعارات والادعاءات على أرض الواقع.
وكان المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، قد أكد في بيان إشهاره نهاية تموز/ يوليو الماضي على أنه حركة نضال وطني تضم في تكوينها جميع القوى السياسية والاجتماعية والمكونات الشعبية والفعاليات الشبابية والجماهيرية، ولا يمثل أي توجه فكري أو مكون سياسي، ويؤكد ابتعاده عن التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية وما يقود إليها وما يترتب عليها.
وشدد على أن استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب وما ترتب عليه من اختلالات أمنية وانقسامات سياسية سيبقى الهدف الأساسي للمجلس والأولوية الكبرى التي يسعى لتحقيقها.
وقال، إن المجلس يتمسك بالنظام الجمهوري للحكم والشكل الاتحادي للدولة والتعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، واستقلال اليمن ووحدته وسلامة أراضيه.
وقد اعترضت بعض الشخصيات التي تم ورود أسمائها في بيان الإعلان عن مجلس المقاومة، فيما انتقدت تشكيلات مقاومة في بعض مقاطعات اليمن تشكيل المجلس دون أن يكون لها دور في ذلك.