عشرة سنوات على مجرزة رابعة في مصر.. جرائم النظام لم تتوقف
لم تكن مجزرة “رابعة” الوحيدة التي ارتكبها النظام المصري بحق المدنيين العزل في مصر، بل إن سلسلة من الجرائم التي وثقت قبل وبعد الجريمة المروعة، تكشف أن عمليات قتل المدنيين أصبحت نهجا لدى سلطات الانقلاب، بهدف تخويف الناس وترويعهم.
صباح 14 آب/ أغسطس 2013، ارتكب قائد الجيش المصري ورئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، أبشع مجزرة بحق المصريين في التاريخ الحديث، حين حشد قوات الجيش والشرطة لفض اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، في “رابعة العدوية” و”النهضة”.
الجريمة التي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها “إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث”، نفذت في اعتصام سلمي استمر نحو شهرين، على إثر انقلاب السيسي، ضد محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، في 3 تموز/ يوليو 2013.
قبل المجزرة
سبقت مجزرة فض “رابعة” و”النهضة”، عدة مجازر في محيطهما كانت مؤشرا على تخطيط الجيش لسرقة السلطة حتى ولو كان الثمن هو دماء أبرياء عزل يطالبون بحماية أصواتهم الانتخابية، وفق مراقبين.
وفي 5 تموز/ يوليو 2013، قامت قوات الأمن المصرية بقتل 5 متظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري، القريب من اعتصام أنصار مرسي في “رابعة العدوية”.
وهي الجريمة التي تكررت بعد 3 أيام عبر مجزرة ارتكبتها قوات الأمن المصرية فجر 8 تموز/ يوليو 2013، أمام مقر الحرس الجمهوري.
الجريمة التي عرفت بـ”مجزرة الساجدين”، أسفرت عن مقتل 61 وإصابة أكثر من 435 من المعتصمين أثناء صلاة الفجر، وفق بيان مصلحة الطب الشرعي “حكومية”.
وفي 15 تموز/ يوليو 2013، ارتكبت قوات الأمن مجزرة “رمسيس الأولى”، حيث أطلقت قوات الأمن المدعومة بالبلطجية الرصاص على مسيرة لأنصار مرسي، في وسط القاهرة ما أدى لمقتل نحو 17 متظاهرا وإصابة العشرات.
وفي واحدة من أبشع جرائم نظام السيسي، بحق نساء مصر، في 20 تموز/ يوليو 2013، اعتدت قوات الأمن والبلطجية على مسيرة نسائية بمدينة المنصورة وسط الدلتا فقتلت 4 نساء وأصابت العشرات منهن.
مجازر ما بعد التفويض
عقب تلك المجزرة وفي 24 تموز/ يوليو 2013، طالب وزير الدفاع المصري حينها، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، الشعب المصري بالنزول إلى الشوارع يوم الجمعة 26 تموز/ يوليو 2013، لمنح الجيش والشرطة تفويضا شعبيا لمواجهة ما دعاه بـ”العنف والإرهاب”.
تجمع مؤيدو السيسي، بميدان “التحرير” وسط القاهرة، في حماية الجيش والشرطة وطائرات القوات الجوية، وأعلنوا منحهم السيسي ذلك التفويض، الذي استخدمه منذ ذلك الحين في أعمال القتل وارتكاب المجازر التي وقعت بالبلاد حتى اليوم.
ومنذ ذلك الحين يواصل النظام العسكري الحاكم في مصر ارتكاب أبشع المجازر بحق المصريين.
بعد ذلك التفويض بيوم واحد ارتكبت قوات الأمن المصرية بمعاونة مجموعات من “البلطجية” مجزرة “المنصة”، مساء 27 تموز/ يوليو 2013، أمام “النصب التذكاري” الشهير بمنطقة “رابعة”، والتي راح ضحيتها نحو 90 من أنصار مرسي وأصيب المئات.
وعقب مجزرتي فض “رابعة”، و”النهضة”، بيومين، ارتكبت قوات الأمن المصرية إحدى أبشع مجازرها بحق المصريين وهي “رمسيس الثانية”، الجمعة 16 آب/ أغسطس 2013.
حين تجمع آلاف الغاضبين من أنصار مرسي، بالميدان وبمحيط مسجد “الفتح” الشهير، لتدور أعمال القتل بحقهم بعد صلاة الجمعة وحتى صباح اليوم التالي حاصدة أرواح 120 مصريا وإصابة المئات.
وفي نفس توقيت مجزرة “رمسيس الثانية”، ارتكبت قوات الأمن بالإسكندرية مجزرة “سموحة”، بعد أن خرج الآلاف من رافضي الانقلاب لتشييع جثماني اثنين من شهداء مجزرة فض رابعة من مسجد “القائد إبراهيم” الشهير، قتل الأمن والبلطجية نحو 40 شخصا وأصيب نحو 95 آخرين.
بعد مجزرتي “رمسيس الثانية” و”سموحة”، بيومين وقعت إحدى أبشع جرائم القتل الجماعي لعزل في مصر، داخل ما عرف إعلاميا بـ”سيارة الترحيلات”.
ضمت السيارة 45 معتقلا من محيط “رابعة العدوية” يوم الفض، وبينما كان يجري ترحيلهم إلى سجن “أبي زعبل” شمال القاهرة، قام الضباط المسؤولون بإلقاء قنبلة غاز عليهم ليلقى 37 منهم مصرعهم اختناقا وحرقا.
مجازر لا تنتهي
ومع حلول أول ذكرى لنصر أكتوبر 1973، عقب مجزرة رابعة، أطلقت قوات الأمن المصرية النار على آلاف المتظاهرين السلميين في القاهرة والعديد من المحافظات لتقتل نحو 75 متظاهرا، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وفي عام 2014، وبمناسبة الذكرى الثالثة لثورة 25 كانون الثاني/ يناير، وبعد نحو 5 أشهر من فض رابعة، قتلت قوات الأمن نحو 64 متظاهرا ضد الانقلاب العسكري، وفق تقدير ذات المنظمة.
وفي أيار/ مايو 2014، ارتكبت قوات الأمن المصرية مذبحة جديدة بحق أنصار الرئيس الراحل مرسي، في منطقتي المطرية وحلوان شرق وجنوب القاهرة.
ليشهد ميدان المطرية بالمنطقة الشعبية في 25 كانون الثاني/ يناير 2015، جريمة مقتل 25 متظاهرا برصاص الجيش والشرطة في الذكرى الرابعة للثورة.
ارتكبت قوات الأمن مجزرة جديدة على غرار مذبحة “استاد بورسعيد”، التي راح ضحيتها 74 من جماهير فريق الكرة بالنادي الأهلي في عهد المجلس العسكري شباط/ فبراير 2012، حينما كان السيسي يترأس المخابرات الحربية.
وبعد أن صار رئيسا لمصر ارتكبت قواته مجزرة “الدفاع الجوي” مساء 8 شباط/ فبراير 2015، التي قتل فيها 20 من جماهير نادي الزمالك بالغاز المسيل للدموع.
التصفية الجسدية
وبعد سلسلة من المجازر الدموية التي وثقتها منظمات حقوقية وانتقدتها هيئات ومؤسسات وكيانات دولية انتهجت السلطات الأمنية نهج التصفية الجسدية للمعارضين بعد اتهامهم بحيازة الأسلحة ومقاومة السلطات، وهي الروايات الرسمية التي كذبها شهود عيان وحقوقيون.
حوادث التصفية تلك ظهرت عام 2015، بعد حادث اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، وهي الجرائم التي دعمها السيسي، بإصدار قانون “مكافحة الإرهاب” الذي يقدم الحماية لأفراد الشرطة والجيش من المساءلة القانونية عن أعمال القتل والعنف.
وإثر مقتل الإيطالي جوليو ريجيني، في مصر كانون الثاني/ يناير 2016، أعلنت وزارة الداخلية في 24 آذار/ مارس 2016، عن تصفية تشكيل عصابي مكون من 5 أفراد زعمت تورطه في قتل ريجيني، لتنكشف عدم صحة رواية الداخلية باتهام روما لـ5 ضباط مصريين تابعين للأمن الوطني.
وفي تموز/ يوليو 2015، أعلن الأمن المصري تصفية 9 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، داخل شقة بمدينة 6 أكتوبر (غربي القاهرة).
وفي 7 حزيران/ يونيو 2016، أعلنت وزارة الداخلية عن تصفية 3 مواطنين بشقة سكنية بمدينة رأس البر بمحافظة دمياط شمال الدلتا، وادعت أنهم بادروا القوات بإطلاق النار.
وفي الشهر ذاته، قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن أجهزة الأمن المصرية تنتهج سياسة قتل وتصفية لمواطنين مصريين خارج إطار القانون بتواطؤ من الأجهزة القضائية، مشككة في الروايات الأمنية، ومشيرة إلى تصفية الأمن 60 مصريا منذ تموز/ يوليو 2013.
وفي 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، قامت قوات الأمن بتصفية القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد كمال، برفقة القيادي بالجماعة ياسر شحاتة، بحي البساتين (جنوب القاهرة).
وفي 11 نيسان/ أبريل 2017، قامت الشرطة المصرية بتصفية 7 أفراد بصحراء أسيوط بصعيد مصر، وقالت إنهم ينتمون لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفي أيار/ مايو 2017، أعلن الأمن المصري تصفية المواطنين عبدالله رجب “25 عاما” ومحمد عبدالستار “44 عاما”.
وفي 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أعلن الأمن عن تصفية 13 شخصا في مزرعة بطريق الواحة الخارجة غربي أسيوط بالصعيد.
وفي 27 حزيران/ يونيو 2018، أعلنت الشرطة عن تصفية 4 أفراد في مركز الغنايم بأسيوط بصعيد مصر.
وفي 27 آب/ أغسطس 2018، أعلنت الداخلية المصرية عن مقتل 5 أفراد أثناء مداهمة لمنطقة جبلية بمحافظة سوهاج بصعيد البلاد.
وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أعلنت الشرطة عن تصفية 9 مسلحين بمنطقة جبلية على طريق أسيوط-سوهاج في الصعيد.
وفي 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أعلن الأمن المصري عن تصفية 13 مسلحا في مغارة بطريق أسيوط الفرافرة بالصعيد.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، أعلنت وزارة الداخلية عن تصفية 19 شخصا بمنطقة صحراوية في محافظة المنيا وسط الصعيد.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2018، أعلنت الداخلية المصرية عن تصفية 40 شخصا وصفتهم بالإرهابيين، صبيحة تفجير استهدف حافلة سياحية بمنطقة المريوطية بالجيزة.
وأعلنت وزارة الداخلية في الشهر ذاته عن مقتل “إرهابيين” اثنين خلال اشتباك وقع في أثناء مداهمة منطقة جبلية بالصعيد.
وقبل ذلك بأربعة أيام، أعلنت الداخلية عن مقتل أحد “الإرهابيين” وإصابة آخر في اشتباكات مع الأمن على طريق الفرافرة بالصحراء الغربية.
وفي نيسان/ أبريل 2019، وثقت وكالة “رويترز” قيام الأمن المصري بقتل 435 شخصا، على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة، فيما وصفت رواية الوزارة حول اشتباك القتلى مع الشرطة بأنها “مشكوك فيها”.
وقالت “منظمة العفو الدولية”، في 14 آب/ أغسطس 2019، إن “التقاعس عن إخضاع أي فرد من قوات الأمن، أو ممن يتحملون مسؤولية قيادتهم، للمحاسبة عن أعمال القتل، قد عزِّز مناخ الإفلات من العقاب المتفشي على نطاق واسع، وشجِّع قوات الأمن على ارتكاب عمليات إخفاء قسري بشكل جماعي، وعلى تعريض المعتقلين بشكل مستمر للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة دون خوف من العدالة”.
دماء أهل سيناء
وفي إطار ما أطلق عليه السيسي، الحرب ضد الإرهاب، سقطت أعداد من المصريين المدنيين ومن قوات الأمن قتلى وجرحى في محافظة شمال سيناء، خاصة منذ شباط/ فبراير 2018، مع ما أطلق عليه الجيش المصري عملية “شاملة” للقضاء على الإرهاب.
أعمال الجيش والشرطة المصرية في مواجهة العناصر التكفيرية والإجرامية كما يصفها إعلام النظام، طالت الكثير من المدنيين في سيناء، وجرى هدم الكثير من منازل الأهالي وترحيلهم من مساكنهم وتجريف أراضيهم الزراعية، ووقع العديد من أبناء سيناء ضحايا لرصاص الأمن، بحسب شهادات الأهالي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، في كانون الأول/ ديسمبر 2018، أعلنت القوات المسلحة المصرية تصفية 27 شخصا في سيناء، قالت إنهم تكفيريون شديدو الخطورة، قتلوا خلال تبادل لإطلاق النيران.
وفي 15 أيلول/ سبتمبر 2019، أعلنت وزارة الداخلية، مقتل مجموعة ممن وصفتهم بالمسلحين (لم تحدد عددهم) خلال مداهمة أمنية شمالي سيناء.
وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أعلنت قوات الأمن عن تصفية 13 شخصا، قالت إنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار بحي الحوض في العريش بشمال سيناء.
وفي جرائم متواصلة، كشفت مقاطع فيديو مسربة عن تصفية قوات الشرطة والجيش لأشخاص في سيناء، وقتلهم بدم بارد وهم أحياء، دون إحالتهم للنيابة أو القضاء.
وفي آخر الجرائم المثيرة للجدل في سيناء، وقعت مجزرة في مقر الأمن الوطني بمدينة العريش بشمال سيناء نهاية الشهر الماضي، حيث أكدت وكالة “أسوشييتد برس” مقتل 4 من رجال الشرطة، وإصابة 21 آخرين.
عار لن يُمحى
وفي تعليقه على مرور 10 سنوات على مجزرة القرن، قال السياسي المصري والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين جمال حشمت، لـ”عربي21″، إن “ما حدث في رابعة والنهضة يوم أسود في تاريخ مصر الحديث والقديم”.
وأضاف: تعرض مصريون مدنيون مسالمون معبرون عن رفضهم لحكم العسكر بالتظاهر السلمي، للقتل والحرق بلا تمييز بأياد مصرية من الجيش والشرطة وبأسلحة متنوعة كنت شاهدا عليها داخل الميدان.
حشمت، أكد أن “هذا العار لن يُمحى من تاريخ هذا الانقلاب العسكري، ولن يفلت أحد شارك في قتل وتعذيب وحرق المصريين بهذه الوحشية، فإن فلت من العقاب والقصاص في الدنيا فلن يفلت أحدهم من حساب الآخرة”.
وأوضح أنه “لن نحول الذكرى إلى ملطمة ومحزنة واجترار للماضي؛ بل يجب أن يكون ما حدث علامة على طريق استرداد الحرية والكرامة الإنسانية، وإدراك كيف تحافظ على وطنك من المجرمين، وكيف تكتشفهم، وكيف تحول بينهم وبين ظلم الشعب مرة أخرى”.
ولفت إلى أنه “لا بد أن يدرك من أيد هذه المذبحة أنه اختار طريق الانحياز للاستبداد والكراهية التي فرقت شعب مصر”، داعيا هؤلاء إلى العودة لرشدهم والتعبير عن رفضهم العنف أسلوبا لحسم الخلافات.