أكثر من 70 في المئة من المغاربة يرغبون في الهجرة من بلدهم
مؤشرات عديدة تدق ناقوس الخطر بشأن رغبة المغاربة في مغادرة بلادهم بحثاً عن آفاق جديدة للعمل، حيث أعربت أغلبية العاملين في القطاع الخاص في المغرب عن رغبتهم في تغيير أماكن عملهم أو الهجرة نحو بلد آخر من أجل تطوير مسيرتهم المهنية.
وأظهرت نتائج استطلاع حديثة تحت اسم “التقدم الوظيفي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنة 2023″، أجراه أحد أكبر مواقع للوظائف في الشرق الأوسط بالتعاون مع “يوجوف” المنظمة الرائدة المتخصصة بأبحاث السوق، أن 71 في المئة من المستخدمين المغاربة عبروا عن استعدادهم للانتقال إلى بلد آخر من أجل تطوير مسيرتهم المهنية، بينما عبر 71 في المئة من المستخدمين عن استعدادهم للانتقال إلى مجال أو قطاع آخر من أجل هذه الغاية، في حين يرغب 49 في المئة في العمل في منصب أعلى.
ليست هي المرة الأولى التي يفصح فيه الشباب المغاربة على نيتهم بمغادرة بلادهم، إذ كشفت دراسة مغربية سابقة أن نحو 70 في المئة منهم يفكرون في الهجرة إلى الخارج.
ووفق الدراسة التي أعدها “المرصد المغربي للتنمية البشرية” بالشراكة مع برنامج “الأمم المتحدة الإنمائي”، فإن 7 من أصل 10 شبان مغاربة تُغريهم الهجرة إلى الخارج، وأن 83 في المئة منهم غير راضين عن حياتهم.
الدراسة التي حملت عنوان “أن تكون شاباً في المغرب خلال الوقت الحالي”، كشفت أن 73 في المئة من الشباب الذين شمِلتهم الدراسة يُفكرون في الهجرة لأسباب اقتصادية، فيما توقع 68 في المئة منهم سعادة أكبر إن هُم هاجروا بلادهم.
وقالت الدراسة المنشورة إن نسبة الشباب المغاربة الراغبين في الهجرة هي الأعلى في المنطقة العربية، حيث يراها شباب المغرب فرصة للثراء ولتقوية قدراتهم ومؤهلاتهم المهنية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى هجرة شباب مُكونين على مستوى رفيع في مجموعة من القطاعات كالأطباء والمهندسين والتقنيين.
وكشف وزير التعليم العالي المغربي، عبد اللطيف ميراوي، عن أن عدد الأطباء الذين يتخرجون سنوياً في المغرب يصل إلى 1400 طبيب، “نِصفهم يهاجر إلى أوروبا”، مبرزاً أن الدول الأوروبية ترحب باستقدام الأطباء المغاربة المتخرجين، بدليل أن ألمانيا علقت منح التأشيرة لجميع الوافدين خلال الجائحة باستثناء الطلبة الأطباء المغاربة.
وكشفت أرقام وُصفت بالصادمة، تضمنها تقرير “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” (مؤسسة رسمية)، أنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون مهنتهم في البلاد، يوجد ما بين عشرة آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسونها في الخارج، بخاصة في الدول الأوروبية.
من وجهة نظر الخبير الاقتصادي المغربي علي الغنبوري، فإن أسباب رغبة فئة كبيرة من المغاربة في الهجرة، يعود إلى كون “النموذج التنموي” المغربي وصل إلى حده الأقصى ولم يعد في مقدوره الانعكاس إيجاباً على التنمية بالمجتمع، وبالتالي لم يعد يسمح للمغرب أن يكون تنافسياً في مجموعة من القطاعات وعلى رأسها الموارد البشرية؛ لافتاً إلى أن المغرب يعيش على وقع هجرة شبابه من جميع المجالات، أطباء ومهندسين وتقنيين ومنتمين إلى مجموعة من القطاعات الاستراتيجية بالمغرب، ذلك أن الموارد البشرية المغربية لم تعد تتوقع أنها ستقوم بتحقيق طموحاتها في بلادها.
وأبرز الغنبوري أن المؤسسة الملكية في المغرب، كان لها من الوعي الكافي ما جعلها تسير نحو تغيير “النموذج التنموي” القديم وجعله أكثر قدرة على الإبقاء على الكفاءات المغربية في أرض الوطن والانفتاح على كفاءات مغاربة الخارج لإدماجهم والمساهمة في إنجاح المسلسل التنموي في بلادهم. وهو ما تم فعلاً حين جرى اعتماد نموذج تنموي جديد وبلورة إصلاحات استراتيجية في مجموعة من القطاعات كورش الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية الذي لا يهتم بإصلاح البنايات وتطوير كل ما يتعلق بالعرض الصحي فقط، ولكنه يهدف إلى تطوير ما يتعلق بالموارد البشرية وهو أهم إصلاح، وجعل القطاع الصحي في المغرب يستقطب الكفاءات ويبقي عليها في بلادها، بل واستقطاب الكفاءات خلال السنوات القليلة القادمة، مشيراً إلى أن تعزيز تنافسية القطاع الصحي سيجعل الموارد البشرية قادرة على تحقيق طموحاتها والعمل في بيئة سليمة.
وخلُص الخبير المغربي إلى أن سبب هجرة الكفاءات والطاقات المغربية المنتمية إلى مجموعة من القطاعات الاستراتيجية في المغرب، يعود إلى “النموذج التنموي” السابق الذي وصل إلى أقصى ما يمكن أن يحققه، وكان من الضروري تغييره وهو ما حصل فعلاً لتنطلق مجموعة من الأوراش التي عملت وستعمل على تسريع التنمية وخلق اقتصاد صاعد سينعكس إيجاباً على الوضعية الاجتماعية للمغاربة وعلى الموارد البشرية للمغرب ويجعل من المملكة بلد استقطاب للكفاءات وليس تصديرها.