قواة الدعم السريع.. الأحلام العريضة والحواضن المعطوبة

المتأمل في واقع قوات الدعم السريع وحواضنها قبل 15 أبريل/نيسان الماضي؛ تاريخ اندلاع الحرب، يجد أن هذه القوات تشكلت لها فرص كبيرة لكنها أضاعتها الواحدة تلو الأخرى بسبب انعدام الخبرة والحنكة والدراية والحكمة السياسية لحداثة التجربة في العمل السياسي، ولقلة معرفتها بالمجتمع السوداني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ولربما تاريخيا، إضافة إلى أن ضعف مستشاري قيادة قوات الدعم السريع كان عاملا مهما في عدم هداية قائد قوات الدعم السريع إلى الخيارات السليمة، أو تقديم القراءات الدقيقة للواقع السوداني ومن ثم اختيار القرار الصحيح المبني على التفكير المنهجي في انتهاج السياسات الممكنة.

 

حواضن قوات الدعم السريع قبل الحرب؛ هي 4 حواضن أساسية شكلت الروافع القوية والتي كان من الممكن للدعم السريع أن يحقق منها نجاحات باهرة لم تتح لأي كيان سوداني على مر تاريخ البلاد السياسي منذ الاستقلال، وتتمثل هذه الحواضن في الآتي:

 

الأولى: حاضنة المؤسسة العسكرية

 

الحاضنة الأولى هي القوات المسلحة السودانية نفسها والتي تعد أقوى الحواضن لقوات الدعم السريع، فقد فتح الجيش السوداني أذرعه واحتضن قوات الدعم السريع في كافة معسكراته ووحداته في المركز والولايات بالتدريب والتأهيل البدني والقتالي العالي عبر مدرسة عريقة تتجاوز خبرتها 100 عام ومن خيرة الضباط و”التعلمجية” والتجارب العسكرية التي عركتها وعرفتها ميادين القتال، وانتدب الجيش أكثر من 4 آلاف ضابط وأعدادا غير محددة من الجنود لمعاونة قوات الدعم السريع في مرحلة تأسيسه، هذا بخلاف الخبرات العسكرية السابقة التي انضمت للدعم السريع بعد نهاية خدمتها في الجيش.

 

لقد خرجت قوات الدعم السريع من رحم الجيش السوداني، ولكنها فقدت كل العون بمجرد تمردها على أمها الرؤوم، فأنهى الجيش انتداب ضباطه ومنسوبيه لقوات الدعم السريع على الفور وتضعضعت الثقة بين الطرفين، وأضحى لسان حال القوات المسلحة “علمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني”، ولم يعد ترميم هذه العلاقة بين الطرفين ممكنا بعد الحرب.

 

الثانية: الحاضنة القبلية

 

الحاضنة القبلية (قبيلة الرزيقات) اعتمد عليها قائد الدعم السريع منذ البدايات، والتي دعمها بعرب الشتات من دول غرب أفريقيا؛ وهي دول مالي وتشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى، وهذه ضعفت بمجرد اتخاذ قرار الحرب.

 

وقبيلة الرزيقات؛ هي قبيلة عربية سودانية أصيلة لها سهم سياسي واجتماعي ووطني مشهود في تاريخ السودان، وقد انقسمت هذه القبيلة على الدعم السريع وسرعان ما خرجت المواقف والمناشدات من قيادات القبيلة لأبنائهم بعدم الانجرار وراء هذه الحرب في صف الدعم السريع حينما تكشفت الحقائق والأهداف رغم أن المقربين من قيادة قوات الدعم السريع واصلوا معها القتال، أما عرب الشتات من غير السودانيين فواجهوا آلة الجيش الحربية القوية ولم يحققوا القليل من أهداف الدعم السريع من الحرب حتى الآن، ورغم استمرار القتال فإن كفته الراجحة بيد القوات المسلحة السودانية، فلم تعد هذه الحاضنة مجدية أو يمكن الاعتماد عليها من قبل قوات الدعم السريع لتحقيق الأهداف.

 

الثالثة: المال

 

الحاضنة الثالثة هي الفكرة التي اعتمدت السعي لتغيير الصورة النمطية لقوات الدعم السريع في الذهنية الشعبية لدى أهل السودان، واعتمدت هذه الفكرة على التواصل مع القوى السياسية ورجالات الإدارة الأهلية والقوى المدنية الفاعلة في سائر مناطق السودان، واستخدمت هذه الفكرة عنصرَ المال والدفع والصرف بسخاء لتأليف القلوب، بإهداء السيارات لقيادات قبلية وإقامة مشروعات خدمية في مجالات الصحة والتعليم والرياضة وغير ذلك. وبالمقابل تم تجنيد العديد من أبناء القبائل عبر قياداتهم في مختلف مناطق السودان في صفوف الدعم السريع. وكذلك فإن عنصر المال المتاح للدعم السريع استُخدم للتأثير على القوى السياسية والمدنية من الناشطين والإعلاميين باستقطاب مواقفهم بغية الاصطفاف مع الدعم السريع قبل الحرب؛ إلا أن ذلك كان محدودا. وبعد قرار الحرب، لم تعد هذ الحاضنة مجدية للدعم السريع لأنها اعتمدت على إمالة القلوب والعقول بالمال ولم تنطلق من فكرة عقدية مركزية لمواجهة جيش البلاد.

 

الرابعة: الحاضنة الإقليمية والدولية

 

أما الحاضنة الرابعة والأخيرة التي فقدتها قوات الدعم السريع فهي الحاضنة الإقليمية والدولية، فقد حاول قوات الدعم السريع إقامة علاقات إقليمية مع العديد من دول الجوار الإقليمي للسودان خاصة بعد التغيير السياسي عام 2019 في بداية تحولها من قوة عسكرية مساندة للقوات المسلحة بموجب القانون؛ إلى لعب دور سياسي في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد السياسي.

 

وتشير المعلومات إلى أنها أقامت علاقات مع دول مثل كينيا وإثيوبيا وإريتريا ودول عربية وأفريقية أخرى، وهذه تعد من الأخطاء الإستراتيجية (جيوسياسية) التي سمحت بها قيادة القوات المسلحة، فكيف لقوة مسلحة هي جزء من المنظومة الأمنية أن تتمدد بهذا الشكل سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا مع المحيط الإقليمي والدولي بعيدا عن مؤسسات الدولة؟ إذن فما دور وزارة الخارجية التي كانت هي آخر من يعلم ما تقوم به قوات الدعم السريع في هذا المضمار إقليميا ودوليا؟ وخير دليل على ذلك العلاقات التجارية والسياسية والدبلوماسية المشبوهة بين قيادة قوات الدعم السريع والرئيس الكيني وليام روتو والذي تشير المعلومات إلى أن قائد قوات الدعم السريع مول حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية الكينية الأخيرة ضد الرئيس الكيني السابق أوهورو جومو كينياتا، فاضطرت حكومة السودان والقوات المسلحة لمعالجة هذا الخلل الإستراتيجي لرفض رئاسة الرئيس الكيني للجنة “الإيغاد” الرباعية للتوسط في الصراع السوداني لعدم حياده في قمتي الإيغاد الأخيرتين في كل من جيبوتي وأديس أبابا، وتفشل بذلك جهود الإيغاد في التوصل لحل مقبول للطرفين، رغم أن السودان يميل إلى الدور الأفريقي في لعب دور للتوسط في الصراع لمعرفته بتفاصيل الواقع السوداني عوضا عن الدور الدولي في الملف.

 

وضربت الحاضنة الإقليمية الأفريقية للدعم السريع أيضا حينما اعتذر عن المشاركة الرئيسُ الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي وكذلك رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت والرئيس اليوغندي يوري موسيفيني؛ بل عمق الفشل وصفُ الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لقمة الإيغاد الأخيرة في أديس أبابا بـ”البازار” السياسي وامتنع عن المشاركة فيها.

 

وقد فقدت قوات الدعم السريع الحاضنةَ السياسية الدولية سريعا والتي تتمثل في الاعتماد على روسيا وذراعها العسكرية والاقتصادية الطويلة في أفريقيا ومنها السودان، خاصة بعد تداعيات تمرد شركة فاغنر ومرتزقتها على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد انشغلت روسيا بصراعها مع فاغنر وقائدها بريغوجين عن التواصل الفعال مع قائد قوات الدعم السريع في محنته؛ فضلا عن انشغالها بصراعها المسلح مع أوكرانيا، ولا يخفى على المتابع أن الولايات المتحدة الأميركية لها موقف صلب تجاه الدعم السريع الذي تصنفه مليشيا متمردة وترقب بعين الحذر علاقته بروسيا ومرتزقة فاغنر التي لا تريد لها أي دور في السودان أو أفريقيا، ولعل هذا الموقف الأميركي الواضح من قوات الدعم السريع أطلق بصورة أو بأخرى يد الجيش السوداني في تمرد قوات الدعم السريع وخفف كثيرا من وطأة الضغط الأميركي على حكومة السودان التي تمثلها القوات المسلحة السودانية.

 

وهكذا فقد الدعم السريع حواضنه محليا وإقليميا ودوليا في صراعه مع القوات المسلحة بل مع المجتمع السوداني، وبدأت هذه الحواضن المعطوبة تتساقط واحدة تلو الأخرى كورق الشجر اليابس في موسم صيف شديد الحرارة رغم زخات المطر التي أخذت تتساقط في بداية موسم خريف أهل السودان، ولسان الحال يردد مع الإمام الشافعي:

 

وعين الرضا عن كل عيب كليلة             ولكن عين السخط تبدي إليك المساويا

فإن تدنو مني تدن منك مودتــي              وإن تنــــأ عني تلقنــــي عنك نائيـــــا.

 

مأمون عثمان – كاتب سوداني – الجزير