أزمة حادة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد… وتهديد سعودي بمعاقبة الإمارات
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، تقريرا كشفت فيه عن وجود خلافات حادة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد.
الصحيفة في تقريرها المطول الذي حمل عنوان “أفضل الأصدقاء وأكثرهم عداءً: تصادم ولي العهد السعودي مع رئيس الإمارات”، وقالت إن الأزمة التي كانت بوادرها تلوح بالأفق منذ مدة، باتت حقيقية منذ كانون أول/ ديسمبر الماضي.
وأرجعت الصحيفة السبب الأبرز للأزمة إلى التنافس على من تكون له اليد العليا في المنطقة، لا سيما مع تراجع النفوذ الأمريكي، وشعور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه لم يعد بحاجة إلى “مرشده السابق” ابن زايد.
وأوردت الصحيفة أن من علامات الخلاف الظاهرة، غياب ابن زايد عن حضور آخر قمتين في السعودية، الأولى التي جمعت دولا عربية بالرئيس الصيني، والثانية القمة العربية التي شهدت عودة عضوية سوريا.
تهديد وقلق أمريكي
قالت الصحيفة إنه في كانون أول/ ديسمبر الماضي، جمع ولي العهد السعودي صحفيين محليين في الرياض لإجراء جلسة توضيحية نادرة، وألقى رسالة “مذهلة”، قال فيها إن حليف المملكة منذ عقود، الإمارات، قد “طعننا في الظهر”. وأضاف: “سيرى ما يمكنني فعله”، بحسب ما قال شهود الاجتماع.
وتحدثت الصحيفة عن أن ابن سلمان أرسل مطالب للإمارات، على غرار المطالب التي حاولت دول الحصار حينها، فرضها على قطر قبل نحو ست سنوات.
ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها إن ابن سلمان قال ما نصه: “سيكون الأمر أسوأ مما فعلته مع قطر”.
وأوضحت الصحيفة أن هذه اللغة الحادة التي تحدث بها ابن سلمان، وتهديده بمعاقبة الإمارات كما فعل عند حصار قطر عام 2017، جعلت الولايات المتحدة تشعر بالقلق.
وأضافت أن واشنطن ترى عدم قدرة على تشكيل أي قوة ردع لوقف التمدد الإيراني، في حال وجود خلاف خليجي-خليجي بهذا المستوى.
وأوضحت أن واشنطن تشعر بالقلق أيضا من أن هذا الخلاف قد يعطل نهاية حرب اليمن، ويوقف توجه السعودية نحو التطبيع مع الاحتلال.
ولفتت إلى أن مواصلة الإمارات دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن الساعي للانفصال، يعني أن الحرب لو طالت فستصطدم حتما مع الرياض التي تدعم الحكومة الشرعية، مشيرة إلى أن البلدين يتنافسان في إقامة مشاريع تنموية واقتصادية في البلد الذي أنهكته الحروب منذ سنوات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في إدارة الرئيس جو بايدن قوله عن ابن زايد وابن سلمان: “إنهما شخصان طموحان للغاية يرغبان في أن يصبحا لاعبين رئيسيين في المنطقة والشخصيات الأولى التي تلجأ إليها”.
وأضاف: على بعض المستويات، لا يزالان يتعاونان. لكن الآن لا يبدو أن أيًا منهما مرتاح بأن يكون الآخر على نفس المستوى. بشكل عام، فإنه ليس من المفيد لنا أن يتناحرا مع بعضهما البعض.
وعلى الرغم من قربهما في الماضي، إلا أن الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد لم يتحدثا مع بعضهما البعض منذ أكثر من ستة أشهر، بحسب ما قال مقربون منهما، بحسب الصحيفة.
ولفتت الصحيفة إلى أن وساطة أمريكية سمحت لشقيق ابن زايد ومستشاره الأمني طحنون بن زايد، بمقابلة ابن سلمان الذي أحجم عن ذلك في آخر زيارات الشيخ الإماراتي.
وأضافت أنه رغم ذلك، فقد أبلغ ابن سلمان المقربين منه بأن مقابلته طحنون لن تغير شيئا، لأنه “لم يعد يثق بالإمارات”، رغم أن الشيخ الإماراتي وعد بتقديم تنازلات في اليمن.
نقاط تنافس
تتوجه مصالح الإمارات والسعودية في اليمن في اتجاهين متباينين، وهو ما يعرقل جهود إنهاء الصراع في تلك البلاد، بحسب الصحيفة.
وأضافت أن توترات الإمارات حول ضغط السعودية لرفع سعر النفط العالمي تسبب في إحداث شقوق جديدة في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”.
البلدان يتنافسان اقتصادياً بشكل متزايد. ضمن خطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإنهاء الاعتماد الاقتصادي للمملكة على النفط، فإنه يدفع بشركات لنقل مقراتها الإقليمية إلى العاصمة السعودية الرياض بدلاً من دبي التي تعتبرها المدينة الأكثر تجانسًا وتفضيلًا لدى الغربيين.
كما أنه يطلق خططاً لإنشاء مراكز تقنية وجذب المزيد من السياح وتطوير مراكز لوجستية تنافس موقع دبي كمركز تجاري للشرق الأوسط.
في شهر آذار/ مارس الماضي، أعلن عن إنشاء شركة طيران وطنية ثانية تتنافس مع طيران الإمارات العريقة في دبي.
وفي مجال القوة الناعمة، فإنه جرى شراء سعودي لنادي نيوكاسل لكرة القدم في إنجلترا واستثمار في نجوم عالميين محليين وذلك في وقت توج فيه نادي مانشستر سيتي المملوك من قبل منصور بن زايد شقيق محمد بن زايد، بالدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا.
وبحسب الصحيفة، فإن رئيس الإمارات، محمد بن زايد، انزعج من التفوق الذي يحظى به الأمير السعودي والذي يعتقد مسؤولو الإمارات أنه ارتكب بعض الأخطاء الجسيمة، وفقًا لمسؤولين في الخليج.
نفي من البلدين
ورغم كل ما أوردته الصحيفة، إلا أنها نقلت عن مسؤولين من البلدين، نفيهما بشكل قاطع وجود أي خلافات حالية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي قوله إن “المزاعم بوجود علاقات متوترة بين البلدين زائفة تماماً وتفتقر للأساس”، فيما أطلق مسؤول سعودي عبارة “ببساطة غير صحيحة” لوصف هذه الفكرة.
وقال المسؤول السعودي: “الإمارات هي شريك إقليمي مقرب للمملكة، وتتطابق سياساتنا في مجموعة واسعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك”. وأضاف المسؤول أن البلدين يعملان سوياً مع دول الخليج الأخرى في التنسيق السياسي والأمني والاقتصادي.
وأشار المسؤول الإماراتي إلى أن “الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تستند إلى نفس الأهداف والرؤية للرخاء والأمان والاستقرار الإقليمي”.
الخروج من الظل
تقول دينا إسفندياري، كبيرة مستشاري برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن “التوترات تتصاعد بينهما، جزئيا بسبب رغبة ولي العهد السعودي في الخروج من ظل محمد بن زايد”.
وتضيف: الأمور ستزداد سوءًا، لأن كلا البلدين يزدادان ثقة وتصاعدًا في سياساتهما الخارجية.
علاقة حذرة
رأت الصحيفة أن علاقة السعودية والإمارات منذ القدم، لم تكن سلسة بشكل تام، إذ إن العلاقة توترت في بعض الفترات منذ استقلال الإمارات عن بريطانيا في عام 1971.
وأوردت الصحيفة جانبا من هذه الشواهد:
أحس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الإمارات، بالتسلط السعودي على شبه الجزيرة العربية، ورفض الملك السعودي فيصل اعترافه بالجارة الخليجية لسنوات، سعياً للحصول على مزيد من القوة في النزاعات الإقليمية المختلفة.
في عام 2009، عرقلت الإمارات مخططات إنشاء مصرف مركزي خليجي مشترك بسبب الموقع المقترح له في الرياض. وحتى يومنا هذا، فإنها تستمر النزاعات الإقليمية بين البلدين بشأن الأراضي الغنية بالنفط.
اقترب البلدان من بعضها البعض مع صعود محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. أصبح الشيخ الإماراتي الحاكم الفعلي لبلاده في سنة 2014 عندما تعرض أخوه الراحل الشيخ خليفة بن زايد للمرض. وعندما بدأ محمد بن سلمان في تجميع السلطة بعد وصول والده الملك سلمان إلى العرش في عام 2015، بدأ محمد بن زايد في تهذيب الأمير السعودي الشاب الذي كان في سن الـ 29 فقط آنذاك.
العلاقة بين محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، كانت معقدة ومتسمة بتحولات في الديناميكية على مر السنين.
قيل إن صداقتهما نمت خلال رحلة تخييم مفاجئة في الصحراء السعودية، وكانت نقطة تحوّل في علاقتهما.
لعب كل منهما دورًا حاسمًا في تأثير الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لصالح ابن سلمان، ما ساهم في توحيد سلطته كوريث للعرش السعودي.
وكذلك قاما بصياغة تحالف في السياسة الخارجية شمل التدخل في اليمن، والمساعدة في تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر بانقلاب عسكري، وتسليح مقاتلين ليبيين في المنطقة الشرقية المقسمة من البلاد، ومقاطعة قطر بسبب العلاقات مع إيران والإسلاميين.
الشعور بالورطة
وحاول كلا الزعيمين تخليص بلادهما من تلك التدخلات فيما بعد، بحسب “وول ستريت جورنال” التي أضافت أن “ابن سلمان يشعر اليوم بأن الرئيس الإماراتي قاده إلى صراعات كارثية خدمت مصالح الإمارات وليس مصالح السعودية، وفقًا لمسؤولين خليجيين”.
مع ذلك، قال دوغلاس لوندن، وهو ضابط استخبارات متقاعد من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والعالم الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن التوترات بينهما من المرجح أن تتصاعد بينما يتراجع تهديد إيران والجماعات الإرهابية.
ومع ذلك، فإن لوندن قال إن ولي العهد السعودي وضع نهجًا أكثر عملية لقيادة بلاده، ما يجعل من المستبعد أن يتخذ إجراءاتٍ متسرعة ضد الإمارات.
الخلاف النفطي
هذه التوترات يعلوها الخلاف بين السعودية والإمارات في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، حيث قامت الإمارات بخفض الإنتاج في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي بناءً على قرار اتخذته المنظمة، ولكنها أبلغت في الخفاء المسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام بأن السعودية اضطرتها للانضمام إلى القرار.
تعكس هذه الديناميكية خلافًا أطول الأمد بين السعودية والإمارات بشأن سياسات “أوبك”، حيث تسيطر الرياض على المنظمة منذ فترة طويلة كأكبر مصدر للنفط الخام في العالم. وقد زادت الإمارات طاقتها الإنتاجية للنفط إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميًا وتسعى للوصول إلى ما يزيد على الخمسة ملايين برميل، ولكنها مسموح لها بضخ لا يتجاوز الثلاثة ملايين برميل طبقًا لسياسة “أوبك”، ما تسبب في خسارة مئات المليارات من الدولارات من إيراداتها.
وزيادة طاقة الإنتاج النفطي الإماراتي تعطيها القدرة المحتملة على زيادة أو خفض إنتاج النفط وبالتالي تأثير أسعار النفط العالمية. وحتى وقت قريب، كانت السعودية هي الدولة الوحيدة التي تمتلك هذا النوع من السلطة في السوق العالمية للنفط.
ووصلت التوترات بين الإمارات والسعودية إلى حد أنهما قالا لمسؤولين أمريكيين إنهما على استعداد للانسحاب من “أوبك”، وفقًا لمسؤولين خليجيين وأمريكيين.
وقال مسؤولون أمريكيون إنهم يعتبرون ذلك إشارة إلى غضب الإمارات وليس تهديدًا حقيقيًا. وفي اجتماع “أوبك” الأخير في حزيران/ يونيو الماضي، سُمح للإمارات بزيادة متواضعة في الحد الأدنى لإنتاجها، وظهر وزير الطاقة الإماراتي وهو يُمسك بيد نظيره السعودي، ما يشير إلى تقارب بينهما.