ليبيا تشن حرباً بالمسيّرات على تجار المخدرات والمهربين
وجّه الجيش الليبي في المنطقة الغربية مؤخراً ضربات مُركزة على نقاط محددة لعصابات التهريب وتجار المخدرات، والتي تعاظم دورها منذ سقوط نظام معمر القذافي، في عام 2011، وانشغال الحكومات المتعاقبة بالصراع السياسي والعسكري على السلطة بين مختلف الأطراف الفاعلة على الأرض.
وفضّل الجيش الليبي والكتائب المساندة له عدم فتح جبهة جديدة ضد عصابات المخدرات والتهريب، في الوقت الذي كانت تواجه فيه ليبيا تهديدات وجودية واضطرابات سياسية، وتنظيمات إرهابية.
ومع الاستقرار النسبي الذي بدأت تعيشه البلاد وأيضاً بعد تصاعد الانفلات الأمني في مدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس) بين عدة تشكيلات مسلحة، إلى الدرجة التي دفعت سكاناً من المدينة إلى الخروج في مظاهرات لمطالبة حكومة الدبيبة والأجهزة الأمنية بالتدخل لوقف الانفلات الأمني أطلقت وزارة الدفاع التي يقودها أيضاً الدبيبة، عملية أمنية، في 25 مايو/أيار، باستخدام سلاح الطيران المسيّر، ضد أهداف محددة غرب طرابلس، لكن ردود الفعل كانت متباينة بين مؤيد ومتحفظ على هذه العملية.
عصابات التهريب والمخدرات تستأسد
تحولت ليبيا في السنوات العشر الأخيرة من منطقة عبور لتجارة المخدرات إلى منطقة استهلاك، ومع ذلك لم يُسلَّط الضوء على عصابات المخدرات التي تحولت إلى مافيا تخشى الأجهزة الأمنية التورط معها في حرب شاملة، وتكتفي في كثير من الحالات بتوقيف تجار المخدرات فرادى عند مرورهم عبر الطريق الساحلي أو دخولهم إلى طرابلس بعيداً عن أوكار تجمعهم.
ومع ذلك حدثت مواجهات مسلحة بين عصابات المخدرات وأجهزة أمنية داخل العاصمة ذاتها، مثلما وقع في يناير/كانون الثاني 2015، بعد اعتقال أحد مروجي المخدرات.
ومدينة الزاوية، على وجه الخصوص، تنشط بها عدة عصابات للجريمة المنظمة، نظراً لوجود بأكبر مصفاة نفطية بالمنطقة الغربية بها، إذ ينشط حولها مهربو الوقود، بخاصة نحو تونس ومدن الجنوب ومنها إلى دول الساحل.
كما أن الزاوية، تقع على الطريق الساحلي الرابط بين طرابلس والحدود التونسية، الذي تنشط به حركة تجار المخدرات وتهريب الوقود “المدعم”.
استهداف عصابات التهريب والمخدرات
زيادة معدلات الجريمة في المنطقة الغربية بالكامل، دفع وزير الداخلية بإشراف النائب العام الصديق الصور، نهاية 2022، إلى إصدار قرار تشكيل غرفة أمنية مشتركة بالزاوية بقيادة اللواء علي خليفة اللافي، وعضوية قائد الأركان محمد الحداد، وصلاح الدين النمروش، قائد المنطقة العسكرية الساحل الغربي.
لكن الغرفة الأمنية المشتركة للزاوية لم تُفعّل رسمياً إلا في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد ثلاثة أشهر من الإعلان عنها، بالنظر إلى الوضع العام في البلاد والصراع بين الكتائب الموالية لباشاغا، وقوات الدبيبة، للسيطرة على طرابلس.
لكن شباب المدينة ضاقوا ذرعاً بهذا الانفلات الأمني، وأطلقوا “حراك تصحيح المسار”، ونظموا عدة احتجاجات مثل إغلاق مداخل مصفاة الزاوية والطريق الساحلي ومقر البلدية.
ورغم ذلك لم تنطلق العمليات العسكرية ضد مهربي الوقود والمخدرات وتجار البشر إلا في 25 مايو/أيار الماضي، بعد أن جرى وضع خطة تحت إشراف وزارة الدفاع.
لكن هذه المرة لم تتدخل غرفة العمليات الأمنية المشتركة بقوة برية، بل استخدمت الطائرات المسيّرة على الطريقة الأمريكية.
واستهدفت حكومة الوحدة ما أسمتهم “أوكار الجريمة” ليس في الزاوية فقط بل في كامل منطقة غرب طرابلس، على غرار منطقة الحرشة في محافظة الزاوية، وبئر الغنم وبوصرة (جنوب الزاوية)، وميناء الماية (27 كلم غرب طرابلس) المشهور بتهريب المهاجرين غير النظاميين، وكذلك ميناء زوارة (120 كلم غرب طرابلس)، ومنطقة العجيلات (80 كلم جنوب غرب طرابلس).
ولاقت هذه الهجمات بالطائرات الليبية المُسيرة ترحيباً من الحراك الشعبي بالزاوية، لكن محتجين آخرين قطعوا الطريق الساحلي الاستراتيجي الرابط بين طرابلس وتونس، على مستوى منطقة الماية ومدينة صرمان (60 كلم غرب طربلس).
ورغم محاولة أطراف متضررة من العملية الأمنية ضد “بؤر الجريمة”، اتهام أنقرة بالوقوف وراء عمليات الطيران المُسيّر، إلا أن سفير تركيا لدى طرابلس كنعان يلماز، نفى مشاركة بلاده في العمليات الأمنية الأخيرة غرب العاصمة، مؤكداً حرص تركيا على دعم الاستقرار والأمن في ليبيا.
كما نفى خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وجود أي علاقة لتركيا بإدارة الطيران المسيّر، موضحاً في بيان أنه يدار بشكل مباشر من وزير الدفاع.
لكن المشري، عبّر عن تحفّظه على قصف بؤر الجريمة بالطيران المُسيّر وقال إنه جرى بدون علم المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان وحتى اللجنة الأمنية العسكرية المشتركة التي شُكلت مؤخراً.
بينما رد الدبيبة، بتأكيد أن المواقع التي جرى استهدافها في الساحل الغربي حُددت من قبل رئاسة الأركان، وجميعها كانت مواقع للتهريب وأوكاراً للمخدرات.
وبعد خمسة أيام من انطلاق العملية الأمنية، ترأس المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للجيش الليبي، اجتماعاً عسكرياً طارئاً، بحضور رئيس الوزراء وزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة، لبحث تعزيز الأمن في طرابلس ومدن الساحل الغربي، وآليات مواجهة الجماعات الخارجة عن القانون بما يدعم ويعزز الاستقرار في المنطقة الغربية.
وكان واضحاً أن الهدف من هذا الاجتماع أخذ المجلس الرئاسي زمام المبادرة من وزارة الدفاع، باعتباره القائد الأعلى للجيش، وحتى لا يجري تسييس محاربة الجريمة المنظمة، التي أصبحت مطلباً شعبياً.